يطور عازف العود العراقي احمد المختار طريقة خاصة بالعزف تستمد تقنياتها وأساليبها من فهم جديد لتاريخ الآلة والموسيقى العربية القديمة، وهو حاول دائماً تطبيق خلاصاته النظرية بلغة ادائية متحررة من الانماط الاسلوبية الجاهزة وتستند الى الجانب الصحيح من التراث الموسيقي مع الانفتاح على متطلبات الموسيقى المعاصرة. اهتم المختار خصوصاً بافكار الفيلسوف الكندي ومنهجه في الموسيقى لما لها من أهمية استثنائية، فمؤلفاته هي من أقدم ما وصل الينا في علم الموسيقى العربية، خصوصاً وان كتب الذين سبقوه كانت في معظمها عن الغناء والاغاني وعن الموسيقيين والمطربين اكثر منها عن معاني الموسيقى وفلسفتها كما ذهب احمد المختار الذي أوجز استنتاجاته وملاحظاته ودراسته للموسيقى العربية القديمة ولافكار الفيلسوف الكندي عنها بشكل خاص في محاضرة تطبيقية مركزة - بمصاحبة العود - بعنوان: "العود والموسيقى في مؤلفات الكندي" ألقاها في جمعية فارمر للموسيقى الشرقية في غلاسكو. اضافة الى المصادر الكثيرة التي درسها المختار اعتمد بشكل خاص على مؤلفات الكندي التي جمعها الدكتور زكريا يوسف وحققها وأخرجها في كتابه "مؤلفات الكندي الموسيقية" في بغداد عام 1962 وهي: في خبر صناعة التأليف، كتاب المصوتات الوترية، اجزاء خبرية في الموسيقى، مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود والرسالة الكبرى في التأليف. يتوصل المختار الى عدد من الاستنتاجات خلال استعراضه ومناقشته الافكار والآراء التي سادت عن الموسيقى في فترة الكندي وما سبقه وطريقة تناوله لها وتأثره بها ويشير الى ان الكندي سواء استمد نظرياته من موسيقى اليونان، من اصول يونانية بحتة ام عبر مترجمات عربية عن الاغريقية فهناك عبارة أو عبارتان في مؤلفاته تنمان عن وجود ترجمة سريانية - بل ترجمة عربية عن اخرى سريانية، لكن الارجح هو ان المصادر التي اعتمدها الكندي لم تكن هي ذاتها التي رجع اليها كتاب آخرون الامر مما يؤيد فكرة ان البناء العلمي للموسيقى لديه معتمد على الاسس الموسيقية العربية القديمة مع الاستفادة من مصادر ومناهج يونانية، وهو بذلك يختلف عمن سبقه ممن اعتمد النظرية الموسيقية العلمية القديمة" ومختلف عمن جاء بعده من الكتاب الذين اعتمدوا المصادر اليونانية فقط وطبقوها على الموسيقى العربية. يمكن القول ان أغلب آراء الكندي عن خصائص الصوت الطبيعية هي من بنات افكاره الخالصة وغير مستعارة من اي مصدر آخر - كما ذهب المحاضر - واغلب الظن ان الكندي عرف ترجمات عربية لبعض مؤلفات ارسطو مثل النفس، الحيوان والمساءلة فضلاً عن كتاب الصوت لجالينوس، لكن خصوصية آرائه واضحة ويستدل عليها بامثلة كثيرة منها ان مصطلحاته التقنية تختلف اختلافاً بيناً عن مصطلحات الفارابي وابن سينا ومن اعقبهم. ويضيف المحاضر، ان الكندي لم ينظر للموسيقى باعتبارها مادة مستقلة عن حركة المجتمع وطبيعة البيئة التي تنتجها لكنه لم يستبعد تأثرها بطرق المجتمعات الاخرى وأساليبها، وهو اذا كان اعتمد في بعض آرائه منهج اليونان في البحث فانه لم يعتمد نظرياتهم وآراءهم واثبت من خلال مؤلفاته ان النظام الموسيقي العربي لم يكن محض قواعد ومبادىء فارسية وبيزنطية كما زعم آخرون، فهو يذكر في اثناء كلامه عن العود "ان لكل امة من الامم طريقتها في الضرب عليه، واختلافهم في ذلك يشبه اختلافهم في ما سوى ذلك من الامور، أليس الاختلاف بيّنا بين العرب والروم والفرس والاحباش وغيرهم ويتبع امزجتهم وطبائعهم وعاداتهم؟". يصحح المختار خطأ شائعاً مفاده ان زرياب هو الذي ابتكر الوتر الخامس في العود ويقول ان العود كان يتألف ايام الكندي من اربعة اوتار تندرج من الغلظة الى الحدة وهي البم، المثلث، المثنى والزير لكن الكندي افترض وجود الوتر الخامس على اساس الحساب الرياضي للسلم الموسيقي وأطلق عليه الزير الثاني لكنه لم يحول افتراضه الى واقع عملي حتى عهد زرياب الذي وضع ذلك الوتر وعزف عليه وفقاً لنظرية الكندي وحسابه الرياضي. ويفند المختار دعوى عدم معرفة الموسيقى العربية القديمة للهارموني ويذكر ان الكندي هو اول من أوجد اسلوب التزامن المتآلف في الموسيقى العربية من خلال Double note اي عزف علامتين موسيقيتين متآلفتين في آن واحد وهو ايضاً اول من قسم الطبقات الصوتية على اساس غلظة الطبقة وحدتها، وذلك عبر تدرجه من الغليظ الى الحاد الى الحاد جداً، وهذا من اول مبادىء الهارموني اي "علم التآلف والانسجام". ولعل من اهم المبادىء التي عبر عنها الكندي هو ربطة انواع الايقاعات بانواع الحالات النفسية المعبرة عنها وحتى بطبيعة مغالية ونشاط اعضاء الجسم المختلفة. ويورد المحاضر أمثلة على ذلك منها قول الكندي: "انه يجب ان تكون الاشعار المفرحة مثل الهزج والارمال والخفيف، وما كان من المعاني المحزنة مثل الثقيل الاول والثاني وما كان من الاقدام والتحدّي وشدة الحركة والتعجل فمثل الماخوري واوزانه، والاوجب ان يستعمل الموسيقى في كل زمن من ازمان اليوم وما يشاكل ذلك الزمن من الايقاع. ويذكر المختار امثلة عديدة على ذلك من مؤلفات الكندي بينها هذا المقطع: "مما يظهر في حركات الزير من افعال النفس الفرحية والعزية والقلبية وقساوة القلب والجرأة والاقدام والزهو والنخوة والتجبر والتكبر وهو مناسب للطبع الماخوري ويحصل من فعل هذا الوتر وهذا الايقاع ان يكونا مقويين للمرة الصفراء محركين لها مع اجتماع الزمان الشتوي والنومي واذا قوي هذا الطبع والمزاج اذاب البلغم وقطّع ورقق واسخن، ومما يلزم المثنى من تلك الافعال السرورية والطربية والفرحية والجودية والكرمية والتعاطف والرأفة والرقة وهو مناسب للثقيل الاول والثاني ويحصل من قوة هذا الوتر وهذين الايقاعين ان يكونا مقويين للدم وطبائعه وحركاته ولطافته وسجياته ويكسران عادية السوداء ويقمعانها ويمنعان الانفعال"