العارفون بالروابط المعقودة بين الجوائز الادبية في فرنسا بصفتها شأناً إعلانياً ودعائياً، وسياسات النشر وتزاحم الدور على المكانة والمردودية والارجحية، سيقولون "جائزة غونكور" الادبية ذهبت هذا العام الى دار نشر "غاليمار" والى رواية نسوية بامتياز. ويمكننا ان نترجم عنوان الرواية الفائزة بعبارة "بوح متبادل" أو "بوح مقابل بوح"، أو ايضاً "بوح لبوح". وهي لكاتبة شارفت الخمسين من عمرها واسمها بول كونستان كادت ان تحصل على "جائزة غونكور" عام 1994 التي ذهبت الى كاتب فرنسي آخر بسبب فارق ضئيل في الاصوات. الرواية الفائزة هذا العام تحمل صفة "النسوية"، لا في المعنى الذي ترمي اليه العبارات السائرة، المتحدثة عن أدب نسائي يردّ على شواغل وأساليب ومقاربات تخصّ النساء، بل في المعنى الذي يميل الى أدبيات الاحتجاج والانتفاض في الحركات والهيئات والكتابات النسوية. فالمحور الذي تنتظم وتتوالد حوله فصول رواية "بوح متبادل" في صورة مقاطع متلاحقة لا يتجاوز كل واحد منها بضع صفحات، هو نوع من جردة حساب عن حياة بكاملها. وهي جردة تدور على مسارات وخيبات وإخفاقات وتطلعات لاربع نساء اجتمعن في منزل احداهن غداة مؤتمر نسوي عقد في منطقة "ميدل واي" الواقعة في ولاية كنساس الاميركية، وفي اطار أنشطة هيئة الدراسات النسوية. المرأة الأولى، وهي التي استضافت الأخريات في الجامعة ومن ثم في منزلها في "ميدل واي"، اسمها غلوريا باتر، وهي امرأة سوداء منفصلة عن زوجها الذي أنجبت منه أبنة اسمها كريستال. وكافحت غلوريا طويلاً من أجل تحقيق ذاتها واصبحت مسؤولة عن قسم دراسي في الجامعة وناشطة في هيئة الدراسات النسوية. ومعظم معاناة هذه المرأة يعود، في طبيعة الحال، الى التمييز العنصري الذي يطاول الملونين السود في أميركا وغيرها، المرأة الثانية اسمها أورور أمير واذا شئنا ترجمة هذا الاسم المنتقى بعناية واضحة نحصل على عبارة "الفجر المرّ"، وهي كاتبة فرنسية عاشت قسماً من طفولتها في افريقيا السوداء، وهناك، تحديداً في الكاميرون، فقدت أهلها اثر حريق اندلع في منزل العائلة فيما نجت أورور بأعجوبة وهي بعد طفلة صغيرة، وإذ كانت منذ حداثة سنها شديدة التعلق بالحيوانات، خصوصاً القرود، فانها ستواصل لاحقاً شغفها بالحيوانات، حتى بعد عودتها الى فرنسا وإقامتها مع عمتها ميمي التي دفعتها الى الزواج مع موظف في وزارة الخارجية الفرنسية وهو زواج لم يدم طويلاً على ما يبدو. المرأة الثالثة اسمها لولا دول والاسم هذا يذكرنا بعنوان - اسم فيلم شهير للمخرج إيليا كازان "بيبي دول" وهي نروجية الاصل عملت في التمثيل ذي الطابع الجريء والفضائحي. معاناة لولا دول تدور في شكل أساسي على هذا النوع من الهلع والانكسار الذي يصيب نجوم السينما لدى اقتراب الشيخوخة، أو اللواتي يحسبن انهن كن نجمات وفاتنات سينخر الزمن البيولوجي آمالهن في إدامة فتنتهن وتألق أجسادهن. المرأة الرابعة اسمها بابيت كوهين وهي يهودية جزائرية الاصل كانت تنتسب مع عائلتها، ايام الاستعمار الفرنسي للجزائر، الى تلك الفئة المتهمة بالتعاون والتواطؤ مع الفرنسيين والمعروفة باسم "الأقدام السود" وقد نزحت مع عائلتها، كما فعل كثيرون غيرها الى فرنسا عقب استقلال الجزائر عام 1962. على ان العائلة اليهودية التي ستستقر في مدينة بوردو الفرنسية، ظلّت تتمسّك بتقاليد وثيقة الصلة بثقافة ذكورية فاعلة وراسخة في بلد المنشأ، أي الجزائر، وهذا ما سيجعل الفتاة تعاني وتقاسي عذاباً ومرارة مزدوجين. اذ راح اشقاؤها الذكور يراقبون حركاتها وسكناتها خوفاً من "فلتان" أختهم وخروجها عن روابط الاسرة المحافظة، ولم يتورع الاشقاء عن ضربها لدى اشتباههم بعدم ذهابها الى المدرسة وارتيادها أمكنة تحمل على الانحلال الاخلاقي، والجنسي، على ما يحسبون ويظنون. في اثناء ذلك كانت الفتاة آخذة في اكتشاف أمر آخر يطاول هويتها السابقة، هي والفئة التي تنتمي اليها، وهذا الاكتشاف سيتحول معاناة اخرى. فالراوية أو الراوي التي تتحدث في معظم صفحات الرواية في صيغة الغائب، تخبرنا في الربع الاخير من الرواية بقوام الاكتشاف المذكور الذي جعل الفتاة تعيد النظر في تمثيلات هويتها وحياتها السابقتين. فلدى وصول العائلة اليهودية الجزائرية عام 1962 الى مدينة بوردو، تكتشف الفتاة بابيت هي وافراد اسرتها انهم لم يكونوا فرنسيين، في المعنى الحقيقي للكلمة، وانهم كانوا اي في الجزائر قبل استقلالها، ينشدون الانتماء الى بلد ما كانوا يعرفونه الا من خلال صور شعائرية، "بلد بالازرق والابيض والاحمر ألوان العلم الفرنسي وهو لم يكن يشبه البلد الذي نزلوا فيه". اكتشفت الفتاة "بعد فوات الأوان ان بين ذويها والعرب كانت تنتصب، كما لو انها جدران للكبرياء والغرور، صور عن تاريخ لم يكن موجوداً. وكان من الاجدى لهم، كما باتت الفتاة تفكّر الآن، ان يجمعوا حول واقع جغرافي أكثر بداهة ومحسوسية، وهو واقع كان يعلن عن هويته من خلال المعاني كلها. كان ينبغي فقط ان يفتح المرء عينيه، وخياشيم أنفه، وان يتنشق ريح الرمل وهي تجفف البشرة، أو على العكس ان يتنشق هذا البرد الرطب للشتاء المتوسطي نسبة الى البحر الابيض المتوسط الذي كان يتواصل طويلاً والذي كان يلفّ المرء، إذ يضع قدميه المجلّدتين فوق بلاطات الرخام المربعة لأرضية المطبخ والملوّنة بالاخضر والابيض". وإذ تكتشف بابيت كوهين وتكابد كل هذا، فانها ستهاجر الى الولاياتالمتحدة بعد نجاحها في الحصول على منحة دراسية، وهناك تصبح استاذة جامعية. رواية "بوح متبادل" الفائزة بجائزة غونكور، يمكن اعتبارها رواية ناعمة وعادية. وهي في الحقيقة رواية شخصيات في صورة تكاد تكون حصرية، وهذا ما دفعنا الى استعراض النماذج النسائية الاربعة التي يدور النص عليها، صحيح اننا نجد حوارات وشخصيات وأمكنة ثانوية تدخل في حبكة النص على سبيل الاستطراد أو التذكر، لكن هذه كلها تبقى مشدودة الى محور برأسه جعل الرواية تتحدث في صيغة الغائب، اي انها تتناول عن مسافة حكايات وخيبات لنساء اجتمعن في جلسة شبه مغلقة كي يبحن بعضهن لبعض بأشياء ووجوه بارزة من سيرة كل واحدة منهن. مع ذلك فاننا نشتبه بوجود مقدار من التماهي بين الكاتبة بول كونستان وشخصية الكاتبة أورور أمير، وهي شخصية تحظى بنصيب كبير، وان لم يكن ذلك مقتصراً عليها، من الرواية. انها رواية شخصيات، إذ ان جهد الكاتبة ينصب على التقديم الحميم وشبه المسرحي، وعلى التنقل من صورة امرأة الى صورة امرأة اخرى كما تفعل العدسة السينمائية الساعية الى تقديم بصري للوجوه واللحظات والاشياء. الى ذلك، تفرد بول كونستان مساحة كبيرة للغوص في كيان كل امرأة، بما في ذلك روايتها العائلية وطفولتها وصباها. لكن ثمة وجهاً مشتركاً يجمع بين هؤلاء النساء القادمات من أمكنة وأزمنة وتواريخ مختلفة، يتصل في الدرجة الاولى بهويتهن الجنسية النسوية، أو "الجندرية" بحسب مصطلح أنكليزي شائع خصوصاً في الحركات والادبيات النسوية. على ان الكاتبة كونستان لا تستسلم للغواية والاهواء في هوية نسوية نمطية تختزل سائر الدلالات الاخرى والمتنوعة لحياة كائناتها البشرية ووجودها، بل هي تحاول ان تلتقط بلغة سردية ذات طابع بوحي واعترافي، الوجوه والعناصر التاريخية - النفسية التي من شأنها ان تسم حياة امرأة في الحد الاقصى من ادراكها ووعيها لذاتها، أي ان صفة النسوية التي يحسب لها احتضان هوية النساء وتعيين ماهية صنف من البشر وجوهريته، تنزع في عرف الكاتبة كونستان الى تعهد سائر الوجوه الاخرى التي لا يقتصر فعلها على النساء. فغلوريا باتر مثلاً تعتبر ان هويتها الحقيقية والاصلية هي أفريقيا لا أميركا، وان رحلة وصولها الى الولاياتالمتحدة إنما هي النسخة المفردنة والمشخصنة لرواية العذاب والاقتلاع اللذين طاولا الملونين السود الافارقة المنبت لاستعبادهم في القارات البيض، خصوصاً في أميركا. النساء الأخريات هن كذلك مسكونات بصبوة التعرف الى حقيقة كيانهن من دون الاكتفاء بهوية "جندرية" نسوية تقطع أواصرها مع وجوه تاريخ مشترك مع آخرين كثيرين، وهذه الصبوة هي ما تسعى الكتابة الى التعبير عنه واختياره في عصر يبدو سلطان الهويات الجاهزة غير مبال بدقائق الامور وتمزقات الافراد وطرائقهم في تأكيد سمات مختلفة حتى داخل الهويات الاجمالية. مقطع من الرواية: الكتابة والألم منهارة، منهكة، معطوبة، جريح، متبشّعة، متدهورة، حول هذه الكلمات كانت الكاتبة الفرنسية أورور تتردد في اختيار الكلمة المناسبة لتشخيص الحالة التي أوصلتها إليها الكتابة. كانت تتسبّب بردّ فعل قائم على النبذ المباشر لدى الكتّاب المستقرّين في حالة من الفرح بالكتابة إذ كانت هذه الحالة تدور حول كلمات المتعة، السلطان، السعادة، اللذة، وتتسبّب بموقف قائم على الشفقة لدى أولئك الذين كانوا يفسّرون التعاسة العميقة للكتابة بأنها ليست سوى ما يتولّد عن شقاء الحياة. كانت تستجلب علاجاً لألم أوّلي وتكويني وكانت على الأقل تتمتع بجدارة إجلاء هذا الألم عن طريق نقله وإزاحته. كانت أورور حساسة للغاية حيال الألم، فلدى الإصابة بأي جرح طفيف، أو نزع ضمادة لاصقة، أو وضع كحول على خدش، أو لدى غرز حقنة، كانت تبكي. وسرعان ما راحت تأخذ احتياطاتها، إذ تختلس الأقراص التي لا يعطونها إياها، وتصاب بالذعر ما إن يدنو منها طبيب وهو يحمل آلة طبية ويعلن لها أنها ستمضي لحظة صعبة وقصيرة. ما عادت تذهب للمعاينة الطبية، وكانت تتدبّر أمورها بواسطة علبة للأحذية ملأتها بالمسكّنات إلا أنها بقيت جوهرياً عزلاء حيال الألم الذي كان قد تغلغل وانكمش في صورة صداعات لا شيء يقوى على علاجها ربما في ذلك وعلى وجه التخصيص أحدث العقاقير الطبية المحسوبة بمثابة معجزة. كانت أسيرة هذا الوخز العميق الذي يخترق الصدغ، ويدوّخ العين، ويصيب الجمجمة إلى حد الغثيان. ممدّدة وسط الظلمة ومعها قفاز تواليت يقطر ماء ويبلّل الوسادة، كانت فريسة لعذاب قوي كان يمحو العالم ويتطلب الحضور الكلي لجسدها وخصوصاً لرأسها. وعندما كانت غير قادرة على الإحتمال، كانت تلتهم كل ما هو موجود في علبة الأحذية، كل ما كان ممنوعاً، وكل ما كان خطراً. الصداع، مثل الكتابة، كان يستثير النبذ لدى أولئك الذين لم يعرفوا صعوبة الحياة، والتفهّم لدى أولئك الذين كانوا يعرفون ذلك، إلا أنهم كانوا يعتقدون أن في الأمر عارضاً نفسياً - جسدياً وأن النوبات التي ينبغي مكابدتها من وقت إلى اخر ليست في النهاية سوى انحلال عقدة أزمة أخلاقية معنوية أشد إيلاماً. - لكنك لا تفحصني. قالت لطبيب الأعصاب الذي كان يستمع إليها وهو جالس خلف مكتبه. ألا تريد أن ترى ما يوجد في رأسي؟ - أنت مصداعة معرّضة للصداع نموذجية، أجابها، ليس هناك ما يجدر معاينته. الأدوية، المهدّئات، المسكّنات، تعرفينها كلها. وأنتِ تعلمين كما أعلم أن ليس هناك علاج حقيقي. لا تشربي كحولاً، لا تدخّني، نامي باكراً، تجنّبي الإنفعالات. كانت كاتبة ينبغي لها تجنّب الإنفعالات. لم تكن تكتب إلا بعد تناول المهدّئات وكانت تتناولها ثانية كي تخرج من كتابها، كي لا تفكّر فيه، كي تتفادى سطوة الكتابة، هذا الإجترار اللامتناهي للكتاب الذي لا يتوقف عن تدوين نفسه داخل الرأس، سطوة الكتاب الذي يُعمي، الذي يخنق الباقي كله. حياتها وإن كانت متقطعة جداً، وهاربة جداً، كانت مع ذلك حاملة إنفعالات عنيفة. مثل الألم، مثل الصداع، كانت هذه الإنفعالات صدى لانفعال أوّلي قوي جداً من ذي قبل بحيث أن مجرد القيام بالكتابة، أي بإلقائه خارج الذات، يعدّ مشادة حميمة يجهلها القارئ - لم يكن كافياً لإطفاء جذوته. لم تكن أورور مشهورة بما فيه الكفاية، ولا غير معروفة كي تتعرّض لنوبات العنف الأخيرة التي تقتل الكتّاب المكتئبين لعدم النجاح أو، وهذا أمر نادر الحصول، في سباق من أجل مجد ضائع. مرة واحدة ربما، ولأنها كانت على قاب قوسين للحصول على جائزة أدبية، شعرت بهذا الإهتزاز الكبير للمشاعر القوية، مثل الريح التي تهبّ على بحار حديث العهد لا يعرف أين ينبغي وضع الشراع. شراع أورور تراخى في عيادة طبيب بيطري، في بولفار راسباي، وذلك في محاولة لمعالجة الكلب الصغير ... الذي أعطته لها المرأة الجزائرية الأصل ليلى لمواساتها عقب شعورها بالإحباط. ثلاثة أيام وهي تحاول إنقاذه وهي تعيد تضميد الكلب الصغير الذي كان مطلوباً منها أن ترعاه والذي كان ينبح من الألم. ثلاثة أيام، وبالتالي ست مرات، لوضع فمها على فم الكلب الصغير لابتلاع صرخاته. لكي تقسم له بأشياء تدور على الحب، على الوعود بحياة ... إلى أن صدر الحكم النهائي. لم يكن ممكناً شفاء الكلب، غابت عن الوعي، أعطوها قطعة سكر مع قليل من شراب النعناع، وهذا أكثر ما يحتاج إليه المرء في عيادة طبيب بيطري، .... كانت تبذل كل جهدها للإحتفاظ بهذا الوجه المبتسم الذي كان أفضل درع لمواجهة إنفعالات الآخرين التي كانت تصطدم بالدرع وتبدّل وجهتها. كانت اكتسبت بسبب ذلك شهرة باللامبالاة ولم تكن ترغب في تكذيب هذا الصيت. كانت إذاً تتناول الكثير، والكثير جداً من المهدّئات. إذ أن الحياة إنما هي تعاقب إنفعالات ولئن أرادت دفعها كلها، فإنها أخفضت عتبة حساسيتها بمجرد رنين الهاتف، نبرة صوت، وبمجرد أن يكون في هذا الصوت ذاك اللون العصي على الإدراك والذي كان يعاكس إلى هذا الحد أو ذاك ما كانت تسمعه. مجرد ذلك كان يجعلها تضطرب وتتشوّش. كانت نزعت إسمها عن باب بيتها، وفي نظر مصلحة البريد كانت غير موجودة بحسب العنوان الموضوع. عدد قليل جداً من الأشخاص كانوا يعرفون أنه ينبغي قرع الباب باسم زوج ما عادت تلتقيه إلا مصادفة. الأسفار البعيدة كانت تهدئها. كانت تسافر إلى بلاد مجهولة وكانت تجتازها خرساء صمّاء وتتلقى منها من خلال الزجاج إلتماعات كبيرة من الجمال الوحشي أو من التعاسة الخالصة، وهي إلتماعات كانت تتعاقب مثل صور في السينما، كان من الأسهل عليها أن تتنقل في سوق ماناوس المعروفة بخطورتها، من الخروج في شارع السين، علماً أنه حيّ هادئ وآمن. نعم، كان أسهل عليها أن تكون في "ميدل واي"، في ولاية كنساس الأميركية، من أن تكون في باريس. كانت أكثر سعادة وهي في "ميدل واي" منها في باريس. وفي هذه اللحظة راحت تتساءل هل تبقى في "ميدل واي" وفقاً لأمنية صاحبتها السوداء غلوريا؟ وهل تقبل العرض الذي قدّمه إليها المسؤول في حديقة الحيوانات للمشاركة في برنامج عن "لغة لفصيلة قرود الشمبانزي". نعم، ستكون حالها أفضل مع الشمبانزي الخرساء في حديقة الحيوانات في "ميدل واي"، من حالها مع أولئك الناس كلهم الذين كانت تعرف نبرة أصواتهم. وأمام الممثلة الفضائحية لولا دول التي انتهت من ارتداء ثيابها، كانت تتفهم أن مدمني الكحول الذين يظلون أكثر من مدمني المخدرات أكبر المنبوذين في هذا العصر، كانوا أناساً مثلها لكنهم عثروا على علاج أكثر مباشرة، أكثر بساطة، يباع في كل المحال الكبيرة، وهو علاج لألم شبيه بالألم الذي كان تطفئه بواسطة هذه المسكّنات التي كانت تتركها فارغة ومذهولة. - غلوريا قالت لكِ، ردّدت لولا، أنني أعالج نفسي بواسطة الصراخ؟ ينبغي أن نصرخ بمجرد أن نبدأ بالشعور بالتوتر، لكي نفك عقدته قبل أن يستقر. إلتفتت نحو أورور كي تبيّن لها ذلك، بدأت بتجميع أنفاسها، ثم فتحت فمها وأطلقت صرختها بالضبط في وجه أورور. كانت أورور تتذكر هذه التجسيدات لسطوات الشريرة والتي لم تكن في الأفواه المفتوحة سوى صرخات ملفوفة بالشمع. عن الفرنسية :حسن الشام