أثار الجدل الدائر حاليا في الصحافة المصرية، حول مدى شرعية زواج مغتصب العرض بضحيته، اهتمام الرأي العام. فهناك مادة في القانون المصري تبيح للمغتصب الزواج بالمجنى عليها حتى ينجو من العقوبة، وهي الإعدام أو الأشغال المؤبدة. وهناك حالات عدة وافق فيها أهل الضحية على تزويجها بمن دمر كيانها وحطم مستقبلها درءاً لما جرت العادة على اعتباره عارا. وفي كثير من هذه الحالات لا يكتفي الجاني بالافلات من العقوبة، لكنه يرى في لهفة الأهل، على التستر على "فضيحة" ابنتهم، نقطة ضعف يسعى من خلالها إلى ابتزازهم للحصول على ثمن باهظ مقابل إتمام الزيجة أو لتطليق الفتاة في ما بعد. وباستثناء قلة رأت أن هذا الزواج شرعي تتوافر فيه الأركان الرئيسية من شهود ووكيل الى جانب الاشهار والقبول، فقد اتفقت الغالبية من أهل الاختصاص على كونه زواجاً باطلاً لأنه يقوم على قبول الجبر واكراه الفتاة على معاشرة رجل أصبح من حقه شرعا ان يداوم على اغتصابها. ولذلك تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء هذه المادة من القانون، على أساس أن اباحة هذا الزواج هو ضوء أخضر لارتكاب الجريمة وأنه يمثل إعتداء على حق المجتمع في القصاص. الإفلات من العقوبة، إذن، يقترن باستفراد المجرم بضحيته والاستمرار في اغتصابها. يحدث هذا على مستوى الأفراد، ويحدث أيضاً على مستوى الشعوب كما نرى في البوسنة وكوسوفو وفلسطين. والمنطق السليم الذي تستند إليه دعاوى بطلان صفقات "الزواج" بين الجاني ووكيل المجنى عليها، هو نفسه الذي يدلل على فساد صفقات "السلام" القائمة على القهر والإذعان والابتزاز. وإذا كان مرفوضاً أن تكون الاعتبارات الشخصية لوكيل الفتاة، المتعلقة بنظرة الناس إليه، هي ما يدفعه لأن يفرض عليها أن تعيش في الزنا في ظل مجرم يتحكم في ما تأكل وتشرب ويقيد حرية دخولها وخروجها ويذيقها كل ألوان الذل والمهانة، فإن الأمر على مستوى الشعوب يكون أشد فداحة عندما يكون إدمان السلطة وعبادة الكرسي والمصالح الذاتية هي الدوافع التي تفرض على الشعب أن يعيش في ظل القوة المغتصبة لحقوقه. منذ اغتصاب فلسطين واسرائيل تسعى إلى استكمال إضفاء الشرعية على هذه الجريمة بعد إقرار "المجتمع الدولي" لها بالاستحواذ على حقوق العرب، وبعد أن ضمن لها الإفلات من العقوبة. ينقل الكاتب اللبناني نبيل خوري في "الأهرام" 8/6/1997 عن موشي دايان قوله للزعيم الفلسطيني حكمت المصري بعد أسابيع من احتلال القدس: "كلانا يا سيدي نعشق إمرأة واحدة ولكن للأسف لا تستطيع أن تقترن إلا بأحدنا حتى ولو بالإكراه وقد فعلنا ذلك ولن يحدث أي طلاق". ولأن الزواج لا يكون شرعيا إلا بتوقيع شاهد فلسطيني وشاهد عربي على عقد الزواج، فقد ظلت شرعية إغتصاب فلسطين تفتقر الى خضوع الشعب الفلسطيني وإقرار وكيله الممثل له. لذلك مورست الضغوط بشتى أنواعها ترغيباً وترهيباً على الوكيل الفلسطيني حتى يستغل إقراره كأداة لإخضاع الشعب. وسقط الوكيل بالفعل في فخ "وسيط نزيه" عندما وافق - مقابل وعد لفظي، غير مصحوب بأي ضمانات، بامتناع الجاني عن معاشرة العروس - على التوقيع في أوسلو كشاهد على وثيقة الزواج الباطل. وكان توقيع الشاهد الفلسطيني هو الفرصة التي ينتظرها عرب آخرون للهرولة الى اسرائيل والمشاركة في إسباغ شرعية الزور هذه الملهاة الإنسانية. بمجرد تسليم العروس المخدوعة بالوعود المعسولة، عمد الجاني الى نقض الوعد كما هي عادته. وفي كل مرة تتعرض العروس لاغتصاب جزء من كيانها، كانت تبدي مقاومة شرسة تؤدي إلى إصابة عدوها بخدوش، وهو ما لا يقبله المجرم لأنه يريدها محطمة مستسلمة لا ترفض له طلباً... أما ما تقبله أو تشمئز هي منه نفسيا فهذا أمر لا يعنيه. ومن منطلق عجزه عن تأديب ضحيته وتركيعها، فقد أخذ يصرخ متهما اياها بالإرهاب وتهديد أمنه ومتهما وكيلها بأنه لم يحسن تأديبها. وما جرى في مزرعة "واي" منذ أيام لم يكن أكثر من إقرار الوكيل على التزامه بما عجز عنه الجاني: ضرب وتأديب الضحية حتى تخضع وتنصاع، ولكن هذه المرة مقابل وعد آخر: تجنب المزيد من حمل السفاح والاكتفاء بتنمية الأجنة الشيطانية الموجودة الآن والتي يراد لها أن تنمو وتقوى لترسيخ الهيمنة على الضحية وكل من يناصرها. * كاتب مصري.