السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموارد والاجراءات المالية في الاسلام . الاموال في العصر الاموي 2 من 4
نشر في الحياة يوم 25 - 12 - 1998

تذكر المصادر التاريخية انماطا من اوجه الصرف واسعار بعض المواد وتطور الحياة الاجتماعية الذي كان يتماشى مع تطور واردات الدولة من جهة. فالدولة هي اكبر سوق للتجارة كما يقول ابن خلدون، ولعل هذا الرأي مايزال ينطبق على الدولة في العالم العربي الحديث ايضا، خصوصا في ظل رأسمالية الدولة العربية الحديثة. فمؤسسة الخلافة نفسها كان لها من المتطلبات مايجعل السوق في حالة نشاط دائب. خاصة وان الاموال العامة كانت بيدها وتجبى لها وتعيد انفاقه وفق سياستها وسياسة الولاء لها.
كما تذكر المصادر حركة الاسواق و المواد التي كانت تباع في اسواق بغداد والاموال التي كانت تنتج عن التجارة في هذه الاسواق مما يدل على ازدهار الحياة الاقتصلدية للدولة الذي ينعكس بدوره على مستوى الحياة الاقتصادي للمجتمع بشكل عام وعلى التجار بشكل خاص. وكدليل على سعة الانفاق يذكر المسعودي ان زبيدة زوجة الرشيد حفرت عين المشاش بالحجاز ومهدت لها الطريق للحجاج مسافة اثني عشر ميلا فانفقت عليها مليون وسبعمائة الف دينار وانها اول من اتخذت الآلة من الذهب والفضة المكللة بالجوهر وصنع لها الرفيع من الوشي حتى بلغ سعر الثوب من الوشي المصنوع لها 50 الف دينار وهي اول من اتخذت القباب من الفضة والابنوس والصندل وكانت كلاليبها من الذهب والفضة ملبسة بالوشي والسمور والديباج وانواع الحرير من الاحمر والاصفر والاخضر والازرق واتخذت الخفاف والاحذية المرصعة بالجوهر وشمع العنبر.
فقد اشترى المتوكل سيفا ذكر له انه من صناعة الهند وانه فريد في طرازه فأمر عامله على البصرة بشرآذه بما بلغ وورد جواب عامل البصرة بأن السيف اشتراه رجل من اهل اليمن فأمر بالبعث الى اليمن فاشتري له بعشرة آلاف درهم وهو السيف الذي قتل به كما يقول المسعودي.
وسعر هذا السيف الذي عومل من قبل المتوكل معاملة تحفة انتيك في زماننا يساوي ثلث ثمن ضيعة في ذلك العهد. فقد دفع المنتصر ابن المتوكل عشرين الف درهم الى علي بن يحي المنجم، الذي كانت لديه عشرة آلاف درهم فقط، ليكمل سعر شراء ضيعة مجاورة لضيعته.
ضرطة ب 4000 درهم
وفي عهد عبدالملك بن مروان اهديت "اترسة مكللة بالدر والياقوت الى عبدالملك وهو خليفة فاعحبته وعنده جماعة من خاصته فقال لرجل من جلسائه اسمه خالد: اغمز منها ترسا، واراد ان يمتحن صلابته وكانت التروس ثقيلة، فقام فغمزه فضرط، فاستضحك عبدالملك فضحك جلساؤه س، فقال: كم دية الضرطة ؟ فقال بعضهم: 400 درهم وقطيفة. فامر له عبدالملك بذلك فانشأ رجل من القوم يقول:
ايضرط خالد من غمز ترس
ويحبوه الامير بها بدورا
فيالك ضرطة جلبت غناء
ويالك ضرطة اغنت فقيرا
يود الناس لو ضرطوا فنالوا
من المال الذي اعطي عشيرا
ولو نعلم بأن الضرط يغني
ضرطنا أصلح الله الأمير.
3 اغنيات ب 100000 الف درهم
ومن طريف ما يروى ان احدهم اشترى ثلاث اغنيان بمائة الف درهم وذلك في قصة ابراهيم بن المهدي الذي خرج على المأمون فجعل لمن يأتي بخبره مائة الف درهم فتنكر ابراهيم بن المهدي وخرج في يوم صائف وظل يسير في شوارع بغداد لايدري الى اين يتوجه فدخل زقاقا مسدودا ورأي رجلا على باب دار فسأله اعن موضع يقيم فيه ساعة من نهار فادخله الرجل داره وكان حجاما وكانت العرب لاتحب التعامل مع الحجامين من حيث النظافة وتأنف من الاسكافي والنداف فعرفه الحجام فخرج وابراهيم يظن انه سيخبر عنه بسبب الجعالة التي جعلت لمن يخبر عنه وهي مأئة الف درهم فدخل واحضر له آلات طبخ وخبز ولحم وجرة نظيفة وكل مايحتاج اليه وقال له انه حجام وانك تتقذر ما اقوم به فعليك بنفسك واصنع طعامك فطبخ ابراهيم واكل وشرب فاخرج الحجام عودا وطلب منه ان يغنيه فاستغرب ابراهيم بن المهدي ذلك وسأله كيف عرف انه يغني فقال له الحجام ياسيدي انت اشهر من ان لا اعرفك، انت ابراهيم بن المهدي وقد جعل المأمون مائة الف درهم لمن يدل عليك فتناول ابراهيم العود فاقترح الحجام ثلاث اصوات اغنيات فتعجب ابراهيم مرة اخرى وسأله من اين يعرف هذه الاصوات فاخبره انه كان يخدم اسحاق الموصلي فغناه ثلاث اغنيات وحين انتهى دله الحجام على الطريق ولم يخبر عنه وتنازل عن المائة الف درهم مقابل سماع ثلاث اغنيات من مغن شهير.
يعد زواج المأمون ببوران خديجة بنت الحسن بن سهل وزير المأمون اكبر عرس في تاريخ الجاهلية والاسلام كما يقول المسعودي اذ نثر الحسن بن سهل بنادق مسك على من حضر الحفل على ضفاف دجلة وكانت في كل بندقة رقعة اما باموال او ضياع او خيل. ثم نثر الدنانير والدراهم على الحاضرين فلم يبق احد بمن فيهم الخدم والحمالين والحراس وجند معسكر المأمون الا واصابته حصة من المال فبلغ ملايين الدراهم والدنانير فامر المأمون بحمل خراج فارس وكوز الاهواز لسنة الى الحسن بن سهل.
فاذا عرفنا ان خراج فارس كان يبلغ سنويا في عهد المأمون 24 مليون درهم وخراج كوز الاهوار 12 مليون درهم فان الحسن بن سهل كان قد قبض مبلغ 36 مليون درهم تعويضا عما انفقه بزواج ابنته من الخليفة. وتذكر بعض المصادر القديمة مثل الديارات وتزيين الاسواق ان ماخرج من بيت المال لتغطية نفقات الزفاف بلغ اربعين مليون درهم.
وقبل هذا الزفاف تقدر المصادر نفقات زفاف هارون الرشيد بخمسة وخمسين مليون درهم لكثرة ما وهب من اموال.
وكدليل على قيمة مايصرفه الخلفاء ويبذلونه ان بشار بن برد باع جبة مستعملة، خلعها عليه الخليفة المنصور بعد ان اجاز له بيتا واحدا من الشعر، بأربعمئة دينار الاغاني ج3ص39، هذا مع بخل المنصور وشحة بذله للاموال. وتذكر المصادرالخطيب البغدادي بان سيدات البلاط العباسي اللواتي حضرن زفاف بوران الى المأمون قد جلبن الانتباه لجمالهن وبهاء ملابسهن وبذخ زينتهن. وربما كانت الاندلس اكثر بخا وغنى من المشرق. فان المغني علوية اخبر المأمون عن قيمة المغني في بلاد الاندلس بقوله ان زرياب يركب في مائتي غلام مملوك له ويملك ثلثمائة الف دينار سوى الخيل والضياع والرقيق.
وقصة اموال البرامكة معروفة. وقد كان المنذر بن المغيرة من اهل دمشق. افلس فأتى البرامكة ببغداد وقص قصته على المأمون بعد ان القي القبض عليه في خرائب البرامكة ليلا فوصف خدم يحي بن خالد بانه في وسط كل خادم منطقة من ذهب يقرب وزنها من الف مثقال. ومع كل خادم مجمرة من ذهب ثم وصف للمأمون ما وزعه يحي على مائة واثني عشر شخصا حظروا عقد قران ابنته من ابن عمهافخرج مائة واثنا عشر خادما لكل مدعو خادم ومع كل خادم صينية فضة عليها الف دينار شامية. ثم بعد ان عرف يحي قصة افلاس المنذر اعطاه الف الف درهم مبدرة اي في بدر اي اكياس وعشرة آلاف دينار وقبالتين بضيعتين قصص العرب.ج1ص44 عن العقد الفريد.
وفي مجال استخدام الصكوك يذكر مؤلف دوحة الوزراء ان الفضل بن يحي وجه الى محمد بن ابراهيم الامام بالف الف درهم بصك صادر من هارون الرشيد كتبه الرشيد بخطه.
وبسبب ضعف الخلافة وتغلب الاطراف وانحلال المركزية وتعدد مراكز النفوذ التركي في الدولة العباسية صار كل قائد او امير او وزير يسك النقود على هواه وبالزنة التي يقدرها هو ويكتب عليها مايريد فقد حدث ابو الحسن العروضي مؤدب الراضي بالله الخليفة العباسي انه دخل على الخليفة فوجده واجما قد اعتراه هم وبيده دينار ودرهم، في الدينار نحو من مثاقيل وفي الدرهم كذلك وعليهما صورة بجكم التركي شاك في سلاحه وحوله مكتوب
انما العز فاعلم
للامير المعظم
سيد الناس بجكم
ومن الجانب الآخر الصورة بعينها وهو جالس في مجلسه كالمفكر المطرق.
ومن الاشعار التي استخدمت اوصاف خاصة بالدينار الوأواء الدمشقي الذي قال:
عانقت من اهوى وياطالما
بتُّ من الشوق على نار ِ
وفوقنا البدر على نصفه
كأنه شقة ُ دينار ِ
وقال المتنبي في قصيدة وصف شعب بوان
مغاني الشعب طيبا في المغاني
بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها
سليمان لسار بترجمان
طبت فرساننا والخيلَ حتى
خشيتُ وان كرمن من الحران
غدونا ننفض الاغصان فيها
على اعرافها مثل الجمان
فسرت وقد حجبن الحر عني
وجئن من الضياء بما كفاني
والقى الشرق منها في ثيابي
دنانيرا تفر من البنان
وقال ابن الرومي:
لم أرَ شيئا صادقا نفعهللمرء كالدرهم والسيف
يقضي له الدرهم حاجاتهوالسيف يحميه من الحيف
وقال آخر:
اذا ما خليلي صد عني بنبوة
فدرهمي المنقوش خير خليل
وقال احمد بن ابي طاهر
ولا يساوي درهما واحدا
من ليس في منزله درهم
وهو يشبه المثل العراقي "اللي ماعنده فلس مااحد يشتريه بفلس" وقال آخر:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
دنانير فيها جمة ودراهم
وقال شاعر:
حياك من لم تكن ترجو تحيته
لولا الدراهم ما حياك انسانُ
ومما يروى من طرائف عن سعر الصرف ان اعرابيا حصل على دينار فذهب الى الصراف فملأ يديه دراهم فقال الاعرابي مخاطبا الدينار: ما اصغر منظرك واعظم مخبرك.
وقيل لاحمق لم صار الدينار خيرا من الدرهم والدرهم خيرا من الفلس، فقال لا الفلس ثلاثة احرف والدرهم اربعة احرف والدينار خمسة.
وكان المتوكل قد ضرب دراهم وزن كل واحد عشرة بسبب حادثة له مع احدى جواريه وعلى جانب منها مكتوب
امازحها فتغضب ثم ترضى وكل فعالها حسن جميل
وعلى الوجه الآخر
فان غضبت فاحسن ذي دلال
وان رضيت فليس لها عديل
وكان المتوكل امر ان يضرب له الف الف درهم، في كل درهم قيراط لينثره مكان الورد وامر بان تصبغ الدراهم صفرا وحمرا وخضرا وكان الدرهم يبقى في الهواء لخفته بقاء الورد، ويبدو ان الدراهم والدنانير الخفيفة قد ازعجت الشعراء حتى قال فيه الشاعر
جاد بدينارين لي جعفر
اصلحه الله واخزاهما
وكاد لاكانا ولا افلحا
عليهما يرجح ظلاهما
وقال ابن الرومي يصف دينارا خفيفا:
كأنه في الكف من خفة
مقداره من صفرة الشمس
ويذكر الراغب الاصبهاني انه وجدت في خزانة جعفر بن يحي البرمكي دنانير في كل دينار مائة مثقال ومثقال ونقشه
واصفرَ من ضرب دار الملوك
يلوح على وجهه جعفرُ
يزيد على مائة واحدا
اذا ناله معسرٌ يوسر
لقد تضاعفت الاموال والواردات في الدولة العباسية عما كانت عليه في الدولة الاموية، كما توسعت قنوات واوجه الصرف باتجاه البذخ والتبذير بشكل فاق الحدود المعقولة او المتوقعة. فقد احصيت نفقات اعذار ختان المعتز ابن المتوكل فبلغت 66 مليون درهم. كما بلغت نفقات زواج المعتضد من قطر الندى عشرين مليون دينار، اي اكثر من 200 مليون درهم بينما كان صداقها مليون درهم وبنيت لها في الطريق من مصر ال بغداد قباب واستراحات تشبه اجواء قصر والدها في مصرحتى لا تتغير عليها البيئة ولا يتغير عليها المناخ النفسي.
وكدليل على شدة البذخ وشيوع مظاهر الترف فان الوزير ابن الفرات استهلك اربعين الف رطل ثلج في يوم استيزاره كما يذكر الصابي في كتابه "الوزراء" وكان في داره ماء مبرد يسقى منه جميع الشاربين من الرجالة والفرسان والمرافقين والمساعدين والاعوان وغيرهم. وكان الوزير حامد بن العباس ينفق على مائدته كل يوم 200 دينار ويقيم ثلاثين مائدة يوميا يخدم على كل مائدة ثلاثون خادما.
وفي الوقت الذي تضاعفت واردات الدولة العباسة حيث بلغت عام 179 هجرية 338 مليون و610 الف درهم فانها بلغت بالدينار 5 ملايين و830 الف دينار اي ان الواردات قاربت نصف المليار درهم من السيولة النقدية عدا الغلة التي بلغت 400 مليون و922 الف درهم.
وكان الترف ينعكس في الحياة اليومية، ففي حممامات بغداد كان يستهلك يوميا مليون نصف مليون رطل من الصابون وهذا يعني حركة نشطة في الاسواق وفي الصناعات والحرف ولا بد ان مصانع كبيرة كانت تلبي هذه الحاجة اواسعة للاستهلاك اذ كانت اسواق بغداد تبيع يوميا 690510 ارطال من الزيت. وكدليل على ازدهار النشاط التجاري في اسواق بغداد ان اليعقوبي يذكر ان اجرة اسواق بغداد سنويا كانت تبلغ 12 مليون درهم. وقد نشطت حركة الواردات والصادرات من والى بغداد عبر شبكة من الطرق البرية التي تربطها بالعالم الخارجي فهناك خمسة طرق رئيسية برية تربط بغداد بانحاء العراق ومنها بالعالم وهناك موانئ على نهر الفرات واخرى على نهر دجلة تنشط فيها السميريات والشذرات وهما نوعان من السفن التي تحمل البضائع بين الرقة وبغداد وبين البصرة والموصل وبغداد. وقد قدر الطبري ان عدد السميريات العاملة في نهر دجلة في موانئ بغداد وضواحيها ب 30 الف مركبا يكسب ملاحوها كل يوم 90 الف درهم
اعلان الافلاس
وحول اعلان الافلاس ذكرت المصادر ان الحجاج بن يوسف الثقفي قال: لا تجعلوا مالي عند من لايمنكنني استرجاعه منه. فقيل ومن الذي لايمكنك استرجاعه منه. قال المفلس. وحكم قاض على رجل بالفلاس فاركبه حمارا وطوف به ونودي عليه ان لا يبايع فهو مفلس فلما انزل قال له صاحب الحمار: هات الاجرة فقال له المفلس ولماذا اركبنا حمارك يا احمق. وكان الترف قد وصل الى استخدام الاكل بالملعقة ويروي الراغب في محاضرات الادباء ان اعرابيا اكل بالملعقة فاحترق فمه فقال ابعدني الله ان احكّم على فمي غير يدي وكان بعض الوجهاء يضع بين يديه ملاعق فاذا التقم بواحدة لم يعد اليها. وكان الاكل بالملعقة مع آخرين غير مستحب لان ادخالها بالفم واعادتها الى الصفحة او القصعة غير مقبول.
الخزينة والاحتياطي النقدي
يقول المسعودي ان المكتفي مات وقد خلف في بيوت الاموال من العين 8 آلاف الف دينار ومن الورق 25 الف الف درهم ومن الدواب والبغال والجمازات وغيرها 9 آلاف رأس وكان مع ذلك بخيلا. فقد كان له كل يوم عشرة الوان من الطعام، وجدي في كل جمعة، وثلاث جامات حلواء، ووكل على مائدته بعض خدمه وامره ان يحصي مافضل من الخبز، فما كان من المكسر عزله للثريد، وما كان من الصحاح ردَّ الى مائدته من الغد. واذا كانت مالية الدولة في عهد المكتفي بهذا الحجم رغم بخله، فانها تكاد تتراوح حول هذا المقدار حتى في سنوات الخلفاء الذين اشتهروا بالبذخ وتوزيع الاموال. وكانت مالية الدولة تحسب بعد وفاة الخليفة وهو مايمكن اعتباره الاحتياطي النقدي. وقد ذكرت المصادر ان المنصور الذي اشتهر بالتقتير خلف في بيت المال 900 الف دينار و50مليون درهم. بينما يقول مصدر آخر هو كتاب الذخائر والتحف لابن الزبير ان المنصور خلف 600 الف الف درهم و14 الف الف دينار. ومات المهدي وخلف في بيت ماله 20 مليون درهم فقط، ويذكر انه كان مسرفا وكريما موزعا للاموال واول من وقف الشعراء ببابه في طوابير !
اما الرشيد فقد مات وفي بيوت امواله 900 مليون درهم، هذا اذا عرفنا ان عصر الرشيد يعتبر العصر الذهبي وفيه وصل الترف الى اقصى حدوده. وهذا المبلغ يساوي قرابة 48 دينارا حسب سعر الصرف آنذاك. وخلف المعتصم 8ملايين دينار و830 الف درهم وهو مبلغ قليل لان المعتصم ارهق الخزينة بمصروفاته العسكرية على جنوده الاتراك وبنى لهم سامراء كعسكر لهم بعد ان شغبوا في بغداد وثار عليهم الناس ثم سرعان ما انتقل هو مع الخلافة كلها الى سامراء.
المصادرات
لعل ذكر المصادرات يلقي ضوء على تكدس الثروات بيد بعض مراكز النفوذ من كبار التجار والوزراء والكتاب والولاة والجباة وغيرهم. ففي كتاب الوزراء للصابي قدرت المبالغ التي صادرها ابن الفرات في وزارته الثالثة بپ8 ملايين واربعين الف دينار، وهي تساوي تقريبا احتياطي بيت المال. وتشير الى وفرة الاموال عند البعض.
وكان هؤلاء يخزنون اموالهم في جرار تحت الارض خوفا من السرقة اذ اعترف الوزير حامد بن العباس بعد عزله واخضاعه للتحقيق بأنه دفن 500 الف دينار في بلاليع حفرها بنفسه في داره. كما دفن امير الجيش بجكم وجد بعضها مخلوطا بالتراب وكانت قيمته 36 الف درهم وضاع ما دفنه في اماكن اخرى، وهذه الطريقة بحفظ الاموال عن طريق الدفن تحت التراب في جرار هي التي تجعل الاثاريين اليوم يعثرون على جرار مملوءة بالاموال والذهب والفضة والجواهر والياقوت والاحجار الكريمة مما اصبح يعني مفهوم الكنز الذي شاع العثور عليه في القصص والحكايات الشعبية المتداولة.
* كاتب عراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.