الكتاب: دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الكاتب: ليندا شيلشر ترجمة: عمرو الملاح، دينا الملاح الناشر: خاص، دمشق 1998 يرصد كتاب دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تاريخ المدينة وتأثيرها في المنطقة، حيث يرسم صورة حية لدمشق بجغرافيتها الطبيعية والبشرية عبر الرواية والخرائط مقدماً وصفاً للقوى الفاعلة داخل المجتمع السوري قبيل فترة التحديث السريع وأثناء مرحلة مليئة بالأحداث، فيضع الاقتصاد السياسي للمدينة في إطار التاريخ والبنى الاجتماعية التي تتجاوز حالة النخب، والكاتبة عبر مقدمتها ان بداية التاريخ الحديث لسورية يبدأ في الستينات من القرن السابع عشر، حين استطاع آل العظم تعزيز مواقعهم في وسط سورية حول مدينة حماه، إلا أن هناك تواريخ مهمة أخرى مثل عام 1725 يوم تولى أول أفراد هذه الأسرة ولاية دمشق، أو عام 1746 عندما انتصرت هذه الأسرة الحاكمة على المعارضة المحلية، والنتيجة المهمة حسب رأي الباحثة من اعتماد هذا التقسيم الزمني هو أن التطور الاجتماعي - السياسي الحديث لهذه المنطقة المركزية في الشرق الأوسط كان موازياً لمثيله في أوروبا، وليس مجرد رد فعل ناجم عنه أو نتيجة له. تتطرق الكاتبة في الفصل الأول للجغرافيا الخاصة بمدينة دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فبعد استعراض تاريخي سريع لأهمية المدينة وموقعها الجغرافي تجد ان خصوصية المدينة الجيوسياسية للعثمانيين تأتي من كونها آخر مستوطنة مدينية تقع على طريق الحج الى مكة قبل دخول الصحراء، وبالنسبة للسكان فإنه من المستحيل الوصول الى معلومات دقيقة حول حجم زيادته في الفترة المدروسة، فالأرقام التي قدمها الرحالة والحملات العسكرية تبدو متناقضة لكنها توحي بأن المدينة نمت بشكل كبير في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهذا النمو أدى لتضاعف عدد سكانها ست مرات حتى نهاية القرن الماضي، مما يشير الى وجود عوامل اقتصادية وثقافية وسياسية ساعدت على هذه الزيادة وأثرت في حجم التغيرات السكانية، وعلى رغم هذا التوسع فإن المدينة احتفظت في القرن التاسع عشر بأجزاء كبيرة من سورها ذي الشكل البيضوي والذي يرجع الى العصور الوسطى، فهي امتدت الى ما وراء السور في نقاط معينة حيث توسعت قرية العقيبة باتجاه المدينة واتصلت بها، وكان هذا الانتشار جزءاً من منطقة مكتظة بالسكان تدعى العمارة البرانية، وكذلك كان شأن الشاغور البراني الذي توسع خارج السور الجنوبي للمدينة، وعملياً تم الاستيطان الى الغرب والجنوب الغربي على طول الطرق التجارية الرئيسة، في حي سوق السريجة على الطريق المؤدي الى ساحل فلسطين ومصر، ومحلتي السويقة والميدان على طريق شبه الجزيرة العربية، وباتجاه الشرق والجنوب الشرقي كان الامتداد ضعيفاً وربما كان سبب ذلك ندرة المياه العذبة في هذه المنطقة التي ينتهي عندها نظام الأقنية، بالنسبة لمخطط دمشق الداخلية تجد الباحثة أنه تحوير قسري لنمط الزاوية القائمة الكلاسيكية في العصر الروماني، وبالرغم من الطابع الشرقي للمدينة بقي هناك مستطيل شبه كامل من الشوارع ضمن سورها، ويتحدد هذا المستطيل بأربع نقاط تقريبية هي القلعة، باب الجابية، باب السلام وجامع الكنيسة، وكان القسم الأكبر من المعاهد الدينية يقع ضمن هذا المستطيل، وللجامع الأموي الذي يهيمن على المنطقة بأسرها أهمية خاصة بلا ريب، ففيه كان الوالي يؤدي صلاة الجمعة ويشيد الخطيب - وهو عالم محلي - بشرعية الحكم العثماني للمدينة، وعلى النقيض من هذا التجمع فإن العناصر المسلحة في المدينة وقدر كبير من الإنتاج المعد للاستهلاك المحلي تتواجد خارج السور. يقدم الفصل الثاني دراسة للسياسة وظهور العصبية في عهد آل العظم، فالعثمانيون عمدوا الى استرضاء أسرة العظم ذات القاعدة المحلية، ويسروا لها أسباب النهوض اقتصادياً آملين الإفادة من قوتها في إحياء القاعدة العثمانية، وبالفعل قام آل العظم بهذه المهمة وأرسوا النظام في المنطقة كما أخضعوا العديد من العناصر المتمردة، وتستعرض الباحثة تاريخ هذه الأسرة منذ استقرار جدهم في منطقة المعرة الى آخر وآل لهم في دمشق عبدالله باشا، لتصل الى أن آل العظم أسرة آغوات سلطانية أعادت لدمشق ما كان لها من مركز قوة خلال حكم أبنائها للمدينة، وربما كان هدف الولاة أن يكون لهم كما كان للبكوات المماليك في مصر من مكانة، إلا انهم اتبعوا في ذلك استراتيجية مغايرة كانت أكثر فعالية، فما أن استقروا في المدن السورية حتى ربطوا مصائرهم بجماعات محلية معينة وأصبحوا النواة لنخبة مدينية سورية، ففي دمشق تمت حماية المصالح التجارية على طول طرق التجارة الداخلية والخارجية مع استنبول ومصر وبغداد ومكة، وراجت الصناعات الدمشقية الكمالية وأصبحت لها أسواق واسعة جداً وكان من نتائج ذلك ازدياد الأرباح وتراكم الثروات، وأدى اعتماد آل العظم على قاعدة محلية لبلوغ سطوة في إطار الإمبراطورية العثمانية في القرن الثامن عشر الى اندماجهم في مؤسسة الولاية، وسعى كل والٍ منهم للفوز بالعصب المحلية الى جانبه، واستمر هذا الأمر طوال قرن من الزمن، فأحدثوا تبدلاً في الاقتصاد السياسي نتيجة عمليات الاحتكار واعتمادهم على تقوية مصالح أهالي المنطقة الواقعة داخل السور والتي تعنى بتجارة استيراد وتصدير الكماليات والبضائع الغذائية، وبنظرة سريعة على العمران الدمشقي نجد أن المدينة لم تفد من إصلاح البنى التحتية في عهد آل العظم فحسب، بل أصبحت تتمتع بتراث من العمارة الفذة تذكر بعظمة المدينة في عهودها الإسلامية الأولى، وتكمن الدلالة التاريخية لحكمهم في نجاحهم على بعث مصالح وموقع نخبة مدينية معينة ورعايتها، فضمت عصبة الأعيان المتصلين بعم من أغوات القوات السلطانية وتجار المنطقة المركزية داخل السور، وأدى تضامن هذه العصبة الى قمع آغوات الأحياء الجنوبية وخصوصاً الميدان الذين تم اقصاؤهم عن وظيفتهم في مرافقة قافلة الحج، وحيل دون ذلك دخول المواد الغذائية ومكونات الإنتاج التي يتاجرون بها ما دام آل العظم في السلطة، وبذلك آثار حكمهم معارضة محلية قوامها آغوات الأحياء الجنوبية والحرفيين والفلاحين والتجار المحليين، لكن بعض هذه الفئات انتعش مع نهاية حكم آل العظم وصعود أحمد باشا الجزار الذي تولى ولاية دمشق أكثر من مرة، وحظي بدعم محدود من عصبة آل العظم وتوصل بالضغط الفظ الى قمعهم، وفي نفس الوقت تعاون بعض آغوات الميدان معه وكانوا على اتصال بأعوانه الماليين، ويبدو أن التعاون بين بعض أهالي الميدان وأصحاب المصالح في عكا ترسخ في عهد الجزار، وتستعرض الباحثة مراحل القلاقل وأحداث ثورة 1831 وتأثيرات الحكم المصري. يتناول الفصل الثالث القوة الرئيسية المسؤولة عن التغيير الاقتصادي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فالتغلغل الاقتصادي الأوروبي كان له آثار قوية على الاقتصاد الدمشقي، وبسبب الهيمنة القطاعية التي تأسست في عهد آل العظم ازدهرت التجارة الخارجية الدمشقية في القرن الثامن عشر، وعمل آل العظم على تشجيع التجارة الخارجية بعدة طرق، فكان من مصلحتهم نجاح التجارة بما لهم من صلات بمصر وشبه الجزيرة العربية، الا أن القوانين التجارية العثمانية المستحدثة والتي خفضت من التعرفة الجمركية، وأدى هذا الأمر الى طرح بضائع أوروبية بسعر منافس في الوقت الذي فرضت به ضرائب على الصادرات، وكان من نتائج ذلك اختلال ميزان التجارة الخارجية وما نجم عنه من استنزاف الاحتياط المحلي والتحول الى رأس المال الأوروبي، كما أدى الى أزمة في صناعة النسيج المحلي نتيجة عدم قدرته منافسة النسيج الأوروبي، وأخيراً تم الاعتماد المتزايد على الحبوب السورية بوصفها سلعة قابلة للتصدير واعتمد أيضاً على رأسمال الحمايات في تمويل الولايات العثمانية، وبالانتقال الى الفصل الرابع فإن الباحثة تستعرض بشكل سريع أحداث 1860 وتحاول قراءة ما جرى مع مراجعة احصائية لأرقام القتلى، كما تقدم في الفصلين الخامس والسادس طبيعة الشرائح الدمشقية وتراجم أهم العائلات، لتظهر طبيعة استلام أسر معينة لوظائف خاصة في ولاية دمشق، والباحثة دعمت كتابها بعدد كبير من الوثائق الخاصة بشجرة أهم العائلات الدمشقية وبمجموعة خرائط للمدينة خلال الفترة المدروسة.