عاشت مدينة الدار البيضاء لمدة اسبوع على ايقاع المهرجان السينمائي المغربي الخامس بمشاركة ثلاثين شريطاً متنوعة المضامين والخطاب، فيما قاطع بعض المخرجين هذا المهرجان بدعوى وجود ثغرات في التنظيم من أبرزهم عبدالرحمن التازي صاحب "البحث عن زوج امرأتي" ونبيل لحلو صاحب "القنفودي" و"نهيق الروح". لكن هذه الثغرات التنظيمية لم تحل دون توافد اعداد كبيرة من عشاق الفن السابع على صالات العرض لمتابعة ما جادت به كاميرا المخرجين المغاربة، وتجديد اللقاء مع الأفلام المغربية التي يطول في الأيام العادية انتظارها. وأججت عروض المهرجان الصراع القائم حول مسألتي الهواية والاحترافية في الاخراج المغربي، ومدى مساهمة ذلك في التأثير على الفضاء السينمائي المغربي. ووصل النقاش مداه حينما اتهم المخرج نبيل لحلو جلّ العاملين في المجال السينمائي المغربي بغياب الاحترافية. وتحول انتقاد لحلو الى شبه مواجهة مع المخرج حكيم النوري صاحب "سارق الاحلام" و"الطفولة المغتصبة"، حينما اتهم لحلو النوري بالرهان المستمر على الهواية "ما يؤثر على وتيرة الانتاج والممثلين الذين يجدون أنفسهم مضطرين الى ممارسة اعمال أخرى بعيداً عن المجال الذي راهنوا عليه"، وطالب لحلو المخرجين المغاربة "الذين يتخذون من الفن السابع مصدراً تكميلياً للعيش ان يلجوا عالم الاحتراف لدعم صف العاملين المحترفين". لكن النوري دافع عن مسألة الهواية، وقال انها لا تؤثر في الابداع وان جودة الاعمال السينمائية لا تستند الى مدى الهواية أو احتراف المخرجين أو العاملين فيها. ودعم المخرج عبدالقادر لقطع نوعا ما توجه النوري، واعتبر لقطع صاحب "الباب المسدود" المثير للجدل بسبب بعض المشاهد والمواقف التي اعتبرت "منافية للاخلاق والحياء"، اعتبر ان مطالبة المخرجين المغاربة بالاحتراف في غياب أرضية تواكب العمل السينمائي أمر غير صائب. وقال ان الاحتراف في السينما يتطلب وجود بنيات اساسية وشروط موضوعية تفسح في المجال أمام إرساء صناعة سينمائية حقيقية. ويعاني الفضاء السينمائي المغربي من عدة مؤثرات تساهم في اضعافه، وعدم قدرته على منافسة الانتاجات الغربية، ويعتبر الجانب المادي أهم العناصر التي تضعف السينما في المغرب. وتعد الحكومة المغربية حالياً خطة للنهوض بقطاع السينما. ويعتزم وزير الاعلام المغربي العربي المساري طرح عدد من القوانين على البرلمان قريباً في خطوة لتوطيد الحوار مع المعنيين بقطاع السينما. وكان مهرجان الدار البيضاء مناسبة اكد من خلالها الوزير المغربي عزم بلاده "النهوض بالقطاع السينمائي في المغرب"، وجعله "يحظى بالمكانة التي يستحقها". ولكن تحقيق هذه الرغبة يحتاج الى مزيد من الدعم المالي المخصص من الموازنة العامة للبلاد للعمل السينمائي بغية التخفيف من الكلفة عن المنتجين وتشجيعهم على الابداع. ولا يتعدى الانتاج السينمائي المغربي حالياً خمسة افلام في السنة مقابل أزيد من 350 فيلماً اميركياً في الفترة نفسها. ويواجه الفيلم المغربي، على رغم قلته، مشكلة التوزيع في ظل علاقة حميمة تربط المنتجين مع شركات التوزيع العاملة في المغرب، والتي يقارب عددها ستين شركة. ويتفادى موزعو الأفلام في المغرب التعاطي "مع افلام مغربية لا تفي بمتطلبات الجودة"،. وقد "لا تدر الارباح المطلوبة"، وغالباً ما تربط شركات التوزيع بين ضعف توزيع الفيلم المغربي وهيمنة الهواية على اعمال المخرجين "ما يعطي عملاً سينمائياً لا يرقى الى الحد الأدنى من ابجديات العمل السينمائي في المغرب بكامله". ولا يقتصر الجانب المادي فقط على ضعف أداء السينما المغربية وضعف منتوجها. وانما يترجم ذلك عبر انعدام المهرجانات التي تستضيفها البلاد، وفي غياب مهرجانات دولية، لم يستطع المغرب لحد الآن اجتذابها، يظل تنظيم المهرجان المغربي السينمائي عرضة للظروف المادية والمهنية. ونظم المهرجان السينمائي المغربي الرابع في طنجة شمال البلد قبل ثلاث سنوات، ولا زال المهرجان لم يجد لنفسه مكانة زمنية محددة على غرار المهرجانات العربية أو الدولية.