تشكل الانتخابات الاشتراعية المرتقبة في مصر «محكاً» لكل أطراف اللعبة السياسية في البلاد، إذ ستعتبر مقياساً لمدى قدرة القوى السياسية على الانخراط في إدارة شؤون البلد والتحكم في مفاصل السلطة بدلاً من لعب دور المعارضة كما في أيام نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. كما ستظهر الانتخابات مدى قدرة الأحزاب والتيارات على التنافس في شكل ديموقراطي سليم ومن خلال التركيز على عرض البرامج بعيداً من المناطحات عبر وسائل الإعلام واستغلال المال السياسي والشعارات الدينية لجذب المرشحين مثلما كان يحدث أيضاً. وسترسم نتائج الانتخابات خريطة المرحلة المقبلة إلى حد بعيد، إذ أنها ستفرز برلماناً سيخوّل له اختيار لجنة تأسيسية لصياغة الدستور الجديد للبلاد. كما أنها ستحدد بشكل كبير القوى الفاعلة في المجتمع قبل الانتخابات الرئاسية. في المقابل، ستكون الانتخابات أيضاً محكاً صعباً للسلطة الحاكمة واختباراً لقدرتها على تنظيم أول انتخابات تجري في أعقاب الثورة التي أطاحت النظام السابق بشكل نزيه وشفاف وحيادي. وتبرز قضايا عدة على الواجهة ترتبط في مجملها بشكل المنافسة في الاستحقاق الأبرز في التاريخ المصري الحديث ونزاهته، وأبرزها المراقبة الدولية للانتخابات، إذ لا يزال الجدل يدور حولها. وهناك أيضاً تحذيرات قوية من أن يتحول الاقتراع إلى يوم دموي خصوصاً مع زيادة الانفلات الأمني في البلاد وارتفاع معدلات الجريمة وانتشار السلاح بشكل غير مسبوق. كما أن المجلس العسكري الممسك بزمام السلطة لم يحسم بعد الجدل المتفجر على الساحة حول طبيعة النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية على رغم اقتراب موعد فتح باب الترشيح. أما القضية الرابعة فتتمحور حول المخاوف التي تعتري غالبية القوى السياسية مما تسميه «إعادة إنتاج النظام القديم عبر صناديق الاقتراع»، إذ تشكك في أن من يسمونهم ب «فلول الحزب الوطني» سينافسون بقوه في الانتخابات عبر تنظيمات وأشكال جديدة. وهو ما ظهر فعلياً في الشوارع والميادين الرئيسية في مصر عبر انتشار لافتات دعائية لأعضاء وقياديين سابقين في الحزب الوطني المنحل، بعضهم انخرط في أحزاب «وليدة» فيما سيخوض آخرون الانتخابات «كمستقلين»، الأمر الذي دعا النخب السياسية إلى المطالبة بتعديلات في القوانين المصرية تمنع أعضاء الحزب الحاكم سابقاً من العمل السياسي. ووسط هذا الارتباك بدا التناحر بين القوى السياسية، ليتحول المشهد مع بدء العد التنازلي لانطلاق الموسم الانتخابي المتوقع له أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل إلى مسرح تستعرض فيه التيارات السياسية قوتها لتسجيل أكبر عدد من مقاعد البرلمان. وإذا كانت كل الانتخابات التي أجريت في العهد الماضي محسومة سلفاً قبل أن تجري لمصلحة الحزب الوطني (المنحل)، وأن الصراع الانتخابي كان ينحصر بين «الوطني» وجماعة «الإخوان المسلمين»، فإن أول انتخابات تجري في أعقاب الثورة التي أطاحت النظام وحزبه الحاكم ستشهد تغييرات على صعيد الصراع وإن بقيت جماعة الإخوان لاعباً رئيسياً. وبدأ من وراء الكواليس موسم التحالفات بين الأحزاب والتيارات السياسية، لتكوين تكتلات لخوض المعركة الانتخابية المقبلة، بينما يتوقع مراقبون في مصر أن يشهد الاستحقاق معركة مفتوحة وسخونة غير مسبوقة في المنافسة بين الإسلاميين وأنصار التيار الليبرالي من جهة وبينهما وبين طبقة رجال الأعمال من جهة ثانية. وفي غضون ذلك، يبدو المجلس العسكري مُصراً على إجراء الانتخابات البرلمانية بالنظام المختلط ما بين «القائمة» و»الفردي»، كما أنه يرفض بشدة أي محاولات لإرجائها. هذا ما بدا جلياً في اجتماع عقده نائب رئيس المجلس العسكري الفريق سامي عنان مع 47 من رؤساء الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. وأكد عنان في ختام الاجتماع دراسة اقتراحات ومطالب الأحزاب والعمل على تلبيتها في حال عدم مخالفتها للإعلان الدستوري المعمول به حالياً والقوانين ذات الصلة والأحكام السابقة. ورأى نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان عصام العريان، أن مصر على أعتاب مرحلة جديدة من أخطر المراحل التي تمر بها في تاريخها، واصفاً البرلمان المقبل ب «برلمان الثورة»، وشدد العريان في مؤتمر جماهيري على أن المعركة ما زالت مستمرة مع «فلول الوطني»، داعياً القوي السياسية إلى أن تتكاتف وتتوحد كي يعبر هذا البرلمان عن كل أطياف الشعب المصري. وأوضح العريان أن السنوات الخمس المقبلة مصيرية لهذا البرلمان الذي سيقوم بمهمات كثيرة، أبرزها التشريع وصياغة الدستور الجديد وحماية الأمن العام، مشيراً إلى أن طريق الوحدة والتكاتف ضرورة للتصدي للهيمنة الخارجية ومحاربة التخلف والفساد. إلى ذلك دعا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية عمرو موسى، خلال زيارته مدينة المنصورة في إطار جولاته الانتخابية، إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وعدم تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وقال إنه يؤيد إجراء انتخابات الرئاسة أولاً ويؤيد النظام الرئاسي، ولفت إلى أن التعتيم على اللقاءات بين المرشحين السبعة للرئاسة «واجب»، لأن الأمور محل دراسة ومشاورة، مشيراً إلى أن «المشاورات تدور حول وجوب أن تأتي الانتخابات الرئاسية مبكراً، كي نستطيع الانطلاق لبناء البلاد وقيام جمهورية مصر الثانية». وأكد موسى أنه لن يرأس حزباً سياسياً إذا نجح في الانتخابات، مشيراً إلى أن الرئيس المقبل سينجح بفارق بسيط عن منافسيه. وقال إن «مصر دولة إسلامية ستحكمها الشريعة الإسلامية وفقاً للمادة الثانية من الدستور، وإذا أصبحت رئيساً سأُبقي على المادة الثانية».