"القِمّة السابعة" هو عنوان المجموعة الشعرية الصادرة حديثاً عن دار "غاليمار" في باريس، للشاعر الفرنسي أندريه فيلتر. وهي قصائد كتبت تحية لمتسلقة الجبال الفرنسية المشهورة شانتال مودوي Chantal Mauduit والتي ماتت سنة 1998 في جبال الهيمالايا، ولم تتجاوز الرابعة والثلاثين من عمرها. أحبت شانتال مودوي الجبال والتسلق وهي في الخامسة عشرة. بدأت مسيرتها في التسلق بجبال الألب، ثم في البيرو جبال الأنديس حيث بلغت ذروة هواسكاران 6768 م، وفي بوليفيا ساجاما، 6500م إضافة إلى أعلى الجبال في أميركا الشمالية. ومنذ سنة 1992 انقطعت لتسلق ذروات الهيمالايا، مقررة أن تقوم بذلك دون استعانة بالأوكجسين. وصلت إلى ست ذروات يتجاوز علو كل منها ثمانية آلاف متر، قبل أن يقتلها جُرف أو انهيار ثلجي أو اليتهور بالعربية التي أهملناها، في أوائل أيار سنة 1998، في منحدرات قمة دولا جيري. وكانت وصلت إلى قمة ايفيرست الجنوبية 8755 م دون اوكسجين في 7 أيار 1995، الشهر الذي ماتت فيه، بعد ثلاث سنوات. واضطرت بفعل الريح والطقس ألا تكمل صعودها حتى القمة الأخيرة لايفيرست، وكان يفصلها عنها أقل من مئة متر، إذ يبلغ علوها 8848 متراً! اعجاباً بهذه المرأة النموذجية، ووفاء لشجاعتها، خصص لها هذا الشاعر ديواناً كاملاً. ويسعدني تحية لهما معاً، أن أقدم للقارئ نصين من هذا الكتاب، إضافة إلى مقاطع مما كانت تدونه شانتال مودوي في دفتر يومياتها. أحب أن أشير في هذه المناسبة إلى أن اللافت الأساسي في شعر أندريه فيلتر، وقد سبق أن عرفه قراء هذه الصفحة، هو أنه مع شعراء قلة آخرين، يقدم صورة أخرى، جديدة ومختلفة، عن حالة الشعر الفرنسي. فهو يتخلى عن التجريدية العقلانية، ويؤسس لغنائية حياتية، منفتحة على ثقافات الشعوب غير الأوروبية، وبخاصة المشرقية، وعلى تقاليدها وأساطيرها، وعلى تجاربها الفكرية والفنية. وهذا ما يعززه، بشكل قوي، كتابه الأخير الصادر حديثاً عن دار "غاليمار" كذلك، بعنوان: "بوهيمي، متواليات فروسية"، والذي يرى القارئ في ما يلي مختارات منه. نصّان من "القمة السابعة" النص الأول عندي، لكي أبنيَ لك قبراً، كلمات شمسٍ وأحلام. لا شيء ينتمي إلى ثقل العالَم لا شيء يفرض عليكِ موتاً مقيداً لا شيء يُمهلُ صعودكِ الأكثرَ علواً مِنَ الذروات جمعاء. هكذا ابتكر لكِ قبراً دونَ بهرجةٍ دونَ إكليل ولا رخام، أرفعكِ أقل من مسلةٍ ضائعةٍ في الصحراء أقدم لك نفخة من الرمل والريح، قبر طائرٍ مهاجر قبر فراشةٍ زرقاء قبر طيارةٍ من الورق. أنتِ، في تراتيل الكون، ضحك النور الأكثر نقاءً والفرح الذي لا ظل فيه، الذي يعطي يعطي كذلكَ حضوراً للمحال كمثلِ هذه السمكة التي ورثتها للسماء أو هذه الزهور التي كانت تقبلُ، من أجلك وحدك، أن تتفتح تحت القمر. الآن، من الظلمات التي أعيشها، أنا الفاقد الايمان، تقريباً، أعلن لكِ، إن كانت هنالك قدس أخرى، أنكِ امرأتيَ السماوية. النص الثاني في مصهر ذاكرتي خفق ذهبٍ خفق دموع من أجل إنتاج الرمّاد. ما العمل بكرةٍ من النّور تضيئ، تكتسحُ، تتلاشى؟ في مصهر نفسي خفق دم خفق أحلام من أجل أن ينفث الموت ما العمل بالإعصار من الفَرح يتفجر، يغمرُ، يضمحل؟ في مصهر نشيدي خفق ريح خفق فجر من أجل تدبير الصمت. ما العملُ بجسدٍ عالٍ يتعالى، يشع، يضيع؟ في مصهر سمائي خفق فراغ خفقُ زرقةٍ من أجل انقاذ شمسكِ ما العمل بحبٍ قويٍ احتل النهارَ والليل وانتصر، دونَ رجاءٍ، على الأشياء المخلوقة جمعاء؟ من دفتر يوميات شانتال مودوي اسمّي نفسي زهرة عباد الشمس، أتسلق القمم وأترصد الشمس * نظرت إلى الشمس: كان الوقت ظهراً الوقت الذي لا وجودَ فيه للظل. حنيئذ، كلمتكَ قلتُ لك: حان الوقت، فلنذهب يا حبيبي. الوقت ظهرٌ في قلبي، لا ظلّ إلا أنت وحدكَ الوقت ظهرٌ في قلبي، ألستَ أنت شَمسي؟ * كيف أقولكَ يا حبّي بشكلٍ أفضل من قولكَ في الافقِ حيث العلو هو، وحده، الصدى؟ كيف أقولك يا حبّي أجمل مما تُقال في الذروة القليلة النسم عندما تجيئ قصيدتكَ إلى شفتيّ، وقلبي يخفق في كل ذرةٍ في جسدي؟ * أرتبط بالخارق. * كتبت في منحدرات دولا جيري في الهيمالايا، في نيسان - أيار 1998، قبيل موتها بقليل. مقاطع من:"بوهيمي، متواليات فروسية" لا مهرب، إن كانت القبة ملتهبة. ليس لنا إلا أن نثقب النّارَ ونختطفَ روحها. * حيثما كان، يبقى على حدة - ذلك الذي يحمل لغز الغريب الذي لا يزور بيته إلا في طريقه إلى الغربة. يفتن، ولا يتكلم إلا لغة حصانه الدارجة. * كوكبة فرسانٍ في الأساطير، تتيه راقصةَ عند ينابيع الصحراء. * نعيش في اسطورة أفلتت من خطر التاريخ، في نبوءة... لا عرافون لها غير شعب من الحظ يرى بقبله. وغير جمهور زائل يفكر كمن يتلاشى. * هناك، بعيداً، شموس متضادة توقظ النهار والظلماتِ، وما تضيئه، لا يُرى. * في زاوية الكون المطفأة، حُب يموت. * غاب الفارس القديم فارس الرؤيا. لا يجول في التخومِ إلاّ جزءٌ ضخمٌ من ظل حاملٍ ظِلاً يحصدُ الضوء. * اللانهاية، الواقفة على حصانٍ تبدل مكانها. هنا بودلير، ولا عقابَ لرجلٍ يسكر بظل عابر. * الملاك في المخيم بعيداً عن الأقلام والأناشيد سقط من حلم قديم جاهز لكي يغيّر هيئته. لم يترك العذاب لجولةٍ سعيدةٍ لم تعد مخربة، إلا سجادة من الظلمات. * فجأة، ذلك الجسم السحري للسنتور - الفراشة، بأجنحته المسروقة من حافات الكواكب، يصبح الروحَ المعلقة لتيه ممنوح. * يا رحالة البلدان كلها، ازرعوا في الزمنِ والتاريخ دروب العالم