رأت موسكو ان "تهميش دور مجلس الأمن" و"تحجيم نفوذ أعضائه الدائمين"، هدفان أساسيان للضربة العسكرية الأميركية ضد العراق. وفي ضوء هذه القراءة، قررت استدعاء سفيريها لدى واشنطنولندن واعلنت حال التأهب في عدد من الوحدات ومن بينها النووية. وأكد رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف مجدداً ان بلاده "تستنكر" القصف وتدعو الى وقفه فوراً في حين دعا الرئيس الشيشاني اصلان مسخادوف الى "ضرب" المصالح الأميركية والبريطانية في كل مكان. وحض مجلس الدوما النواب الروسي الرئيس بوريس يلتسن امس علي ان رفع العقوبات الدولية المفروضة على العراق، من جانب واحد بعد الهجمات الاميركية - البريطانية. وصوت المجلس بغالبية ساحقة على قرار غير ملزم يطلب من الحكومة اتخاذ خطوات فورية لاستئناف التعاون الاقتصادي والعسكري الكامل مع العراق. وجاءت هذه المواقف، رغم ابداء لندنوواشنطن أسفهما لاستدعاء السفيرين الروسيين واعراب المسؤولين البريطانيين عن اعتقادهم ان العلاقات مع الروس لن تتضرر مشيرين الى تصريح للرئيس بوريس يلتسن يشدد فيه على "وجوب عدم الوصول الى مواجهة" مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وذكر مكتب بريماكوف انه أجرى اتصالاً هاتفياً مع نائب الرئيس الأميركي آل غور و"رفض حججه" لتبرير القصف. وأبلغه ان استخدام القوة "يخل بالنظام الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية". وأكد مسؤولون في موسكو ان "تجاهل المرجعية الدولية" قد يلغي أهم الثوابت في السياسة العالمية ويمهد للطرف الأميركي الاستحواذ على "حق" ترتيب الأوضاع في العالم. وفي هذا الصدد، اشار وزير الخارجية ايغور ايفانوف الى أن العمل العسكري ستكون له "اثار بعيدة المدى على العلاقات الدولية". وتابع ان "الفوضى ستعم ونعود الى القرون الوسطى" إذا ساد العالم "حق القوة". وشكا الوزير من ان الضربة العسكرية "أحدثت صدعاً" في مجلس الأمن وقوضت الثقة بين أعضائه. وللرد على الموقف الأميركي، اعلنت موسكو استدعاء سفيريها في واشنطنولندن لغرض "التشاور" وذلك في خطوة لم يسبق لها مثيل حتى في ذروة الحرب الباردة. وامتنع وزير الدفاع ايغور سيرغييف عن المشاركة في اجتماع "الأطلسي - روسيا" في بروكسيل. وتساءل: "عن أية تعاون وشراكة مع الحلف يمكن أن نتحدث الآن؟". وذهب الجنرال ليونيد ايفاشوف مسؤول العلاقات الدولية في وزارة الدفاع الى أبعد من ذلك بتأكيده ان استمرار الحلف في تجاهل رأي روسيا، سيدفع الأخيرة الى "تغيير توجهاتها العسكرية - السياسية". وذكر ان موسكو قد تعمد الى انشاء تكتل جديد بقيادتها يضم الدول "الرافضة للتحكم" بهدف البحث عن "آليات وأشكال لضمان الأمن الدولي". نموذج نووي؟ وأوضح ايفاشوف ان العمليات الحالية ستجرى في اطار "نموذج الضربة النووية". وأوضح ان الصواريخ الانسيابية يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، اضافة الى ان اطلاقها يترافق مع وجود طائرات استراتيجية في الجو وتفعيل شبكة الاتصال الشاملة. وخلص الى استنتاج خطير مفاده ان الولاياتالمتحدة "تتدرب" على عمل عسكري واسع ضد أي دولة أخرى وقال ان ذلك يشكل "خطراً على روسيا". وفي تحسب لمثل هذا الاحتمال اعلنت وزارة الدفاع "زيادة التأهب القتالي" في عدد من الوحدات ومنها القوات الاستراتيجية النووية. واعلنت قيادة القوات البحرية ان أساطيلها "اتخذت اجراءات اضافية" بسبب التوتر في منطقة الخليج. وقالت انها مستعدة لتنفيذ "أي مهمة". وأكد الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري ياكوشكين "زيادة التأهب" في القوات. لكنه قال ان هذه الخطوة تتخذ دائماً أثناء وجود توتر في العالم. وذكر أنه "لا يعرف شيئاً" عن احتمال ارسال قطع بحرية الى الخليج. وأشار الى احتمال اجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين بوريس يلتسن وبيل كلينتون بعدما كان الأول رفض مثل هذه المكالمة. وفي الوقت ذاته، نفى الناطق ان يكون على أجندة الرئيس الروسي الاتصال بنظيره العراقي أو ايفاد وزير الخارجية الى الشرق الأوسط. الشيشان وفي تطور آخر، اعلنت القيادة الشيشانية ان الولاياتالمتحدة تريد أن تجعل من العراق "ميدان تجارب" لعمليات مماثلة لاحقة. وذكر المكتب الإعلامي للرئيس اصلان مسخادوف انه ينوي "التنسيق مع رؤساء دول اسلامية صديقة" لاتخاذ اجراءات ضد المصالح الأميركية والبريطانية في القوقاز والشرق الأوسط. العقوبات على العراق وفي موسكو، أيد مجلس الدوما النظر في مشروع قرار يقضي ب "الاستئناف الكامل للتعاون الاقتصادي والعسكري" مع العراق. وحصل اقتراح قدمته أحزاب اليسار في هذا الشأن على غالبية كبيرة 279 في مقابل 29. وأكد نائب رئيس الدوما سيرغي بابورين ان روسيا "لها حق معنوي" في استئناف التعاون مع بغداد بعد القصف الأميركي للعراق. الصين تصعد وفي بكين رويترز، أ ف ب، صعدت الصين ادانتها للهجمات الاميركية - البريطانية على العراق. ورأت صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الحزب الحاكم ان العمل العسكري الاميركي يشكل "سابقة خطيرة". وغطت الصحف الحكومية بشكل واسع، المعارضة الدولية للهجمات ونشرت صوراً لضحايا عراقيين مصابين بحروق بالغة. وقالت صحيفة "تشاينا دايلي" التي تصدر باللغة الانكليزية ان "عالماً تقوده قوى عظمى بمعزل عن اطار العلاقات الدولية، سيجد نفسه خاضعاً لقانون الأقوى". وقال ديبلوماسيون ومحللون إن رد فعل بكين يأتي في إطار جهد منسق مع موسكو لتقويض سياسة واشنطن في الشرق الاوسط وارضاء الدول العربية، كما يعكس غضب الصينيين من عدم التشاور معهم بشأن العمل العسكري. وأشاروا الى ان السفير الروسي ايغور روغاتشيف اجتمع مع مسؤولي وزارة الخارجية الصينية اول من امس لبحث الازمة. وقال ديبلوماسي روسي إن "موسكووبكين، حددتا الشرق الاوسط باعتبار انه نقطة ضعف في السياسة الخارجية الاميركية". ورغم الكلام عن تنسيق، المحت الصين الى انها لا تنوي الاقتداء بروسيا واستدعاء سفيريها في واشنطنولندن رغم استمرار الضربات الجوية البريطانية والاميركية ضد العراق. دول البلقان وضمت بلغراد صوتها الى موسكو في شجب الغارات على العراق. وأصدرت الخارجية اليوغوسلافية بياناً وصفت فيه "العدوان الغربي" بأنه "يستحق أشد الادانة لما يمثله من انتهاك صارخ لميثاق الأممالمتحدة والعلاقات الدولية وسيادة الدول". واعتبرت ان "العدوان الأميركي البريطاني، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال لأنه أسلوب ممقوت يعقد المشاكل الدولية ولا ينتج عنه سوى ضحايا ودمار متعمد". الى ذلك، وقفت ألبانيا الى جانب واشنطنولندن. وحمَّلت الحكومة العراقية مسؤولية الوضع الخطير في منطقة الخليج لانها لم تستجب لمطالب مجلس الأمن ولجنة التفتيش الدولية". واتهمت بلغارياالعراق "بعدم التعاون الكافي مع لجان التفتيش الدولية وقرارات مجلس الأمن وهو ما أدى الى استخدام القوة ضده". وأكدت في الوقت نفسه أنها "تتوق الى وقف الحرب الحالية وحل المشاكل بالوسائل الديبلوماسية"