افتتح اول مصنع للأدوية في الأردن في عام 1962 ليكون لبنة أولى على طريق طويل لكنه مزدهر هو طريق الصناعة الدوائية الأردنية. وليس أدل على ذلك من وجود 17 مصنعاً للأدوية والمستلزمات الطبية في المملكة، ودخول المنتجات الدوائية الأردنية عدداً غير قليل من الاسواق العربية الأوروبية، اضافة الى الاميركية التي تضع معايير متشددة على الأدوية المستوردة الى اسواقها. وعلى رغم ذلك تم تصدير اول شحنة من الادوية الاردنية الى الولاياتالمتحدة عام 1993. لكن التغيرات الدولية بداية العقد الجاري اتت معها بتحديات كبيرة للصناعة الدوائية التي يعتبرها الأردن احدى مفاخره. وللوقوف على واقع الصناعة الدوائية في الأردن، وعلى التحديات التي تواجه تلك الصناعة ومستقبلها توجهنا بعدد من الاسئلة الى الأمين العام للاتحاد الأردني لمنتجي الأدوية والمستلومات الطبية السيد ماهر مطالقة. وفي ما يأتي نص الحديث: كيف تقومون وضع الصناعة الدوائية في الاردن؟ - الصناعة الدوائية من الصناعات الرائدة في الاردن، لا سيما وأن صادراتها للعام الماضي زادت على 167 مليون دولار، إضافة إلى كونها الصناعة التصديرية الثانية في البلاد، بعد الفوسفات، ووصلت إلى أكثر من 35 سوق عربية وأوروبية، إضافة إلى السوق الاميركية. وفي صورة عامة، تزيد قيمة الاستثمار الفعلي في الصناعة الدوائية على 400 مليون دولار . وكان اول مصنع أنشئ في عام 1962، تلته ثلاثة مصانع في السبعينات ومصنعان في الثمانينات. وفي التسعينات تم إنشاء أحد عشر مصنعاً ليصبح عدد مصانع الادوية في المملكة مجتمعة 17 مصنعاً، أربعة منها ستبدأ الانتاج في الربع الثاني من عام 1999. وتوظف الصناعة الدوائية أكثر من 3500 موظف في صورة مباشرة، كما تغطي أكثر من 35 في المئة من حاجة السوق المحلية لجهة القيمة وأكثر من 50 في المئة بعدد القطع. وإضافة إلى ذلك، ساهمت صناعة الدواء في إيجاد صناعات موازية مثل التعبئة والتغليف والبلاستيك والمواد الخام، بهدف تزويد المواطن الأردني والعربي بدواء جيد، سعره مناسب. ما هي أهم التحديات التي تواجهها الصناعة الدوائية الاردنية؟ - أهم تلك التحديات الالتزام بالاتفاقات الدولية مثل إتفاقية الشراكة الاوروبية - الاردنية، ونصوص منظمة التجارة الدولية لا سيما وهي تنص على الالتزام بحقوق الملكية الفكرية وتعطي مهلة تعتبر فترة انتقالية لمدة عشر سنوات إبتداءً من بداية كانون الثاني يناير من عام 1995. ولا شك ان الشركات الاردنية استفادت في السابق من المرونة في القانون الاردني لجهة حماية طرق الانتاج وليس المنتج النهائي، ما يمكِّن شركات الادوية تغيير طرق الانتاج وتصنيع أدوية جديدة. ولكن عند دخول الاتفاقات الدولية حيز التنفيذ، لن يصبح بمقدور شركات الدواء الاردنية إنتاج الادوية الجديدة لان قانون براءات الاختراع يلزم احترام تلك البراءات بعدم انتاج ما تم اختراعه مسبقاً من الدواء، من دون موافقة مسبقة تمنحها الجهة المالكة للبراءة، لان انتاج الادوية الجديدة سيشكل في تلك الحال انتهاكاً لاتفاقية "تريبس". وجدير بالذكر ان معظم القوانين في الدول النامية لجهة الصناعة الدوائية، يحمي طريقة التصنيع وليس المنتج النهائي، مثلما هو الوضع حالياً في الدول العربية ودول جنوب شرق آسيا. وحتى بعض دول أوروبا الغربية مثل سويسرا وايطاليا واسبانيا، ظلت قوانينها تحمي طرق التصنيع الوطنية حتى نهاية السبعينات، عندما أعادت تأسيس صناعاتها جيداً، فغيرت قوانينها لتلتزم بحماية كل من الطريقة والمنتج النهائي. وبالنسبة إلى الوضع القائم حاليا لجهة مفاوضات انضمام الاردن الى منظمة التجارة الدولية، فهو ان الجانب الاميركي يقوم حاليا بالضغط على الاردن لتقليص الفترة الانتقالية لتطبيق بنودها. لكن الفترة الانتقالية مهمة بالنسبة للاردن من اجل تكييف وتوفيق وضع الصناعة الدوائية فيه حتى يتسنى للصناعة دخول الاسواق الدولية. اثيرت في الفترة الاخيرة أقاويل عن مستوى الصناعة الدوائية في الأردن لجهة مطابقتها للمواصفات الدولية. ما مدى صحة ذلك؟ - ان الصناعة الدوائية الأردنية استطاعت منافسة الشركات الدوائية العالمية نتيجة ممارسة هذه الصناعة رقابة نوعية ذاتية على منتجاتها قبل وبعد التصنيع ومطابقتها للأسس والمواصفات الدولية مع الأخذ في الاعتبار ان السوق الدوائية في معظم انحاء العالم العربي هي سوق تنافسية مفتوحة. وهذه الصناعة تلتزم بمبادئ التصنيع الجيد GMP وحصل الكثير من الشركات على شهادة ISO9001 كما حصل بعضها على موافقة هيئة الاغذية والأدوية الاميركية FDA على تصدير بعض المستحضرات الى الولاياتالمتحدة. وإن عملية الدرس والتطوير لأي مستحضر دوائي تشمل مراحل عدة منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 - البحث عن مصدر معتمد للمادة الخام الفعّالة. 2 - دراسة التداخلات بين المواد الفعّالة والمواد الاخرى المضافة. 3 - دراسة ثبات المستحضر الدوائي في عبوته التسويقية للتأكد من مدى صلاحيته. 4 - دراسة التوافر والتكافؤ الحيوي للمستحضر الدوائي في المتطوعين الاصحاء حسب بروتوكول طبي معتمد. 5 - دراسات علمية اساسية وتطبيقية في الجامعات ومراكز البحوث. 6 - ممارسة رقابة نوعية على المواد الأولية والعملية التصنيعية والمنتج النهائي. 7 - تسويق المستحضر الدوائي باسم تجاري خاص بالشركة نفسها. منذ اكثر من خمس سنوات صدّر الأردن اول شحنة دوائية الى الولاياتالمتحدة وعلى رغم ذلك وُضع الانتاج الدوائي الأردني على "قائمة المتابعة" الاميركية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية. كيف تفسرون ذلك؟ - تدرج الحكومة الاميركية حقوق الملكية الفكرية في تعاملها التجاري مع دول العالم الاخرى تحت بند "301" وتصنف الدول حسب المخالفات لحقوق الملكية الفكرية ومن وجهة نظرها، وتدرجها على قائمة المراقبة Watch List او المراقبة القصوى Priority Watch List، ولا أبالغ ان معظم دول العالم مدرجة على تلك القوائم. يشاع ان الصناعة الدوائية الأردنية ستكون على رأس المتضررين من انضمام الأردن المتوقع الى منظمة التجارة الدولية، ماذا اعددتم لتلافي الاضرار المحتملة؟ - يجب علينا ايجاد اسواق جديدة لتصدير الأدوية الجنيسة Generics اي الأدوية التي سقطت عنها براءات الاختراع ونفكر جدياً بالتصدير الى الاتحاد الأوروبي لا سيما وبعض الشركات الأردنية استطاعت ان تسجل بعض مستحضراتها في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي. وباشرنا بمشروع متكامل بالتعاون مع حكومة السويد لتأهيل الصناعة الدوائية في الأردن لدخول الاسواق العالمية لجهة تدريب الكوادر ومطابقة المواصفات والمقاييس خصوصاً وانه يتوقع لقيمة سوق الأدوية الجنيسة في دول الاتحاد ان تصل الى 12 بليون دولار سنة 2000. والخطوة المهمة هي ايجاد الشريك الاستراتيجي المناسب من الشركات متعددة الجنسية لمنح تراخيص امتياز للشركات الأردنية بهدف التصدير. كما ان البحث قائم لايجاد شركاء استراتيجيين للتصنيع في مصانع الشركات الأردنية وفق ما يسمى بالانتاج التعاقدي Contract Manufacturing. واضافة الى ذلك فإن من المهم للصناعات الدوائية الأردنية ان تبدأ عملية البحث والتطوير، أسوة بالشركات متعددة الجنسية MNCS. في العامين الاخيرين زاد عدد شركات انتاج الادوية في المملكة الى 17 شركة. هل تعتقدون ان السوق الأردنية تحتمل مثل هذا العدد من الشركات؟ - الصناعة الدوائية في الأردن هي صناعة تصديرية في الدرجة الأولى اي ان 75 في المئة من الانتاج موجه للتصدير، وآمل ان يصبح هناك تعاون وتكامل بين الشركات في انتاج المستحضرات الصيدلانية. كيف تنظرون الى مستقبل الصناعة الدوائية في الأردن؟ - قطعت الصناعة الدوائية الأردنية شوطاً كبيراً وتمتلك البنية التحتية اللازمة والكافية ليبنى عليها الكثير. ويجب توظيف القدرة العلمية المكتسبة والممكنة كي تنتظم ضمن الصناعة الدوائية العالمية ويكون ذلك بمنح التراخيص بامتياز والانتاج التعاقدي. كما يجب على الشركات الدوائية الأردنية ان توفق اوضاعها بأسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات ومتطلبات المرحلة المقبلة.