لا تزال فكرة البحث العلمي في سورية بعيدة عن آفاق ادارات المعامل والشركات الصناعية العامة والخاصة، فالجهود مبعثرة والامكانات محدودة والنتائج متواضعة. وتشير الارقام الرسمية الى ان ما يرصد للبحث العلمي في سورية لا يتجاوز ال 0.2 في المئة من الناتج المحلي في حين تخصص الدول المتقدمة ما لا يقل عن 2.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبحث العلمي. وتتوزع موازنة البحث العلمي الضئيلة على 30 جهة في سورية يغيب عنها التنسيق بشكل كامل. ولا يتجاوز عدد الباحثين 300 لكل مليون شخص، علماً ان المعدل الادنى المطلوب عالمياً هو 1500 باحث لكل مليون، وهو في الدول الصناعية يصل الى ثلاثة آلاف باحث. وقال أحد الباحثين ان السمة البارزة للبحث العلمي في بلادنا هي "التعثر وتشتيت الجهود والامكانات. وعلى رغم النتائج الجيدة التي حصل عليها بعض الجهات نتيجة لتطبيق البحوث العلمية، فإن اصحاب القرار لا يدركون بالقدر الكافي اهمية البحث والباحث ولا يهتمون بتشجيع البحث العلمي بمجمله". ومن الاسباب عدم كفاية ما يخصص للراغبين في بذل الجهود في مجال البحث. ويقول احد العاملين في هذا المجال ان "المعاناة المادية للباحثين تحول دون قدرتهم على متابعة دراساتهم واعمالهم لطلباتهم في المساعدة والتمويل بحجة عدم وجود رصيد لهذه الغاية، ما يضطرهم الى التخلي عن بعض البحوث أو عدم استكمالها، اضافة الى نقص التجهيزات العلمية والتقنية ونقص الفنيين والمتخصصين". لذلك فإنه يتحول في اغلب الاحيان الى نشاط فردي ورغبة ذاتية يستفيد منها صاحبها او جهات خارجية. وتعتبر وزارة الزراعة من اشد المهتمين بتطبيق البحوث العلمية الزراعية ذلك ان للبحث العلمي اهمية خاصة عند الحديث عن التنمية الزراعية في سورية، فالقطاع الزراعي يشكل مصدراً اساسياً للدخل القومي حيث يساهم ب 30 في المئة منه، ويعمل في هذا القطاع 50 في المئة من مجمل السكان. وتعمل وزارة الزراعة على الافادة من تطبيقات الابحاث العلمية الزراعية لرفع وتائر الانتاج الزراعي وتوسيع رقعة المساحة الزراعية وزيادة كميات الانتاج في وحدة المساحة. يذكر أن دراسة أجرتها مديرية البحوث العلمية الزراعية بينت ان حوالى 80 في المئة من مزارعي القمح المروي يحصلون على انتاجية أعلى من اربعة اطنان في الهكتار نتيجة استنباط اصناف عالية الغلة من القمح، ساهمت في رفع مردودية وحدة المساحة في الزراعتين المروية والبعلية. ويعمل في مجال البحث العلمي في وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي 1376 عاملا منهم 47 دكتوراً و 17 حامل ديبلوم و 274 مهندسا زراعيا وستة اطباء بيطريين و 76 عاملا يحمل شهادة معهد متوسط وثانويات زراعية. وانفق في العام 1991 نحو 78.3 مليون ليرة سورية على البحث العلمي الزراعي في مختلف انواعه. وارتفع هذا الرقم خلال عام 1996 الى 372.2 مليون ليرة سورية اذ بلغ نصيب البحوث العلمية الزراعية وحدها 197 مليوناً. وبلغت مخصصات البحث العلمي في وزارة التعليم العالي خلال السنوات الخمس الماضية 950 مليون ليرة سورية. وقال احد الباحثين ان وزارة التعليم العالي ساهمت في "بناء البنية التحتية للبحث العلمي وتمويل البحوث العلمية"، غير انه لا يزال امامها الكثير لرفع سوية الابحاث. وقال الباحث ان تحقيق التنسيق بين الجامعات والوزارات واعطاء وفرة مالية للباحثين وايجاد السبل للحفاظ على العلماء والحد من هجرتهم "يجب ان تكون من أولويات الوزارة". وتشير الاحصاءات الى ان 40 في المئة من المقالات العلمية التي نشرها باحثون عرب في مجلات اجنبية صادرة عن باحثين يعملون في البلدان العربية، وان 60 في المئة منها هي من اعداد باحثين يعملون في الولاياتالمتحدة وأوروبا.