من بين المحالّ التجارية التي تنفرد بها أحياء مدينة الرباط العتيقة محالّ بيع التحف النادرة وهي تحف متنوعة يرجع تاريخ بعضها الى بداية القرن التاسع عشر وأخرى قد تسبق هذه المرحلة الزمنية بعقود. ويبقى حضورها في فضاء الرباط العتيق مرتبطاً بتمركز عدد من الأنشطة التجارية وخاصة منها الحرف التقليدية. واللافت في هذا النوع من النشاط التجاري أنه محصور في عينات من التجار في المغرب يدعون بأهل "الكفاف" ومعناه حسب الاصطلاح المتداول بينهم أنها تجارة لا يمكن الاستفادة منها إلا بعد مضي ردح من الزمن إذ يعمد المتخصصون في هذا النشاط الى تقويم بضاعتهم حسب نوعيتها وحضورها في الزمان والمكان ولا تعرض في السوق إلا بعد أن تصبح تحفة بمعناها العام. ومن بين التحف التي ظلت تحتفظ بها هذه المحال التجارية الساعات الجدارية والمائية والرملية التي كانت تستخدم في ضبط الوقت وظلت ملك أسر مغربية وأجنبية اضطرت الى بيعها لظروف خاصة، اضافة الى عينات من الساعات اليدوية التي كانت حاضرة بين الجيل الأول من هذا القرن. وفي المقابل ما زالت الصور الفوتوغرافية لعدد من الشخصيات المغربية والأجنبية وأخرى تشير الى أشخاص ينتمون الى عالم السينما الصامتة شارلي شابلن والناطقة وغيرهم من رواد التمثيل والمسرح وكذلك اسطوانات مشاهير الطرب والغناء في العالم العربي والغربي معروضين على رفوف هذه المخازن الأثرية ويلقون إقبالاً ملحوظاً من الجيل الجديد وبخاصة تلك الفئة التي ظلت شغوفة بالاستماع الى نوع خاص من الأغاني يُسمى بالكلاسيكي. أما وسائل الاتصال من مذياع وهاتف وآلات الضمغ والبرق العتيقة التي كانت تستخدم في عدد من المراكز البريدية أبان مراحل معينة من تاريخ المغرب فتشغل حيزاً وافراً في عدد من الدكاكين. والواضح أن هذه الظاهرة التي يرجع تاريخها الى أمد بعيد ما فتئت تتأسس على عدد من الأعراف والتقاليد المهنية إذ يبقى ترويج هذه البضائع التحف في الوسط المغربي مقيداً بقوانين تشكل وحدة بين التجار الذين يرأسهم شخص يدعى ب"الأمين" تعهد اليه مهمة التقويم والفحص الأولي لتحفة ما، وهي عملية يهدف من ورائها ضبط قيمتها الفنية والتاريخية والتجارية. وعلى ضوء ذلك يتم تقييدها بمرسوم تجاري متعارف عليه من طرف رواد هذا النشاط وتعد هذه العملية صمام أمان لهذا الصنف من التجارة. يقول أحمد صايب صاحب محل لبيع التحف: "دأبت بمعية تجار التحف النادرة على التقيد بعدد من القوانين الفاعلة في حقل هذا النوع من النشاط التجاري سواء تعلق الأمر بالتحف المعروضة حيث يعمل "الأمين" على الكشف عليها بهدف تحديد هويتها وقيمتها التاريخية وطابعها الفني، أما سعرها فلا يرتبط بالعرض والطلب كما هو الحال في المعاملات التجارية وإنما يبقى مرتبطاً بصاحب المحل. وفيما إذا كان هذا النوع من التحف يتعرض لبعض المشاكل كما هو الشأن مع عمليات التزييف والمضاربات ما يؤدي الى فقدان الثقة بين الزبون وأرباب المحلات التجارية؟ يجيب أحمد الصايب قائلاً: ان هذا النوع من الافتراض يبقى مطروحاً واتخذت في صدده عدداً من الإجراءات المتميزة من أبرزها تحديد هويتي البائع والتحفة اضافة الى بعض الإجراءات الأخرى كما هو الشأن مع الكشف الأوليّ على كل تحفة على حدة ثم تحديد مرحلتها التاريخية، إذ في الغالب ما يقدم بعض الباعة على عرض تحف تثير عادة بعض الشكوك. سوق التحف في مدينة الرباط يبقى من بين الأسواق المتخصصة في بيع التحف ويعرف نوعاً من الانضباط في عمليتي البيع والشراء، وهو ما مكنها من تسجيل حضورها في عدد المدن المغربية منذ أمد بعيد على خلاف بعض الأنشطة التجارية. وتجدر الإشارة الى أن الإقدام على سوق التحف في المغرب ظل محصوراً في نماذج من المتسوقين يدعون ب"هواة التحف" يتقدمهم كل من المؤرخين والأركيولوجيين اضافة الى مندوبي بعض المؤسسات الثقافية والاجتماعية وعدد من الأشخاص الذين يسكنهم هاجس البحث عن هذه الكنوز الأثرية، ليس بهدف الاتجار بها وإنما للاحتفاظ بها في احدى حجراتهم، ومن اللافت أن بعض الأسر المغربية بدأ يتملكها حنين الى الأصيل المغربي الذي كانت تتصدره نماذج من التحف وان كان بعضهم يرى في هذا المنحى مجرد تقليد عفوي للأسر الأجنبية. لكن الاهتمام بالتحف لم يكن وليد هذه المرحلة وإنما هو اهتمام يدخل ضمن التقاليد المغربية الأصيلة.