ميقاتي عقب لقاء لاريجاني: الأولوية لوقف عدوان إسرائيل وتطبيق «1701»    بحضور وزير الخارجية.. اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية تجتمع في باريس لتطوير العلا    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    «خدعة» العملاء!    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    عاد هيرفي رينارد    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    مقياس سميث للحسد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بولوتيكا" الفرعونية ... و"السياسة" عروبية الأصل والمنبع !!
نشر في الحياة يوم 16 - 11 - 1998


من أين جاءت كلمة "السياسة" الى قاموس العربية ؟
حاول الكثيرون أن يتتبعوا معنى كلمة "سياسة" في قواميس لغات عدة... إلا القاموس الفرعوني، الذي استقرت فيه الكلمة، بمعناها الذي نعرفه الآن في قرننا العشرين.
ويقول المقريزي في الخطط ان كلمة "سياسة" هي كلمة "مغلية" أي "مغولية" أصلها "ياسة" فحرّفها أهل مصر، وزادوا بأولها سيناً فقالوا "سياسة"، وأدخلوا عليها الألف واللام، فظن من لا علم عنده انها كلمة عربية "وما الأمر فيها إلا ما قلت لك"!.
ويضيف المقريزي في شرحه لكلمة سياسة، وتبريره لمعناها فيقول: لا واسمع الآن كيف نشأت هذه الكلمة حتى انتشرت في مصر والشام، ان جنكيز خان قرر قواعد وعقوبات أثبتها في كتاب سماه "ياسة"، ومن الناس من يسميه "يسق" والأصل في اسمه "ياسة"، جعله شريعة لقومه فالتزموه كالتزام أوائل المسلمين حكم القرآن. فلما كثرت وقائع التتر في بلاد المشرق والشمال وبلاد القبجاق، وأسروا كثيراً منهم وباعوهم، تنقلوا في الأقطار، واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية، ومنهم من ملك ديار مصر، وأولهم المعز ايبك. وكانوا انما ربوا بدار الإسلام، ولقنوا القرآن، وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد الى الرديء، وفوضوا لقاضي القضاة كل ما تعلق بالأمور الدينية، من الصلاة والصوم والزكاة، والحج، وناطوا به أمر الأوقاف والايقام، وجعلوا اليه النظر في أمر الأقضية القضايا الشرعية، واحتاجوا في ذات أنفسهم الى الرجوع لعادة جنكيز خان، والاقتداء بحكم "الياسة"، فلذلك نصبوا الحاجب ليقضي بينهم، على مقتضى الياسة، وجعلوا اليه، مع ذلك، النظر في قضايا الدواوين "السلطانية"!.
إذاً كانت "الياسة" - كما يقول المقريزي - هي مجموعة القوانين التي كان يحكم بها جنكيز خان، والمماليك، في غير الأمور الشرعية.
وإذا كان المقريزي يعتقد أن "من لا علم عنده" ظن أن كلمة "ياسة" كلمة عربية، بينما هي كلمة "مغلية" أو مغولية - كما ظن المقريزي - فإن الصحيح أنها كلمة عربية، وأن المقريزي هو الذي كان "لا علم عنده" بأنها كذلك... بل لا علم عند الإثنين بأنها كلمة عربية ذات جذور فرعونية...!
لقد احتفظت كلمة "هكسوس". بأصل كلمة "ياسة" كما عرفها المغول، أو "سياسة" كما عرفها المصريون.
وإذا كان المقريزي يعتقد بأن المصريين هم أول من حرّف الكلمة المغولية "ياسة" الى كلمة "السياسة". فإن المصريين لم يفعلوا ذلك على سبيل التحريف - كما أعتقد المقريزي - بل فعلوه على سبيل التصحيح. وان المغول هم الذين حرفوا كلمة "السياسة" المصرية الأصل الى كلمة "ياسة" المغولية.
وعلى أية حال فإن المقريزي يعترف - ضمناً - ان كلمة "سياسة" أو السياسة هي كلمة مصرية، جاءت تحريفاً لكلمة ياسة المغولية، والحقيقة ان كلمة السياسة كلمة عربية تعود بجذورها الى المصرية القديمة، التي يطلق عليها البعض - خطأ - اللغة الهيروغليفية، ولكن الهيروغليفية لم تكن لغة، ولكنها كانت طريقة في التدوين والكتابة. أما اللغة المصرية القديمة، فهي تسمى كذلك فقط "اللغة المصرية القديمة" أو اللغة الفرعونية - تجاوزاً - على أساس أنها كانت اللغة التي يتحدث بها الناس في العصر الفرعوني.
ونعود الى الكلمة - سياسة - فنجدها مستقرة في معنى كلمة "الهكسوس"، وهم أقوام من العرب حكموا مصر في الألف الأولى قبل الميلاد. وأطلق عليهم المؤرخون اسم "الهكسوس" واختلفوا حول معنى الكلمة "هكسوس"، ولكن أغلب المؤرخين يقول بأنها كلمة يونانية منقولة عن كلمة مصرية قديمة فرعونية تعني ملوك الرعاة. أي أن الكلمة تتكون من شقين "هك" وتعني الحكم والسلطان و"سوس" وتعني الرعاة. فيكون معنى كلمة "هكسوس" هو "حكم الرعاة" أو ملوك الرعاة.
وما يهمنا هنا هو الشق الثاني للكلمة، وهو "سوس" الذي يعني الرعاة في نظر معظم المؤرخين الذين تصدوا لتفسير معنى الكلمة، ومنهم "مانيتون" المؤرخ المصري الشهير.
وفي معجم "بدج" للألفاظ الفرعونية. نرى HQ كلمة بمعنى حكم، وجه، قاد، تسلط وتكتب بالهيروغليفية في صورة صولجان الحكم، الذي يشير الى تلك المعاني كلها.
ويكافىء "مارسيل كوهين" كلمة HQ "حق" بالعربية "حق" أو "شرعية" باعتبار ان الحق والحكم والشرعية مترادفات ثلاث لكلمة واحدة في العصور التاريخية القديمة وخصوصاً العصر الفرعوني.
أما كلمة "سوس" فإن مانيتون - وهو مؤرخ مصري قديم - قريب العهد بالعصر الفرعوني - فيقول بأن معناها "راعٍ" أو "رعاة" في اللغة المصرية.
وفي القاموس الفرعوني القديم نجد كلمة "ساسو" أو "شاسو" بمعنى البدو أو الرعاة، وتحولت في اللغة القبطية الى "شوس" بمعنى البدو أو الرعي ويقول "بدج" في معجمه الشهير ان الكلمة تعني في الأصل رحل، وسعى، ومشى، وسافر، وهي بذلك لا تختلف عن المعنى الذي قصده الفراعنة. فالبدو أو الرعاة هم "الرحالة" أو المتنقلون دوماً.
وإذا انتقلنا الى اللغة الأثيوبية الحبشية نجد أن الكلمة فيها تعني المعنى نفسه: "سوس" تعني أسرع في المشي أو هرول، وفي اللغة العبرية وهي سامية بطبيعة الحال نجد كلمة "سيس" تعني الحصان. كما أن "سيس" نفسها تعني الحصان في اللغة الفرعونية أيضاً. ولا زال المصريون وكثير من الناس في البلاد العربية، يطلقون على الحصان الصغير كلمة "سيسي"، وربما كان ذلك لأن الحصان الصغير معروف بسرعة خطواته ورشاقته في العدو والمشي.
كلمة "سوس" إذاً تعني الراعي أو البدوي أو السائر أو المسافر وانتقلت لتعني الحصان الصغير الذي يرعى الكلأ بجوار أمه أو يعدو برشاقة خلفها.
ويقول الدكتور علي فهمي خشيم في كتابه القيّم "آلهة مصر العربية" ان الجذر الثنائي "س.س" أدى في اللغة العربية الى الثلاثي "سوس" ومنه: سياسة الدواب "ساس يسوس" أي القيام عليها. وسياسة الناس، أي ترويضهم أو "تسييرهم" والسياسة هي العمل المكلف به السائس أو "السايس" وجاءت منها كلمة السياسي على النسبة، وهي لم تكن معروفة في القديم.
وقد ورد في "لسان العرب" لابن منظور: "لا يقال: هؤلاء بنو ساسان للسؤال" بمعنى المتسولين. وهم "الرحل" الذين يسألون الناس عطاياهم. وهذا يعود بنا الى كلمة "سوس" المصرية القديمة التي تعني الترحال والسفر وعدم الاستقرار، وهو ما ينطبق على "الرعاة".
وقد يتساءل البعض ما علاقة "سوس" بمعنى الرعاة. والسياسة التي تعني الحكم والإدارة؟
وأقول على الفور: إن المعنى واضح ولا يحتاج منا الى مجهود لإثباته. وبخاصة إذا أشرنا الى كلمة "الراعي" و"الرعية" في قاموسنا العربي التي ترادف تماماً كلمة السياسي أو الحاكم... والمحكومين!
وفي الحديث الشريف: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". فالحاكم هنا هو "الراعي"، و"الرعية" هي الشعب، والراعي أو الحاكم هو الذي "يسوس" الناس أو الرعية، أي يسيرهم وفقاً "لسياسة" البلاد!
هل اتضح المعنى؟ لعله كذلك فعلاً!
لم تكن - إذاً - كلمة "سياسة" أو "ياسة" مغولية - كما ظن المقريزي وهو "لا علم عنده" بأنها مصرية قديمة. وانتقلت الى العربية الحديثة لتعني "رعاية" شؤون الناس بعد أن كانت تعني "رعاية" الدواب والخيول!
وعلى ذكر الدواب والخيول فقد انتقلت الكلمة الفرعونية القديمة الى اللغة الإنكليزية الحديثة، فالقاموس الإنكليزي يعرف كلمة cyce أو cice أو بمعنى "سايس" الخيل أو مروضها وهي كلمة عربية كما نرى ذات جذور فرعونية قديمة.
إذاً لا عجب أن تنتقل الكلمة الى اللغة "المغولية" فيكتب "جنكيز خان" دستوره في الحكم ويسميه "ياسة" تحريفاً للكلمة الفرعونية القديمة "سوس" التي تعني الرعاة والرعي والرعية. وهي الكلمة التي انتقلت حتى وصلت الى بلاد السكسون "انكلترا" لتستقر في قاموسها بالمعنى نفسه الذي كانت تعرف به في اللغة الفرعونية القديمة.
أما كلمة "بولسي" أو Policy التي تعرفها قواميس اللغات الأوروبية الحديثة ومنها اللغة الإنكليزية بطبيعة الحال، فهي أيضاً كلمة عربية مأخوذة من كلمة "بلس" العربية التي تعني "بلد" وقد انتقلت كلمة "بلس" بمعناها ومبناها الى اللغة اليونانية واللاتينية القديمة ومنها انتقلت الى بقية اللغات الأوروبية الأخرى.
وكلمة بلس Polis اليونانية تعني "بلد" أو مدينة ومنها أخذت كلمة Politica بمعنى إدارة شؤون المجتمع أو المدينة "البلدية" ثم اشتقت منها كلمة Politica بإضافة الCa الزائدة للدلالة على "علم" السياسة، وحين ترجم العرب تراث اليونان وجاؤوا الى كتاب "السياسة" لأرسطو: عربوه كما هو فأطلقوا عليه "البوليطيقا" أو "البوليتكا" وهي كلمة عربية ليس فيها من اليونانية غير حرفي الكاف والألف، ولو ترجموها الى "البوليتية" أو "البوليسية" لكانت كلمة عربية مئة في المئة نسبة الى كلمة "بلس" التي تعني بلد أو مدينة فنحن نقول في لغاتنا الحديثة "بلدية" أو "مدينة" نسبة الى البلد أو المدينة، ويمكن أن نضيف اليها أيضاً كلمة "البوليسية" وتعني إدارة شؤون "البلس" كما أن كلمة "مدينة" تعني إدارة شؤون البلد"!
وإذا كان كلمة Police في اللغات الأوروبية - تعني رجال الأمن "البوليس" فإن كثيراً من العرب يأنفون من كتابة الكلمة أو ذكرها ويترجمونها الى كلمة "شرطة" ظناً منهم ان كلمة Police كلمة أوروبية لا يصح أن تجري على ألسنتنا العربية، والحقيقة أنها كلمة عربية المعنى والمبنى، مأخوذة كما قلنا من "بلس" بمعنى بلد أو مدينة ورجال البوليس هم الذين يقومون على حراسة المدينة أو البلد فهم "رجال البلدية" أما كلمة "شرطة" فقد جاءت بسبب تمييز رجال الأمن في المدن والبلاد العربية القديمة بوضع "شريط" أو "أشرطة" من القماش على ملابسهم وهذه التسمية كما نرى لم تعد تناسب مقتضيات الحال في ظروفنا الحالية، حيث نجد كثيراً من رجال الشرطة يتوخون السرية في عملهم، فلا يضعون أو يلبسون ما يميزهم عن غيرهم من الناس، وبذلك لم تعد كلمة "شرطة" تناسبهم، بقدر ما تناسبهم كلمة "بوليس" العربية، وعلى أية حال رأينا كيف أن كلمة "السياسة" كلمة مصرية صميمة، ليس هناك من ينازع المصريين فيها، وقد نقلها عنهم اليونانيون في كلمة "هكسوس" ولكن اليونانيين حين أرادوا أن يعبروا عن إدارة شؤون الرعية والناس لجأوا الى كلمة عربية أخرى هي كلمة "بلس" التي تعني "المدينة" فالسياسة إذاً هي "المدينة" والمصريون هم أهل المدينة... وأهل السياسة... والكياسة أيضاً!
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.