يقولون: ان العربي ومعهم جموع كثيرة من العالم "النائم" سيصلون إلى "محطة" القرن الواحد والعشرون على ظهر حمار أعور أعرج مصاب بذبحة صدرية، ويعاني من أرتيكاريا شديدة في مؤخرته. ولا اعتذار عندي ل "جمعية الحمير المعاقين"، ولا إلى رعيمتها "بريجيت باردو"، خاصة بعد أن انتهى تاريخ صلاحيتها للاستهلاك الآدمي. ولن أعتذر إلى الذين يصلون غالبًا إلى "المحطة" بعد موعد الإقلاع، مستخدمين وسائل نقل بدائية قديمة منهكة. والعجيب أنه رغم هذا الوصول المتأخر، فإنه سيكون هناك كالعادة حشدُ كبير من المودّعين، وفريق من الزامرين والمطبّلين جاءوا ليودعوا ابنهم الوحيد الذي يذهب إلى "المدينة الكبيرة" للمرة الأولى. تحرك القطار قبل أن يصلوا ومع ذلك فإن الحفلة ستستمر، وسيعلو صوت الزمر والطبل، وسيرقص الراقصون، ويخطب الخطباء، ويرتشف آخرون القهوة "سكر زيادة"، ويشربون "الكاركاديل" في مقهى "المحطة". ولن يحول الوصول المتأخر إلى المحطة، بعد تحرك القطار دون أن يستمتع القوم بوقتهم. فنحن قوم لا يمنعنا شيء دون قضاء وقت ممتع، أو حتي تبادل التهاني، برحيل قطار تأخر عن موعده، وفاتنا أن نكون من ضمن المسافرين عليه. فمثلاً: تنبه العرب مؤخراً أن هناك منظمة تدعى "منظمة التجارة الدولية"، وهي منظمة من منظمات القرن الواحد والعشرين، أقامها "رؤساء" القرن المقبل لكي تكون البوليس، والقاضي، والخصم، والحاكم الدولي الاقتصادي. ويزعم السادة الرؤساء -ولا رادّ لزعمهم -أن الداخل فيها "مولود"، والخارج عنها "مفقود". وبما أننا مقتنعون بذلك ولا يهم أبداً أن نكون غير مقتنعين ولا نريد أن نكون "مفقودين" فقد أخذنا نلهث للحاق بقطار المنظمة الدولية بعد أن تحرك، ولم يعد لدينا متسع من الوقت لترتيب حقائبنا وتنظيم أوراق سفرنا، وتوصية الجيران على العناية بنباتات منزلنا، وإطعام قطتنا الأسيرة. والمعلوم للآخرين بالطبع أن هذه المنظمة هي نتيجة مفاوضات ما يُعرف ب "حلقة مفاوضات أوراجواي في إطار ما كان يسمى ب الجات، والتي استمرت أكثر من عشرين عاماً، وعقدت .. حلقات للمفاوضات في مواقع عديدة، وغطَّت مواضيع عريضة في مجالات النشاط الاقتصادي، والتبادل التجاري المختلفة، سلعاً وخدمات. كانت هناك دعوات للالتحاق بركب أوراجواي في وقت مبكر، وكنا سندرك، لو أننا عملنا واجباتنا المنزلية، أن ذلك الالتحاق سيكون بشروط ميسرة جداً، دون صعوبات، ودون مساعدة.. ومنّة من أحد. ولابد أن "حكماء" ذلك الوقت، ظنّوا ان هذه الدعوات مؤامرة، استعمارية خبيثة وأن علينا أن ننتظر ونراقب، ونتأمل ونقيّم إلى آخر المفردات في "قاموس" أهل "الانتظار" و"المراقبة". عشرون عاماً أو تزيد ونحن نائمون في بحر "المهلبية" اللذيذ. وحتى عندما سمعنا صفارة القطار مؤذناً بالرحيل أخذنا وقتنا بكل هدوء وآثرنا أن "نفرش" أسناننا على مهل، ونحلق ذقننا، ونختار "ربطات أعناقنا كأن لدينا كل الوقت الذي نريد. وكان من الممكن أن نفهم، لو أن هناك رفضاً مبدئياً ونهائياً للانضمام إلى عضوية المنظمة، أمس واليوم وغداً. ولكننا اكتشفنا أننا نريد الانضمام ونسعى إليه، وأننا نعلن أسفنا لأننا كنا نائمين وفي إحدى الأذنين طين وفي الأخرى عجين. واليوم يحاول العرب، أو بعضهم الانضمام إلى ركب المنظمة والالتحاق بقطارها الذي تحرك، ويواجهون شروطاً ومطالبات، تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، كلما تأخروا عن الانضمام. أوراقنا التفاوضية قليلة.. ضعيفة،، والسادة الرؤساء أقوياء مهيمنون، متعجرفون، ويقولون لنا بكل صَلَف: إذا لم تعجبكم هذه الشروط، فاشربوا من ماء البحر وبشروطنا أيضاً. هكذا .. عشقُنا ل "الوصول" المتأخر.. على وسائل نقل بدائية هزيلة، أضاع علينا فرصاً أفضل ويكاد يضيع علينا الآن فرصاً أكثر، إذا لم نسارع إلى التخلص من عاداتنا السيئة واستبدال "وسائل" نقلنا المتخلفة. ولتذهب "بريجيت باردو" وحميرها إلى الجحيم.