إن الحديث عن مؤسسة الفكر العربي يعني الحديث عن مؤسسة ثقافية وفكرية وأدبية تعتبر من المؤسسات المهمة في العالم العربي، إذ منذ أن فكر الأمير خالد الفيصل في إنشاء هذا الكيان الفكري والثقافي، وشاركه عدد من نساء ورجالات العالم العربي في تحقيق هذا الحلم، والمؤمنين بتسخير المال لخدمة الفكر والثقافة وبناء شخصية الإنسان، تحوّل الحلم إلى واقع ملموس ومعاش، وجعلت المؤسسة، منذ التأسيس في شهر أيار (مايو) عام 2000، الفكر والثقافة غذاءً ينبغي أن يعيش عليه كل فرد في المجتمع العربي وغير العربي، ليكون قادراً على البناء والعطاء والتنمية، من دون النظر إلى المكان أو الزمان أو الأقلية أو الهوية اللغوية أو الدينية أو المذهبية أو غير ذلك، بل إن أهداف المؤسسة تؤكد أن كل إمكاناتها المادية والمعنوية والبشرية، والطاقات الإبداعية والفكرية والتطلعات الثقافية مسخرة لبناء مجتمع إنساني قادر على مواجهة التحديات التي تقف أمامه اليوم. وهكذا بات الفكر، منطلقاً من مؤسسة الفكر العربي، نبراساً للحياة، والثقافة حديثاً يومياً بين الشعب العربي، والأدب غذاءً جمالياً للنفس البشرية، ويبرز هذا من رؤية التجديد، والبحث عن آليات التطوير، والبناء، فلم يكن الربح المادي هو الشاغل؛ لأن المؤسسة أبعدت من نهجها الربح المادي، وأكدت على ربح الأفراد فكرياً وثقافيًا وعلمياً وأدبياً، وهو ما أفرز العمل نحو تنمية الارتباط بتاريخ الأمة العربية وتراثها، والتمسك بمبادئها وقيمها، والسعي إلى احتضان كل الطاقات والمبادرات والتجارب العربية عامة، والشبابية بشكل خاص في مجالات المعرفة والعلوم المختلفة، وفي التنمية البشرية، ويتمظهر كل هذا في مؤتمر «فكر» المعني بالحوار الفكري والتعاطي الثقافي في مناخ يسوده النهج الموضوعي والعلمي. كما أخذت المؤسسة على عاتقها عقد مؤتمرها السنوي منذ تأسيسها، وحتى اليوم، إضافة إلى إطلاق جائزة الإبداع العربي في مجالات عدة، من العلوم البحتة والتقنية، إلى الفنون والسينما، إلى الأدب والفكر والإبداع وخدمة المجتمع ثقافياً، وهو ما رأيته وعشت معه وبه طوال أيام المؤتمر، الذي عقد في أبوظبي، وهو مؤتمر (فكر15). الذي كان برعاية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات بين 12–14 كانون الأول (ديسمبر) 2016، بمنتجع سانت ريجيس بجزيرة السعديات، وربما يتساءل البعض: لِمَ في أبوظبي؟ إلا أن الجواب يكمن في تلك الرؤية التي ينتهجها الأمير خالد الفيصل بأن الثقافة والفكر لا تقف في مكان ما أو عند زمان ما، وكأن هذا النهج يؤكد على تعدد الأمكنة والدول العربية، وهو ما كشفته المؤتمرات التي عقدت في دول متعددة من العالم العربي، ولأن مؤتمر (فكر 15) كان بشعار «التكامل العربي»، متخذة من دول مجلس التعاون، الذي مر على تأسيسه (35) عاماً، والإمارات، التي تحتفل بذكري اتحادها ال45، ركيزتين أساسيتين لهذا التكامل، جاء المؤتمر في أبوظبي، ومشاركاً بذلك الجامعة العربية. التقرير الثقافي، وفقاً لتطلعات مؤسسة الفكر العربي، وسياستها الثقافية والفكرية، وتبنيها الواضح لموضوع التكامل العربي باعتباره المورد الرئيس في برامج المؤسسة من الناحية الاستراتيجية والثقافية والأمنية والاقتصادية والتنموية، التي ارتأت أن تعد تقريراً ثقافياً يهتم بالرصد والتوثيق والتحليل، هو بمثابة كتاب مرجعي عن الثقافة العامة والتخصصية في منطقة الخليج العربية، من ثلاثة مداخل تعتبر مهمة في الحديث عن المشهد الثقافي بأي مكان أو منطقة، والسياسات، والمؤسسات، والتجليات، إذ أعدت المؤسسة التقرير، الذي عنونته ب«الثقافة والتكامل الثقافي في دول مجلس التعاون.. السياسات، المؤسسات، التجليات»، وهو التقرير التاسع، الذي تصدره المؤسسة، ويعنى بالشأن الثقافي في دول مجلس التعاون، الذي يصادف على إنشائه 35 سنة (1981-2016)، وإطلاقه في أبوظبي تكريماً لإطلاق مجلس التعاون من المؤتمر الأول بأبوظبي، والمباركة للإمارات بذكرى تأسيسها ال35 (1971-2016). وأشار المدير العام لمؤسسة الفكر العربي البروفيسور هنري العويط إلى تداعيات التقرير، وأبوابه ومحاوره ومواضيعه، إذ يقول في مقدمة التقرير: «نظراً إلى ما يتسم به مفهوم الثقافة من شمولية، ولتعدد مجالات الثقافة، وتشعب محاورها ومواضيعها، ونظراً إلى استحالة معالجة جوانب المشهد الثقافي كافة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مؤلف واحد، اقتصر التقرير العربي التاسع للتنمية الثقافية على تناول هذا المشهد من خلال السياسات الثقافية دول المجلس، وأبرز مؤسساتها ومراكزها وهيئاتها الثقافية، وما تقوم به من نشاطات وتجليات الإبداع الفني والأدبي فيها، وذلك بغية تقديم صورة موضوعية تغطي هذه الجوانب من المشهد الثقافي في القطاعين الرسمي والخاص». وبناءً على منهجية كانت متبعة في إعداد التقرير، جاءت فصوله المتعددة من خلال ثلاثة أبواب، هي: السياسات الاستراتيجية الثقافية في دول مجلس التعاون، الذي مثله الباب الأول بقسميه: السياسات في المؤسسات الرسمية، وأفق الاستراتيجيات لثقافة المنطقة، وأشارت مقدمة الباب التي كتبها الدكتور علي الدين هلال إلى أن الهدف يتمثل بثلاثة محاور أو أجزاء، هي: خصوصية السياق التاريخي - الاجتماعي للسياسات الثقافية بالمنطقة، وعناصر هذه السياسات وأهدافها وأدواتها وأطرها المؤسساتية، وكذلك التحديات، التي تواجه هذه السياسات. وجاء الباب الثاني متناولاً المؤسسات الثقافية في دول المجلس بفصول وصلت إلى 12 فصلاً، لتبين كما أكد ذلك الدكتور محمد المعزوز أنها رهانات للتنمية الثقافية بالمنطقة، وهي تحديات كبرى، وبخاصة بما يتعلق بكيفية حماية الهوية من تلك السرعة التقنية والثورة المعلوماتية، وكيفية البحث عن السبل والمعطيات التي تسهم في تطير الخصوصية الثقافية بالمنطقة، ومواكبتها شرط العالمية. أما الباب الثالث فتناول المشهد الإبداعي الخليجي، من خلال الأدبي والنقدي والسينمائي والمسرحي والأنثربولوجي والتاريخي، فضلاً عن التحديات التي تواجه الثقافة في المنطقة، حيث شهدت الكثير من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتركيبة السكانية، ما أدى إلى حضور التأثير المباشر وغير المباشر على الواقع المعاش المعني بالحال الثقافية والإبداعية مختلفة الجوانب والمجالات، وبما أن الأدب والفن من العناصر التي تشغل بال العديد من مثقفي المنطقة، فلا بد من درس المشهد الثقفي، والتحولات الثقافية المختلفة، ومدى قدرة المثقف على غربلة الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية، وعلاقة ذلك ب«الجندر» من ناحية والإبداع من ناحية أخرى. وفي الوقت الذي أصدرت فيه مؤسسة الفكر العربي هذا التقرير، الذي يعتبر من التقارير المهمة في المنطقة، سواء في شكل دول أم في شكل مجلس التعاون، فإنها أصدرت ملخصاً أو موجزاً لتلك الأبحاث التي تضمنها التقرير، رغبة منها في إعطاء بعد الاختيار والتكيف للقارئ إن أراد الموجز أم المفصل. الإيمان بدورها في فضاء الثقافة حينما آمنت مؤسسة الفكر العربي بدورها العربي في فضاء الثقافة منذ تأسيسها، سارت وفق استراتيجية ثقافية عربية متطلعة لدورها ودور الثقافة الذي ينبغي ألا يقل عن تلك الأدوار التي تقوم بها الدول المتقدمة ومؤسساتها الثقافية، وطموحات شعوبها، التي بنت حضارتها وأسست كياناتها الثقافية، لذلك كانت الحال الثقافية العربية ضمن انشغالات المؤسسة، التي سعت إلى بناء الاستراتيجيات ووضع الخطط والبرامج من أجل مسألة تعتبرها من أهم المسائل العربية، وهي: التكامل العربي، لكن ليس عند الساسة فحسب، بل في محيط المشهد الثقافي العربي بحيث ما تفسده السياسة يتم إصلاحه بالثقافة. ومنذ إطلاق مبادرة التكامل العربي من الأمير خالد الفيصل رئيس المؤسسة بدأت الورش والأعمال والأنشطة والخطط تسير عبر المؤتمرات، التي عقدتها مؤسسة الفكر العربي أخيراً، بدءا من مؤتمر فكر 13 بالمغرب عام 2014، ومؤتمر فكر 14 ببيروت عام 2015، ومؤتمر فكر 15 بأبوظبي عام 2016. وينطلق التكامل العربي بمحاور عدة، محور التكامل الاقتصادي والتنموي، والتكامل الثقافي، والتكامل الأمني، وكأن هذه المحاور تراها المؤسسة من أهم ما ينبغي تناوله في المؤتمرات والندوات والملتقيات والحوارات لما لها من أهمية في بناء الوطن العربي، الذي كان ومايزال يعاني التشرذم والويلات، التي صنعتها الخلافات والحروب والتفرقة داخل البلد العربي الواحد، لذلك جاء محور مؤتمر فكر 13 «التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم»، ومحور مؤتمر فكر 14، كان بعنوان «التكامل العربي: تحديات وآفاق»، وواصلت المؤسسة في نهجها نحو رغبتها في طرح قضية التكامل العربي من زوايا عدة ومتنوعة، إذ أخذ مؤتمر فكر 15 «التكامل العربي: مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبقراءة محور المؤتمر الأخير نجد أن الحلم الذي كانت تراهن عليه مؤسسة الفكر العربي، وهو الوحدة العربية والتكامل العربي في مجالات شتى، تأكد وتحقق أمام التاريخ والإنسان بين سبع إمارات بمسمى (دولة الإمارات العربية المتحدة)، والدول الست في منطقة الخليج لتكون مجلساً بمسمى (دول مجلس التعاون)، وإن كانت الظروف المحيطة بهذه الدول هيأت الأرضية المشتركة لتكوين مثل هذين (الاتحاد والمجلس)، كالموقع الجغرافي، والإرث التاريخي، والنسيج الاجتماعي، والتاريخ الحضاري والثقافي المشترك، فإنهما تجربتان ينبغي الأخذ بهما، وهذا يتطلب في عالمنا العربي ودول وساسة، ورجال فكر وثقافة وأدب، ورجال اقتصاد وأصحاب تخصصات تكنوقراطية وغيرها الوقوف معاً في ظروف لمرحلة صعبة على الأمة العربية، أي الوقوف معاً لبناء عالم الغد العربي، العالم الذي يضع بصماته المؤثرة بقوة في صنع السياسات الدولية. هكذا كان رئيس المؤسسة يؤكد على أننا بحاجة إلى نهج جديد لهذه الأمة، وأن أية أمة لا يمكن لها النهوض إلا إذا آمنت بالتكامل الثقافي، وهو الذي جعل المؤسسة تعمل ليل نهار عبر خططها وتعاونها مع بعض مؤسسات العالم العربي، كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون، وبعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية ببعض التخصصات الاقتصادية أو الأمنية أو الثقافية، وكذلك القيام بعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل، حتى تم عقد مؤتمر فكر 15 بأبوظبي ليناقش العديد من المسائل، التي طرحت من خلال مجموعة من الأسئلة المتنوعة لإحياء ثقافة الحوار، وقبول الآخر المتفق والمختلف في الطرح والرؤية من دون الوقوف على الإجابات التي تكمن داخل هذه الأسئلة، حيث العمل على صياغة السؤال كان هو الشغل الشاغل في حوارات المؤتمر، حيث الدعوة إلى أن يكون هناك سؤال يتمظهر من سؤال على اعتبار أن السؤال هو منبع التفكير في الحياة والعالم وليس التفكير في الإجابات على اعتبار أنها صناديق معلبة. وتميزت جلسات المؤتمر بالطرح العميق من رجالات العالم العربي، حيث كان هناك لقاء تلفزيوني مسجل مع ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، إذ حاوره الأستاذ تركي الدخيل، تناول تجربة مجلس التعاون عامة والبحرين بصورة خاصة، كما تحدثت الإمارات من خلال وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش عن تجربتها قبل التأسيس وبعده، والظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أسهمت في بلورة فكرة الاتحاد حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، كما تناول الأمين العام لدول مجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني مسيرة المجلس وتحديداً الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة، كما تناول الأستاذ عبدالله بشارة التجربة أيضاً منطلقاً من حيثيات التأسيس ومواجهة التحديات، وفي الوقت نفسه كان هناك حديث لكل من الدكتور عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، وأمين الجميل الرئيس الأسبق للبنان، إضافة إلى مجموعة من الكتاب الذين كانت لهم مساهمات في إعداد التقرير الثقافي، مثل: الدكتور علي الدين هلال، والدكتور يوسف الحسن، والدكتور حسن مدن، والدكتور سعيد السريحي، والدكتور محمد المعزوز، إذ جاءت مداخلاتهم وأطروحاتهم في الشأن الثقافي والبناء الاستراتيجي الثقافي، وكيفية العمل معاً في تفعيل المشهد الثقافي من جهة، ومواجهة التحديات من جهة أخرى على اعتبار أن الثقافة محرك رئيس لإيجاد أرضية مشتركة في العالم العربي تسهم بفاعلية في تمظهر نهج يمكّن العرب الخروج من دهاليز السياسة الجوفاء، والحروب الطاحنة، والمشاحنات المقيتة، وبهذا فليس هناك إعفاء للكاتب والمبدع والفنان والمثقف من دوره المطلوب في جسور الثقافة وصرحها العربية. رسم السياسات الثقافية للمستقبل في البدء لا بد من شكر مؤسسة الفكر العربي، التي أولت اهتمامها المباشر بقراءة واقع المشهد الثقافي في منطقة الخليج العربية، وتكليف عدد من المختصين والباحثين في مجالات ثقافية واجتماعية وإنثربولوجية للوقوف على ما في المنطقة من حراك ثقافي وأدبي وفني، من دون إغفال السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإنثربولوجيا، فإن هذا الاهتمام ينم عن مسؤولية عربية وطنية وانتماء صادق تجاه هذه المنطقة، لهذا جاء التقرير في الوقت المناسب، في وقت نرى التشرذم العربي، والتطاحن والحروب الداخلية لبعض الدول، وأطماع الدول الكبرى تزداد يوماً بعد يوم للانقضاض على ثروات المنطقة وتفتيت أواصر اللحمة بين سكانها، لذلك وجود مثل هذا التغير الذي غطى معظم الجوانب المعنية بمنطقة الخليج ودول مجلس التعاون، من رسم للسياسات الثقافية والاستراتيجيات والخطط الآنية والمستقبلية، التي تجعل من ماضيها الثقافية دعائم الانطلاقة والبناء والتنمية، وبخاصة أن البحوث والأوراق، التي تضمنها التقرير تناولت المفاهيم والمصطلحات والأنماط والأساليب وجل القضايا التي تلامس الإنسان الخليجي بصورة عامة، والمرأة بصورة خاصة، سواء في دول مجلس التعاون مجتمعة، أم في كل دولة منفردة، ما يعطي المساحة الكافية للمقارنات بين هذه الدول، والمقارنات مع بقية دول الأخرى العربية والأجنبية. وعلى الصعيدين، أي المؤسسات الحكومية، والمؤسسات الأهلية، التي تنقسم بدورها إلى مؤسسات أهلية خاصة، ومؤسسات أهلية مجتمعية. وإذا كانت مؤسسة الفكر العربي تعمل لمصلحة الأمة العربية فإن ما يأتي من جهود عربية أخرى، كالوثيقة التي جاءت محاورها الستة لتهتم بالسياحة والثقافة، فالمؤسسة أيضاً تعمل وتخطط برامجها وفق ترجمة الأحلام والطموحات إلى واقع فيه الكثير من الإيجابيات للعالم العربي، وتعزيز الهوية العربية والانتماء والمواطنة، مع الاهتمام بالتراث الثقافي والحضاري، وهو ما يؤكد خطط المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية وبرامجها التي تعمل على دعم الثقافة والاستثمار فيها، وإذا آمنا بمحاولات مؤسسة الفكر العربي الثقافية لإيجاد نهج جديد ينقل عالمنا العربي من حال البؤس والشقاء إلى حال الحلم والعمل والتعاون والتعايش والتواصل، فإننا نحن العرب بأمس الحاجة إلى التمسك بحلم المؤسسة القبول بالاختلاف والتواصل مع الآخر، المختلف عنك دينياً وطائفياً وعرقياً ومكانياً، من أهم الركائز التي تستطيع الثقافة جمعه واحتضانه. ولهذا كانت مطبوعات المؤسسة أحد الروافد التي تؤكد على نسج العلاقة مع الآخر، فلم تكتف بإقامة المؤتمرات وعقد ورش العمل التحضيرية، بل سعت جاهدة إلى إصدار مطبوعاتها المختلفة، مثل: «نشرة أفق»، ومشروع كتاب «أوضاع العالم»، ومشروع «حضارة واحدة» وأعتقد أنها من المشاريع المهمة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الأمة العربية. وإذا أخذت مطبوعات المؤسسة موقعها الثقافي عند الكتاب والمثقفين، فإن الجوائز لها الصدى نفسه، فإيمان رئيس المؤسسة بدورها الثقافي الحقيقي أنشأ جائزة الإبداع العربي التي تتوزع بين جائزة أهم كتاب عربي، وجائزة الإبداع العلمي، وجائزة الإبداع التقني، وجائزة الاقتصاد، وجائزة العمل المجتمعي، وجائزة الإبداع الإعلامي، وجائزة الإبداع الأدبي، وجائزة الإبداع الفني، إضافة إلى احتضان المؤسسة للطاقات الشبابية، ومبادراتهم التي تحظى باهتمام مباشر وحقيقي من مسؤولي المؤسسة، هذا يعني أننا أمام مؤسسة أوكلت نفسها إلى العمل الثقافي لإيمانها بأن موقع الثقافة في العالم العربي هي القادرة على بناء أوطاننا وتطورها وتنميتها، وعليه فإن العرب بإمكانهم جميعاً أن يتكاملوا ثقافياً، فما أفسدته السياسة، تستطيع الثقافة إصلاحه، فالثقافة والفن بأنواعه، لغة عالمية يحتاج إليها الإنسان في كل لحظة من حياة يومه، ومقومات العالم العربية المشاركة بين الدول العربية تعطي مجالاً واسعاً لهذا التكامل، ولكن أي تكامل لا ينبغي فيه إغفال جيل من الأجيال، وبالأخص فئة الشباب، والأطفال، ولا ينبغي إغفال دور المرأة، فالعلاقة الجندية مهمة جداً في هذا التكامل، وهي أمنية من أجل أن نعيد بعض الأمل والحلم، الذي رسمته القومية العربية في وقت من الأوقات، حين كنا ننشد بأصواتنا العالية في طابور الصباح اليومي بالمدرسة «بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد». * ناقد بحريني.