لم اصدق ان فيلم "طفلاً نافخ الزجاج" اكتمل وأصبح بالامكان مشاهدته في صالات العرض، فالعمل فيه توقف مرات عدة بسبب العجز في الموازنة وقلة الدعم المالي اللازم لانجازه، حتى ان الأمل بمشاهدته بات ضرباً من التفاؤل الساذج. يعد "طفلاً نافخ الزجاج" انجازاً فنياً كبيراً في تاريخ سينما الصغار، وهو بلا شك واحد من الافلام السويدية الأبرز مثل "الاخوة" للمخرج اوله هيلبوم و"حياتي ككلب" للمخرج لاسه هالسترويم و"هوغو وجوزفين" للمخرج شيل غريدي. والمعروف ان للسينما السويدية تاريخ قديم في حقل انتاج الافلام الروائية للاطفال بدأ عام 1922 عندما تم انتاج اول فيلم روائي للاطفال في عنوان "كاله ابن السيدة اندرسون". ويلاحظ ان تطور فيلم الطفل رافق تطور ادب الطفل، وازدهر مع ازدهار قصص الاطفال التي بلغت اوج نهوضها في السبعينات والثمانينات، عى ايدي كاتبات لامعات من امثال استريد ليندغرين وباربرو ليندغرين ومارينا كريبه وبلغ عدد الافلام الطويلة المنتجة للأطفال في الثمانينات ستة وخمسين فيلماً وهو انتاج ضخم لبلد لا يتجاوز سكانه ثمانية ملايين نسمة. وللمخرج انديرس غروينروس تجربة سينمائية تتعدى العشرين عاماً، الا ان شهرته ذاعت بعد فيلمه المعروف "اغنيس سيسيليا" للكاتبة ماريا غريبه عام 1991، الذي فاز بعدد من الجوائز العالمية. والواقع ان المخرج غروينروس يستمد اسلوبه السحري ورؤاه الشاعرية من عالم الكاتبة كريبي نفسه، وفيلماه المذكوران امتداد وتجسيد خلاق لروايتي كريبي. ويذكر ان العلاقة الفنية بين الاثنين نشأت بعد ان شاهدت كريبي لغروينروس فيلما وثائقياً ذا مسحة شاعرية في عنوان "الوردة بين يديك" عن الازمات الجدية في الحياة، عن الميلاد والموت، الاحلام والرؤى، الواقع وما فوق الواقع، واكتشفت في الحال ان غروينروس هو المخرج المطلوب لاخراج قصتها للسينما. ويتحدث غروينروس عن انطباعه عن القصة فيقول: "بعد انتهائي من قراءة القصة امتلكتني رغبة شديدة في اخراجها، انها قصة تدخل القلب رأساً". كتب سيناريو الفيلم بنفسه، متقيداً بالقصة من دون اجراء تغييرات. فعالم الروائية السويدية اصلاً عالم سينمائي حافل بالصور الدرامية وبلحظات الصمت المشدودة، ووراء كلماتها المشحونة بالاحاسيس والانفعالات دلالات انسانية عميقة غير مرئية. اما فيلمه "طفلا نافخ الزجاج" فتمتزج احداثه الواقعية بأحداث وهمية وخيالية. الاحداث تجري في فضاء بين الواقع واللاواقع، بين الطبيعي والاسطوري. هنا تتكشف ملكة غرينوروس الابداعية عن قدرته كمخرج في اضفاء الطابع اليومي على كل ما هو اسطوري، وتجسيد الاسطوري حقائق يومية، فالحياة بحد ذاتها حكاية، والحكاية جوهر الحياة، والعلاقة بين الاثنتين كالعلاقة بين الواقع والحلم. اما التحولات الروحية في الفيلم فتوحي بالتواصل والاستمرارية فلا وجود للبداية والنهاية. تبدأ القصة في منزل صانع الزجاج "البرت" الحرفي الماهر، والفنان الحالم، وأشهر من ابدع في انتاج تحف فنية من الزجاج، ومع ذلك فحظه عاثر، لأنه لا يجد سوقاً لبضاعته الثمينة فيعيش هو وأسرته في فقر مدقع. ويحدث ذات يوم ان يحضر الى سوق القرية تاجر غريب السحنة يشتري منه بأسعار خيالية كل معروضاته دفعة واحدة. وتكافأ الزوجة بخاتم ثمين ذي جوهرة سحرية نادرة تعتبره ساحرة القرية فألاً سيئاً وتخبر الزوجة ان خطراً ساحقاً يتهدد طفليهما. تتحقق النبوءة بعد أيام اذ يختطف طفليهما كلاس الابن وكلارا الابنة ويساقان الى حصن منيع يسكنه حاكم احد الاقاليم النائية مع زوجته العاقر. وبناء على اوامر الحاكم يخضع الطفلان لرقابة مشددة ونظام تربوي صارم يفرض عليهما بموجبه قواعد اخلاقية قاسية تحرم عليهما متعة الضحك والفرح واللعب والمرح. ويمضي الوالدان في البحث عن طفليهما طوال الوقت الى ان تهتدي ساحرة القرية اليهما بفضل طائرها السحري وتحررهما من حصن الحاكم. الهيكل السردي للحكاية تقليدي في الظاهر كأي حكاية كلاسيكية، لكن الفيلم يكشف عن عالم زاخر بالرموز والرؤى الفنطازية والعناصر البصرية الحادة. الى جانب كل هذا يعالج الفيلم الافكار والتصورات الخاطئة التي يحملها الكبار عن الصغار.