حدثان جديدان شهدتهما الصالة الرئيسية المخصصة لمسابقات الجمباز في دورة الالعاب الاولمبية 1976 في مونتريال. الاول كان دخول الكمبيوتر لاحتساب النتائج، والثاني، وهو الاهم، كان في ختام مسابقة فردي السيدات للعارضتين مختلفتي الارتفاع. فقد فاجأت الرومانية الصغيرة سناً وحجما ناديا كومانيتشي - دون 15 عاماً وطولها 153 سنتيمترا ووزنها 40 كيلوغراما فقط - الجماهير والخبراء والحكام باحراز الدرجة النهائية عشرة من عشر درجات للمرة الاولى في تاريخ مسابقات الجمباز في العالم وفي الدورات الاولمبية. وكانت الفراشة الرومانية الصغيرة صاحبة الموهبة العملاقة اجبرت الحكام على تغيير كل المفاهيم واستحقت الدرجة النهائية عن جدارة واستحقاق. وفتحت ناديا كومانيتشي صفحة جديدة للأداء الراقي القريب من درجة الكمال في دنيا الجمباز. وعادت ناديا - او الطفلة المعجزة كما اطلقت عليها الصحافة الكندية، او ملكة كندا المتوجة كما اطلقت عليها الصحافة الرومانية - لتؤكد جدارتها وبراعتها في مسابقة عراضة التوازن. ونفذت حركات اعجازية على العارضة الخشبية التي لا يزيد عرضها على 10 سنتيمترات وترتفع فوق سطح الارض 120 سنتيمترا، واجبرت الحكام مجددا على منحها الدرجة النهائية. وتحولت العيون في الالعاب الاولمبية الى مسابقات جمباز السيدات. وخطفت ناديا الاضواء من نجوم العاب القوى وكرة السلة والسباحة ورفع الاثقال. واصبحت الصورة الرئيسية التي تنتقل يوميا من مونتريال الى انحاء العالم. امتلكت ناديا من المهارة والرشاقة والشجاعة ما لم تمتلكه لاعبة على مر العصور. وقدمت حركات بالغة الصعوبة والاتقان على اجهزة الجمباز في وقت كانت الجماهير لا تثق بقدرة أي لاعبة على ادائها على سطح الارض. وكان طبيعيا ان تصبح الرياضية الاولى في العالم وفي رومانيا في نهاية السبعينات. وبفضلها ازدادت شعبية رياضة الجمباز في كندا والولايات المتحدةورومانيا ومعظم بلاد العالم. واعطت مفاهيم جديدة للتفوق الرياضي في الاعمار الصغيرة بعد ان اعتقد الكثيرون ان الالقاب العالمية مرتبطة بالنضوج وتجاوز 18 عاما على الاقل. وشكلت ناديا كومانيتشي ظاهرة عالمية فريدة في التفوق الرياضي في سن مبكرة. ولم تكن ناديا اكملت عامها الثاني عشر عندما انضمت الى المنتخب الروماني الاول. وكانت دون الرابعة عشرة عندما اكتسحت بطولة اوروبا في النروج العام 1975. وانتزعت ذهبية فردي السيدات لمجموع الاجهزة بفارق كبير قبل السوفياتية لودميلا توريتشيفا حاملة اللقب وبطلة اولمبياد ميونخ 1972. وخرجت ناديا من البطولة الاوروبية وعلى صدرها ذهبيات عارضة التوازن وحصان القفز والعارضتين مختلفتي الارتفاع. ولم تفقد ذهبية الحركات الارضية الا بفارق 15 في المئة من النقطة. وتأثرت بالتحكيم غير العادل في دورة موسكو الاولمبية 1980. فقد اهدى الحكام خلال تلك الدورة عددا من الميداليات الذهبية للاعبين واللاعبات السوفيات اصحاب الملعب، وكانت ذهبية فردي السيدات لمجموع الاجهزة احداها. وظلت المنافسة على اللقب الاولمبي محصورة بين ناديا كومانيتشي والسوفياتية يلينا دافيدوفا. وبعد نهاية المسابقة ظل الحكام عاجزين عن اعلان النتيجة لمدة نصف ساعة حتى يمكنهم ترتيب فوز دافيدوفا بفارق 75 من الالف من النقطة قبل ناديا. ورغم قسوة القرار الظالم الا ان ناديا لم تبد أي اعتراض. وتقبلت القرار بهدوء وصافحت البطلة السوفياتية واتجهت نحو ركنها واحتضنت العروسة الصغيرة التي اعتادت وضعها داخل حقيبتها. والنجاح الساحق الذي حققته ناديا ووضعها بين احسن الرياضيين في القرن العشرين واهّلها لتكون احسن لاعبة جمباز على مر العصور لم يأت من فراغ، ووراءه مدرب قدير يعتبر الافضل ايضا في التاريخ، الروماني بيلا كارولي الذي اكتشف ناديا وعمرها سبع سنوات. وتفرغت للتمرين أربع ساعات يوميا دون ملل وهي تكرر نفس الحركات لاكثر من مئة مرة خلال التمرين الواحد. وتمكن كارولي من تنفيذ عدد من الحركات الجديدة غير المسبوقة في دنيا الجمباز مستغلا موهبتها الكبيرة ورشاقتها الكاملة. ارقام واعوام - حققت ناديا نجاحا فائقا في دورة مونتريال الاولمبية 1976 ونالت ذهبية مسابقة فردي السيدات للمجموع العام للاجهزة. ونالت 275،79 نقطة من اصل 80 نقطة. وهو أعلى رصيد لأي لاعبة منذ نشأة الالعاب الاولمبية. واضافت لرصيدها ذهبيتين في مسابقتي عارضة التوازن والعارضتين مختلفتي الارتفاع. ومعها فضية مسابقة الفرق وبرونزية الحركات الارضية. وخسرت مسابقة واحدة هي حصان القفز. - بعد 4 سنوات، نالت ذهبيتي عارضة التوازن والحركات الارضية وفضيتي الفرق وفردي المجموع العام للاجهزة في دورة موسكو الاولمبية1980. - احرزت 4 ذهبيات في بطولة العالم 1975، واحتفظت بلقبها كبطلة لاوروبا في فردي السيدات لمجموع الاجهزة في بطولتي 75 و1979. - منيت بخسارة كبيرة وغير متوقعة في بطولة العالم 1978 حيث تراجعت الى المركز الرابع في الترتيب للفردي العام. ولم تنل سوى ذهبية عارضة التوازن. - ذهبيتها الاخيرة كانت في بطولة العالم للجماعات العام 1981 وكم كان غريبا ان تعتزل اللعبة قبل ان تكمل 20 عاما لتصبح اصغر بطلة اسطورية تعتزل الرياضة على مر العصور. ناديا كومانيتشي حققت الرقم القياسي لاكبر عدد من مرات الحصول على الدرجة النهائية عشرة من عشرة في تاريخ الدورات الاولمبية، اذ نالتها سبع مرات: مرتان في دورة مونتريال في مسابقتي عارضة التوازن والعارضتين مختلفتي الارتفاع ضمن بطولة الفرق التي احتلت فيها رومانيا المركز الثاني، ثم خمس مرات في مسابقات الفردي. وهو انجاز يندر تكراره في المستقبل. - ناديا من مواليد مدينة اونستي في مولدافيا في 12 تشرين الثاني نوفمبر 1961. تعرضت لظروف صعبة بعد اعتزالها بسبب مطاردة احد رجال السلطة لها، واضطرت الى الهرب من رومانيا واللجوء السياسي الى كندا عام 1989. وعادت مجددا الى بلادها بعد نهاية الحكم الشيوعي في منتصف التسعينات. - الانجاز الضخم الذي حققته ناديا كومانيتشي في دورة مونتريال الاولمبية ووضعها على القمة عالميا يغطي تماما على انجاز ثان لها وفريد ايضا من نوعه: فهي اول رومانية تحصل على ميدالية اولمبية للجمباز في التاريخ