كانت الرياضة اللبنانية منذ ولادتها، مولوداً عجيباً غير مكتمل النمو... اصطدمت مساعي تطويرها وتأهيلها بعوائق لا تعدّ ولا تحصى منها ما هو متأصل في النفوس قبل النصوص، عنَيت بها الطائفية التي تتحكم أصلاً بأسس المجتمع ككل وتنسحب على الرياضة بكل ترهلاتها ومصائبها... يضاف الى ذلك أن الرياضة في لبنان مصابة بمرضين آخرين فتاكين هما التسيس والتجزئة في غياب تام لسياسة رياضية. في ندوة تلفزيونية بثتها محطة "أم. تي. في" الأسبوع الماضي وتابعها اللبنانيون، جاء في ما يشبه الاستفتاء من خلال اتصالات المواطنين ان 73 في المئة يعتبرون الرياضة طائفية، أي أنها نموذج لحال الوطن ومرافقه العامة. وبينما تبارى المنتدون في التمويه وطرح المثاليات، وبينهم النائب والمدير العام والصحافي، واعتبار انه لم تكن توجد قوانين واضحة ومفصلة ترعى الحركة الرياضية في ظل شبه غياب للدولة وانعدام دعمها للاتحادات والجمعيات الرياضية، تناسى هؤلاء ان القوانين الواضحة موجودة منذ ما قبل الاستقلال لكن تطويرها اصطدم دوماً بعقلية رجعية تفضّل المصلحة الخاصة على العامة، حتى أن كثيرين من "مفاتيح" الإدارة الرياضية ساهموا في وضع التعديلات بغية أن تأتي على مقاسهم وتناسب أوضاعهم وأحوالهم... ما أدّى لاحقاً الى فراغ كبير وفوضى "وتشليح" قانوني لصلاحيات الهيئات الرسمية، التي تواطأت في أحيان كثيرة مع القائمين على الحركة الأهلية لاقتسام المغانم، والنتيجة تراجع في المستويين الإداري والفني وانقسامات في مرحلة لاحقة، واحتكام الى المرجعيات السياسية والطائفية. ولطالما عولجت مشكلات الحركة الرياضية بقليل من الوعي وكثير من الغريزة، والوقائع الميدانية التي تشهد على هذا الانحطاط عديدة. حتى ان الندوة التلفزيونية المذكورة ضمن برنامج "سجل موقف" انتهت تصادمية وكشفت المستور والمخبأ في الصدور من رواسب عبر انفعالات من هنا وتصدٍ غير موفق من هناك. واختيار الموقع بين الأبيض والأسود من خلال تبويس اللحى وابقاء الجمر تحت الرماد لن يفيد ولن يعالج سقماً. وكل ما تطرحه المديرية العامة للشباب والرياضة من خطوات تطوير إدارية للعصرنة والتجديد لن تجدي البتة إذا كان جهازها هرماً وفارغ الاختصاص... "والتشدق" بالحيادية ذرّ الرماد في العيون. يطالبون بإبعاد الطائفية والسياسية عن الرياضة لتستقيم وتنطلق، ويسهو عن بالهم - قصداً ربما - أن الشعب مطيّف ومسيّس ينزع لا شعورياً الى مزاولة رياضية على صورته ومثاله. نحن لسنا بمتشائمين بل واقعيين جداً... نلمس الجرح ونحدد الورم وقيحه ونشخص المرض، والعلاج سيطول ويطول حتى تنظف النفوس وتصفو النيات... بعدها، بقليل من "التكنولوجيا"، نسمو برياضتنا