ترى، أي بعوضة "عقصت" ايران، في ذلك الحين، حتى جعلتها تقف تلك المواقف التي انطبعت ان لم يكن بعداء، فعلى الأقل بانتقاد شديد اللهجة تجاه الاميركيين والانكليز؟ خلال العام 1966، ومنذ وصول أمير عباس هويدا الى سدة الحكم كرئيس للحكومة في طهران، بدا اضحاً ان ثمة لهجة جديدة ليس من شأنها ان تروق للغربيين كثيراً، او بالتحديد، للبريطانيين وللأميركيين. هذه اللهجة الجديدة التي وصلت الى ذروتها يوم 21 تشرين الثاني نوفمبر 1966، عبر عنها هويدا، حين قال في ذلك اليوم مخاطباً حلفاء ايران السابقين: "ان ايران باتت في غيظ ازاء موقف شركائنا الغربيين، الذين شاركوا في التوقيع على ميثاق حلف المعاهدة المركزية سنتو". وكان من الواضح ان "الشركاء الغربيين" الذين يعنيهم هويدا، هم الاميركيون والانكليز، الذين بدوا شديدي التردد في مد الجيش الايراني بما يحتاج اليه من سلاح. وكان من الواضح ان اموراً كثيرة اغاظت الاميركيين - والانكليز بالتالي، أبرزها التصريح الذي ادلى به شاه ايران قبل ذلك بشهر وقال فيه ان "حرب فيتنام يجب ان تتوقف، لأنها تضع العالم وسلام العالم في موضع الخطر". اما هويدا الصورة فانه بعد تصريحه الشهير ذاك، راح يروي لمن يحب ان يصغي اليه، كيف انه "نقع" وزيراً بريطانياً عند باب بيته اكثر من ساعة قبل ان يستقبله. كان هويدا حل في الحكم عند نهاية شهر كانون الثاني يناير من العام السابق، اثر اغتيال رئيس الحكومة حسن علي منصور. وخلال العامين التاليين، حدثت في ايران ومن حولها مجموعة من التطورات، ربما كان اهمها وصول التعاون بين ايران وفرنسا شارل ديغول الى ذروة لم يكن وصلها من قبل. وديغول هو من هو بالنسبة الى الاميركيين في ذلك الحين. فاذا اضفنا الى ذلك، التقارب المفاجئ بين طهرانوموسكو، يصبح في امكاننا ان نفهم اكثر وأكثر غضب الاميركيين والانكليز. والحال ان ذلك التقارب المزدوج من باريس من ناحية، ومن موسكو من ناحية اخرى كان مفاجئاً، خصوصاً ان اغتيال منصور كان تم على يد عضو في حزب "فدائيي الاسلام" استجاب لدعوة الامام الخميني في ذلك الحين للثأر من "استسلام منصور امام الاميركيين الذين راحوا يتفننون في فرض الشروط على ايران مقابل تسليفها بضعة ملايين من الدولارات". المهم ان تعاون طهران مع موسكو تجسد في انشاء مصنع للفولاذ مشاركة مع السوفيات، ولمناسبة الحديث عنه ادلى الشاه بتصريح، يومها، لصحيفة "نيويورك تايمز" شن فيه حملة عنيفة على الولاياتالمتحدة دون ان يسميها، ثم بدأ يخطط لصفة غاز طبيعي ضخمة مع الاتحاد السوفياتي. اما تعاون طهران مع باريس، فقد تجسد في عقد بترول ضخم تم توقيعه في طهران عند بداية شهر آب اغسطس 1966، ويسمح لمؤسسة النفط الفرنسية بأن تنقب عن النفط، واضعة امكانياتها ومعرفتها في خدمة شركة النفط الايرانية. هذا كله كان لا بد له ان يثير انفعالات واشنطنولندن. وكان لا بد له ان يحسب في نظرتهما، ضد هويدا، الذي اعتبر مسؤولاً عما يحدث. وبدأ صراع خفي بينهما وبين طهران، صراع جعل هذه الاخيرة ترى ان العاصمتين الغربيتين تحركان ضدها العديد من العناصر الداخلية والخارجية، بما في ذلك الحدود العراقية! وكان هذا اعجب ما في الأمر، إذ ان طهران راحت تتحدث عن استفزازات تجرى على حدودها مع العراق، وكان ان وضعت قواتها هناك في حالة التأهب القصوى طالبة منها ان ترد على اي استفزاز من اي نوع كان، ولا سيما اذا كان الاستفزاز آتياً من لدن الأكراد. المهم، انتهى ذلك العام بانتصار ايراني كبير، اذ تمكنت حكومة طهران اخيراً من اجبار "الكونسورتيوم" البترولي المتحكم في نفطها، على قبول شروطها، فنالت حصصاً اكبر، وهو امر اضافي لن تغفره لندن لهويدا، بعد ذلك ابداً.