استناداً الى الاتصالات الأميركية والبريطانية بأطراف المعارضة العراقية، فإن الإدارة الأميركية تتصرف وكأن قراراً صدر عن رئيسها ويؤكد ان الهدف بات، بوضوح، اطاحة نظام صدام حسين. حتى الأمس القريب، كان هذا الهدف ضمنياً، بل كانت الاطاحة عملياً محرك سياسة العقوبات ومحورها. في السابق كانت الحسابات تعتمد على أمرين. الأول ان هزيمة عسكرية كمثل تلك التي تلقاها النظام العراقي في حرب تحرير الكويت كان يجب أن تؤدي الى تنحي النظام، لمجرد أنه هزم، إلا أنه اعتبر بقاءه على رغم الهزيمة انتصاراً وقرر أن يبقى وأن يمدد بقاءه ما استطاع الى ذلك سبيلاً. الأمر الثاني هو أن قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة بالغزو العراقي للكويت من شأنها أن تؤدي منطقياً، بالحصار والاحتواء والتضييق، الى اسقاط النظام. وهو ما لم يحصل، والأرجح أنه لن يحصل. فالقرارات اختبرت الى أقصى حد، حتى باتت وسيلة في يد النظام للدفاع عن بقائه. لا داعي للتكرار ان التخلص من نظام صدام حسين رغبة دولية وعربية، وعراقية قبل كل شيء، ولا أحد يتمسك به لذاته أو لما يمثله من "قيم". لكن هذا لا يبرر في المطلق لا أخلاقية الحصار الذي اختزلت وظيفته خلال السنوات الأخيرة الى مجرد التضييق على الشعب العراقي. كذلك لا يبرر استخدام "اونسكوم" لتعوّض فراغاً سياسياً ليس عند الولاياتالمتحدة أو مجلس الأمن ما يملأه به. لم يكن على المجتمع الدولي طوال ثماني سنوات أن يحتمل استمرار وجود نظام صدام، وانما وجد نفسه أيضاً أمام اخطاء ارتكبتها واشنطن تحديداً لأنه لم تكن لديها سياسة واضحة وفاعلة. فهي لمّعت المعارضة، مثلاً، وأوجدت لها كياناً في شمال العراق وأمنت لها تمويلاً، ثم اهملتها في منتصف الطريق وتركتها تتآكل وتضعف وتزيد تشرذماً. وها هي تعود اليوم الى نفض الغبار عنها، متبعة الأسلوب نفسه، مع علمها ان الاهمال السابق حال دون بلورة عمل مشترك بين أطراف المعارضة ودون توليد نواة "بديل" محترم ذي صدقية يحظى بتأييد وارتياح من جانب فئات الشعب العراقي كافة. فالوقت الذي أضيع كان ثميناً، أما التجربة التي بددت فكانت أهم وأثمن. ليس من الانصاف استصغار المعارضة والمسارعة الى عدم التعويل عليها، وفي الوقت نفسه ليس من الموضوعي اعتبار ان هذه المعارضة هي رأس الحربة، لمجرد ان السيد مارتن انديك أو السيد ديريك فاتشيت اجتمعا بشخصيات منها، فالولاياتالمتحدة وبريطانيا تستطيعان ان تساعدا هذه المعارضة على توحيد صفوفها وتوضيح نهجها، ولأجل ذلك عليهما أن ينزعا عن "هدف" اطاحة صدام مفاعيله الاقليمية. اذ أن اتخاذ هذه الاطاحة نموذجاً لترهيب سائر بلدان المنطقة وتهديدها يعني، ببساطة، الحؤول دون ايجاد نظام بديل قادر على اشاعة الاستقرار في العراق وبث مناخ من الثقة في محيطه. من المؤسف ان القدرة على الفهم عند الأميركيين وبالتالي البريطانيين لا تمكنهم من الاعتراف بمعادلة لا بد منها: نعم لاطاحة صدام ونعم لوضع اسرائيل في حجم دولة عادية تريد أن تساهم في استقرار المنطقة لا في تسميمها. ان "مشروعية" اسقاط النظام العراقي لا تبرر أبداً ابقاء اسرائيل ترسانة نووية تهدد العالم العربي كله.