يمر موت المخرج باكولا في الصحافة العربية بأقل مقدار ممكن من الاهتمام. هذا ليس امراً غريباً على اساس ان باكولا ليس كوبولا او كيروساوا او من يماثلهما من المخرجين ذوي الشهرة الدولية، كما أن مردّه الى قلة عدد النقاد الملمين في صحفنا وانشغال هذه القلة، من جهة اخرى بمستجدات متعددة، ونشاطات مختلفة. باكولا، الذي ولد قبل 70 سنة ومات في نيويورك في حادثة سيارة لم يكن مسؤولاً عنها، خلّف وراءه 16 فيلماً من إخراجه في 30 سنة. القيمة الكبيرة هنا ليست في العدد بل في النوعية، معظم افلامه كانت من تلك التي تترك المشاهد لاهثاً وراء ما يطرحه من مسائل تمتزج فيها العناصر السياسية والاجتماعية والعاطفية. في العام 1962 انتج باكولا "مقتل عصفور مغرد" الذي اخرجه قادم جديد ايضاً هو روبرت موليغان، وعندما قفز باكولا لقيادة العربة كمخرج بدوره، سريعاً ما تبلور كسينمائي موهوب فكراً وفناً. فيلم "كلوت" بطولة جين فوندا ودونالد سذرلاند 1971 كان واحداً من افلام تلك الفترة التي تخصّصت بتقديم قصة تشويقية مع خلفية سياسية ناقدة. فيلم جيد مع توليف ممتاز لعلاقة بين تحر وفتاة ليل يهددها سياسي فاسد. في العام 1974 عاد الى التشويق السياسي الذي رأيناه، في ذلك الحين وما بعد، يتعامل ونظرية المؤامرة، الفيلم هو "منظر مواز" مع وورن بايتي في دور صحافي يلحظ ان شهود عيان لجريمة وقعت يختفون واحدا وراء الآخر وحين يظهرون لاحقاً يظهرون قتلى. وإذ يمعن في البحث يتحول بدوره الى مادة جريمة مقبلة. في كلا هذين الفيلمين اعتناء بالاماكن المنفردة التي تقع فيها بعض الاحداث، بجماليات المكان سواء أكان المشغل المهجور التي تهدد فيه حياة فوندا، او سطح تلك القبة التي نرى فيها مصرع احد ضحايا "منظر متواز" او في نهاية الفيلم عندما يتم اغتيال السياسي بالفعل في حركة فريدة من لقطة بعيدة تجعل العين شاهدة مشاركة. في السنوات الأخيرة تفاوتت افلام باكولا، لكنها بقيت مهمة: "اختيار صوفي" ميريل ستريب - 1982 "ملف البجعة" دنزل واشنطن - 1993 الذي عاد به الى نظرية المؤامرة السياسية. آخر أفلامه "ملك الشيطان" مع هاريسون فورد وبراد بت 1997. حين موته كان منكبا على مشروع جديد عنوانه "زمن غير عادي" وهواقتباس لرواية دوريس دين الحائزة على جائزة بولتزر الروائية حول حياة الرئيس فرانكلين روزفلت.