يعقد في بيروت بدءاً من الثالث من الشهر المقبل "اللقاء الثقافي العربي الأول" بدعوة مشتركة من "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي" ومؤسسة "من أجل تقدم الإنسان". ويشارك في المؤتمر عشرات الباحثين من الدول العربية كافة ليناقشوا معاً قضايا عالمية تفرضها المرحلة الراهنة ويتبادلوا الأفكار في شأنها إسهاماً في إعادة الإعتبار للقيم الإنسانية. وأبرز المواضيع التي سيبحثها المؤتمرون، هي الوثيقة الأساسية "من أجل عالم مسؤول ومتضامن" إضافة إلى موضوع "الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته في الوطن العربي" و"المبادئ الاساسية للمواطنية" و"الاندماج الاجتماعي وتحسين ادارة الدولة الوطنية للمجتمع" و"العولمة الثقافية" وحلقات عن "النساء" و"الاقتصاد والاجتماع والتنمية البيئية"، وغيرها. ووثيقة "تحالف من أجل عالم مسؤول ومتضامن" وضعها عدد كبير من المفكّرين الغربيين بين عامي 1986 و1993 بعد نقاشات عن تحديات القرن الحادي والعشرين وطريقة مواجهتها لأن العالم يواجه إختلالات كبرى بين الشمال والجنوب، وبين الأغنياء والفقراء، وبين الرجال والنساء، وبين الكائنات البشرية والطبيعة، وهذه الإختلالات "متجذّرة في أنماط الإنتاج والتبادل وفي رؤية الحداثة التي طبعت بطابعها المجتمعات المعاصرة". ويضيف واضعو الوثيقة "ولن نستطيع تجاوز هذه الإختلالات بالقرارات السياسية أو التقنية فقط، لأن أسبابها تجاوزت الحقل السياسي والتقدم التقني". ويرون في شروط البدء أن لا بد من بناء خيال جماعي وتقاسم رؤية مشتركة للسيرورة نفسها وذلك يستلزم إنبثاق "قناعة مشتركة تقوى كلما تطورت السيرورة نفسها". والموضوعات التي تدعو الوثيقة إلى العمل عليها هي تطوير القيم والمثل وإعادة توجيه العلوم وأنماط حياة تحترم حياة الآخرين وحياة الكوكب وأنماط إنتاج صناعي وزراعي يحترم الكائنات الحيّة والمحيط الحيوي وتبادلات ثرية ومتوازنة والإدارة الذاتية للمناطق والأقاليم وهياكل وسياسات عمومية في خدمة عالم مسؤول ومتضامن وإدارة المجتمع المحلي وإدارة العلاقات بين الكائنات الإنسانية والمحيط الحيوي والشروط والوسائل اللازمة للتحرك. وقالت الدكتور فهيمة شرف الدين ل"الحياة" أنها شاركت في البحث في قضايا الوثيقة في باريس. ثم طرحت الوثيقة للتوقيع فوقّع عليها نحو 1500 شخص ينتمون إلى أكثر من مئة دولة. لكن العالم العربي لم يوقّع على الوثيقة "وعندما سئلتُ لماذا لا يوقّع العالم العربي عليها؟ كان جوابي لأنها لا تحمل هموماً عربية". وأوضحت أنها تقدمت "بفكرة مناقشة الوثيقة في العالم العربي من مثقّفيه ليدخلوا عليها ما نظنّه أولويات سنضيفها". وأشارت إلى أن "من هنا إنبثقت فكرة إقامة هذا اللقاء الثقافي العربي الأول، وتقرر أن يكون في بيروت، لأنه قد يتماشى مع توجّهات المجلس الثقافي للبنان الجنوبي". وإلى أي مدى يسهم هذا "اللقاء" مع إعلان بيروت عاصمة ثقافية لعام 1999؟ أجابت "إعتبرناه تمهيداً لهذا الإعلان، علماً أننا نعمل على تحضيره منذ ثمانية أشهر ولم نكن نعلم أن بيروت ستسمّى عاصمة ثقافية وإلا لكنّا أجّلنا مؤتمرنا إلى العام المقبل ليكون من ضمن هذا الإعلان، وعلى أي حال فاللقاء يخدم هذا التوجّه". ورأت شرف الدين، أن اللقاء، الذي يستمر ثلاثة أيام في فندق "كارلتون" في بيروت، "يبتعد عن الطقوس الأكاديمية الجافة ويشكل "إستثارة عقلية" عن بعض القضايا المهمة التي تثير النقاش العالمي والمحلي على السواء". وقالت "إذا كانت الدعوة للتكامل العربي ظلّت دعوة موجّهة للأنظمة والحكومات، فإن هذا اللقاء يطرح على بساط البحث مسألة تنمية شبكات الإتصال والتبادل بين مختلف قطاعات المجتمعات المدنية في العالم العربي". ورأت "أن الجديد في منهج عمل اللقاء هو الإلتفات الجدّي نحو موضوعات تفصيلية لا تزال شبه غائبة عن مؤتمراتنا الثقافية، فاللقاء يناقش في حلقات مفصّلة ومتوازية قضايا الشباب والنساء وقضايا المعرفة والتنمية والبيئة وشبكات المجتمع المدني، ويجمع بين نخبة من المثقفين العرب المتنوّعي الإنتماءات والخيارات الفكرية والسياسية. وحاولنا أن يكون للشباب دور فيه، كما للنساء ورجال العلم والفكر والسياسة". وختمت "إنها محاولة أخرى من محاولات المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، لاختراق الحواجز التي تحيط بالفكر الديموقراطي الحر، والإنطلاق مرة أخرى نحو محيطنا العربي للتفاعل معه والتكامل، ونحو المحيط العالمي الأوسع، الذي لا تزال حواجزه السياسية قائمة بين الدول والمجتمعات وحواجزه الحضارية ما تزال تزداد عدداً وتشتد قسوة". وقال الأمين العام للمجلس النائب السابق حبيب صادق "أن هذا المؤتمر الثقافي هو الأول من نوعه وهو يشكل فرصة رحبة للحوار الفكري العميق والمفتوح إذ سيشارك فيه أكثر من 150 مثقفاً من شتى البلاد العربية، بينهم نحو مئة من لبنان"، معتبراً أن "الهدف الرئيسي منه هو الإفساح في المجال لإجراء حوار فكري عميق عن قضايا العصر، ونحن على عتبة الألف الثالث، على المستويين العربي والعالمي". والمشاركون في اللقاء هم باحثون ومفكّرون وسياسيون وخبراء في مجالات عدة وأساتذة جامعيون وكتّاب ومحامون وشعراء ومخرجون ونقّاد وإعلاميون من كل الدول العربية، إضافة الى مدير "مؤسسة تقدم الإنسان" التشيلي غوستافو مورينو وهو مقيم في باريس. ولوحظ أن بعضهم غير مقيم في وطنه، وبخاصة العراقيون والفلسطينيون. وعزت الدكتورة شرف الدين إلى أن "أسباباً عدة حالت دون الإتصال بمثقفين فلسطينيين وعراقيين في بلديهم، منها عدم توفّر عناوين لهم وبعض الأوضاع السياسية".