مهما يكن الهدف من الرسائل التي تبعث بها اسرائيل الى لبنان ومن ورائه سورية، عبر خرق طيرانها الحربي جدار الصوت في بيروت بعد غياب عن اجواء العاصمة لحوالي سنتين، فان استخدام "القصف الصوتي" هو دليل على ان اسرائيل تصعّد في طريقة توجيهها الرسائل ولا تصعّد في طريقة المواجهة الميدانية على الأرض للعمليات التي تشنّها المقاومة ضد جنودها في جنوبلبنان. وسواء صحّت الأنباء التي تشير الى ان اسرائيل بعثت بتهديد الى دمشق عبر واشنطن، طالبة ضبط تصاعد العمليات ضد جنودها في جنوبلبنان، أم لم تصحّ، فان السجال الذي دار داخل اسرائيل، بين مطالب بانسحاب اسرائىلي من جانب واحد من جنوبلبنان ومطالب بانسحاب مع اتفاق على ترتيبات أمنية مع لبنان وسورية، وداع الى الرد على مقتل كل جندي اسرائيلي بقصف البنى التحتية اللبنانية، كان دليلاً الى ان الحرج الداخلي في تل ابيب من استمرار احتلال الجنوب بلغ مرحلة قد تدفع قادتها الى التفكير في عمل عسكري ضد الاراضي اللبنانية. لكن الجهود والاتصالات الاميركية ركّزت خلال الاسبوعين الماضيين على استيعاب أي تصعيد عسكري. بل ان واشنطن تعتقد ان أي تصعيد في الجنوب تندفع اليه اسرائيل سيضيّع الأولوية التي وضعتها لعملية السلام في المنطقة: تنفيذ اتفاق واي ريفر على المسار الفلسطيني وازالة العقبات من أمامه. وهي أولوية اصبح الرئيس بيل كلينتون متورطاً بها، مع زيارته لاسرائيل والأراضي الفلسطينية. لذلك سعت واشنطن الى التهدئة في لبنان، وزار سفيرها دايفيد ساترفيلد الجنوب ثلاث مرات الاسبوع الماضي، في خطوة لم يسبقه عليها سفير أميركي خلال السنوات العشر الماضية، فضلاً عن زيارته بعلبك، تعبيراً عن رعاية أميركية للوضع اللبناني هذه الايام. وشملت الجهود الاميركية سورية ايضاً اذ ان واشنطن تعتبر ان ليس من مصلحة دمشق ان تتصاعد الأمور في جنوبلبنان، وصولاً الى اضطرار اسرائىل للقيام بعمليات عسكرية كبيرة فيه، تشمل ضرب الوجود السوري على أراضي لبنان لأن هذا يعطل القدرة الاميركية على لعب دور بين تل أبيب ودمشق، خصوصاً ان الاخيرة "راغبة فعلاً" في السلام الذي يتطلب استئناف محادثاته مساعي دقيقة من جانب الولاياتالمتحدة، للتوفيق بين وجهتي نظر الجانبين. التهدئة الميدانية، والهدوء على الارض وعدم التسبب في تطورات عسكرية وأمنية هي عنوان السياسة الاميركية في هذه المرحلة، كي لا تقود اي نار، الاوضاع الى تطورات دراماتيكية غير محسوبة العواقب. والهدوء مطلوب في كل المجالات هذه الايام، حتى على الصعيد اللبناني الداخلي. و"القصف الصوتي" الاسرائىلي، على رغم الأذى الذي يخلّفه في لبنان، قد يكون تحت السقف الاميركي للهدوء... حتى اشعار آخر