يطرح هذا الموضوع سؤال البترول في علاقته بالمسألة الوطنية من خلال سؤالين محددين: الأول: هل لا زالت منظمة الأوبك قادرة على التصدي لسؤال البترول لصالح المسألة الوطنية في الدول الأعضاء؟ والثاني: ماهو تأثير الإنخفاض الحاد في أسعار النفط على الإستقرار السياسي والإقتصادي والأمني لدول الخليج؟ بعد مضي ربع قرن كامل بلياليه الطويلة ونهاراته القصيرة بأحزانه الفارهة وأفراحه الرثة، بمخاضاته المكتملة ومشاريعه الوطنية المجهضة، على إرتفاع أسعار البترول في أعقاب الحظر البترولي عام 1973. ماذا يملك اليوم مراقب غير متخصص ومواطن عادي مثل غالبيتنا أن يفعل أو يقول وهو يتابع في هذا الصيف الساخن برودة أسعار النفط في الأسواق العالمية، غير أن يعزي النفس عن ذكرى الإنكسارات الماضية القريبة بمخاوف وتحسبات الكوارث المقبلة غير البعيدة، فيتسلى عن الإستسلام لأسوأ الإحتمالات بطرح قليل من الأسئلة قد تبقي على إثارة الأمل في وجه سأم البأس. ليس من هذه الأسئلة بالطبع أي من تلك الأسئلة الشمولية الصعبة والمحرجة والمحبطة مثل سؤال ما الذي فعله الوطن العربي بالنفط منذ إرتفاع سعره وخلال مسيرة ربع قرن من عمر النضال العربي في وجه التخلف والتبعية والإستعمار الإستيطاني في فلسطين؟ وليس من هذه الأسئلة سؤال ماذا فعل بنا النفط بعد النضال المرير على ملكيته ورفع أسعاره، على مستوى تلك الأحلام الحالمة في تحقيق الوحدة العربية السياسية، في التكامل الإقتصادي وفي مطلب الديموقراطية والمساواة الإجتماعية وتحرير كامل التراب العربي… إلخ، أي الى آخر ريشة في تلك الأجنحة المتكسرة التي إنتهت بقبول الحل الإستسلامي تحت المسمى السلمي، وبحصار الشعب العراقي، وبإغراق شعب الجزائر في حمامات الدم، وما اليه من بؤر تصفوية أخرى لآخر رمق في ذلك الحلم. صحيح أن الإجابة عن مثل تلك الأسئلة الكبيرة الصعبة لن تكون كلها سوداوية، فقد أنجز بترول العرب خصوصاً في منطقة الخليج على غيره من المناطق البترولية العربية الأخرى إنجازات نوعية جيدة وبالذات على مستوى احداث بعض التغير الإجتماعي الجذري في خريطة التركيبة الإجتماعية رأسياً بدول الخليج وأفقياً بالوطن العربي، إذ إستطاع البترول في الخليج أن ينهض بالبنى الأساسية لذلك المجتمع ويخلخل تركيبته القبلية نحو بناء مجتمع مدني، تمثل ذلك في الزخم التعليمي الذي طال بناته وأبنائه في جميع طبقاتهم الإجتماعية وخلفياتهم الثقافية المختلفة من البدو والحضر معاً، مفسحاً الطريق لحراك اجتماعي رأسي يتسع فيه هامش نمو الطبقة المتوسطة المتعلمة المستنيرة التي هي عادة عصب التغيير الإجتماعي في المجتمعات الحديثة. وصحيح أن البترول حقق حراكاً اجتماعياً أفقياً على مستوى الوطن العربي تمثل في حركة التنقل بين أجزاء الوطن العربي وإتصاله ببعضه بعضاً. وبغض النظر عن بعض التأثيرات القيمية المحافظة لهذا التواصل إستطاعت حركة تنقل الأيدي العاملة وأصحاب الخبرات العلمية والمهنية أن تفرض حالاً من التبادل الثقافي بين الخليج والبلدان العربية والعكس، لم تكن متاحة ما قبل المرحلة البترولية، اذ ينعكس هذا التبادل الثقافي على مستويات عدة من تقارب اللهجات العربية وتمازجها فيما يشبه لهجة عربية موحدة نصف فصحى أو عامية مفصحة الى مشترك قصيدة النثر وأسئلة الفكر، بما يخفف من حدة تلك الفجوة التاريخية الطويلة بين أجزاء الوطن العربي خصوصاً إبان تقسيمه الإستعماري، كما يسهم في رأب الصدع السياسي الذي يعيث فساداً بين بعض الأنظمة العربية في علاقتها ببعضها، إلا أن ذلك ليس إلا جزئية صغيرة في أحلام الصحو التي لايكفي أن نتباهى بها، ونحن في نهاية القرن والعالم العربي لايزال يواجه كثيراً من تحديات بداية القرن نفسها لكن بضبابية أشد وبرؤية وإرادة أقل. لكل ذلك وأكثر منه، فإننا نتنصل من تلك الأسئلة الكبيرة على مشروعيتها وأهميتها ليس تواطأً أو إنسجاماً مع الفراغ الإيديولوجي السائد اليوم في الوطن العربي، وليس خيانة تامة لأحلام تلك المرحلة الحالمة بقدر ماهو محاولة قد لا تكون موفقة لتوخي قليل من الواقعية، فتلك الأسئلة الكبيرة الشمولية الصعبة من أسئلة مرحلة الستينات والسبعينات نستبعدها بتقصد وعمد لنستعيض عنها بأسئلة أسهل تسمح لنا بالبحث في أنقاض الإنهيار عن دور غير دور الضحية. فما هي هذه الأسئلة التي نحسبها سهلة وما هي بسهلة من أسئلة علاقة النفط بالمسألة الوطنية لمرحلة نهاية التسعينات التي قد يتاح للمواطن العربي المشاركة في تصور إجاباتها؟ تطالعنا التقارير الإخبارية الإقتصادية كل صباح تقريباً بأخبار المراوحة إن لم يكن التردي في أسعار البترول بالأسواق العالمية، وتعزي هذه التقارير ذلك الإنحدار المتسارع في أسعار هذه السلعة الإستراتيجية الى عدة عوامل، يمكن إعتبارها العوامل المعلنة، وليس بالضرورة الحقيقية لهذا الإنخفاض في أسعار النفط، وهذه العوامل كما يجري الإجماع عليها في هذه التقارير تتمثل في العوامل الآتية: - إرتفاع الطاقة الإنتاجية من قبل الدول المنتجة في بحيرة قزوين الى خليج المكسيك، ومن نصف الكرة الأرضية الغربي الى نصفها الشرقي. - تباطؤ الإستهلاك الصناعي لهذه المادة وتراجع الطلب العالمي على النفط على رغم عدم نجاح محاولة الدول الصناعية التي كانت قائمة على قدم وساق منذ إرتفاع أسعار النفط للمرة الاولى في السبعينات في العثور على طاقة بديلة للنفط. - وجود فائض نفطي كبير في مستودعات التخزين للأسواق العالمية يتراوح بين مليوني برميل الى ثلاثة ملايين يومياً. فهل يمكن أن نحمل محمل الجد هذه العوامل التي تبدو عوامل اقتصادية بحتة، على أنها المسببات الوحيدة في التهالك السريع الذي وصلت اليه أسعار النفط مع نهاية التسعينات؟ هل ليس لنا إلا أن ننسى أو نتناسى تلك المقدمات السياسية والعسكرية التي سبقت الوصول الى هذه النتيجة، وهي النتيجة التي كانت على رأس قائمة اجندة الأهداف الغربية بقيادة أميركا طوال ربع القرن الماضي، ومن يوم أن كان وزير خارجيتها هنري كيسنجر يرى الحل لإرتفاع أسعار البترول، إما غزو آبار النفط وفي منطقة الخليج تحديداً غزواً عسكرياً مباشراً أو العمل السياسي المكثف لتحويل سعر النفط الى أرخص من سعر تراب البراكين الخامدة على حد تعبيره، وماذا وقد إستطاعت أميركا أن توظف الأسلوبين معاً؟ ليس التساؤل أعلاه تسليماً بنظرية المؤامرة التي تشيع في عالمنا العربي خصوصاً، كلما ظهرت أزمة إقتصادية أو سياسية أو تم التوصل الى إختراع تقني جديد إبتداءً من الراديو وليس إنتهاءً بالإنترنت، لكن التساؤل ليس اكتفاءً أيضاً بظواهر الأمور التي تريدنا أن نتجاهل قواعد اللعبة السياسية الدولية التي قد لاتروم بالضرورة التآمر على شعب من الشعوب بالذات بقدر ما تحرص على مصلحتها الذاتية للإحتفاظ بتوازن قوى معين في علاقة الشمال بالجنوب وفي علاقة الشرق بالغرب، وفي علاقة الدول الصناعية المستهلكة للنفط بالدول النامية المنتجة لهذه المادة. إنخفض سعر النفط في الأسواق العالمية للسنة الجارية إنخفاضاً بلغ أدنى معدلاته منذ أكثر من عشر سنوات، أيام الأزمة الأولى لإنخفاض الأسعار عام 1986، بل إن هذا التردي في أسعار البترول هو الأسوأ منذ 25 عاماً، أي منذ الطفرة العالمية الأولى في أسعاره منتصف السبعينات. وعلى رغم قرار منظمة أوبك بالخفض المتوالي في إنتاجية الدول المنتمية اليها بناء على إتفاق الرياض في آذار مارس 98، ثم إتفاق أمستردام في حزيران يونيو من السنة نفسها والذي قرر مجمل الخفض المطلوب ب 2.6 مليون برميل يومياً من مجموع دول الأوبك، فإن هذا الإجراء ظل عاجزاً عن إمتصاص فائض المعروض النفطي في الأسواق الدولية، وهذا يترك الباب مفتوحاً لإحتمال قوي بضرورة تبني قرار إجراء خفض نفطي جديد أكبر من سابقيه للدول الأعضاء في منظمة أوبك في اللقاء المقرر عقده في تشرين الثاني نوفمبر المقبل لعام 1998، هذه الجهود الجادة داخل منظمة أوبك هي محاولة مستميتة على مايبدو لوقف الإنهيار في أسعار البترول التي قد يؤدي ازدياد تدهورها الى كارثة وطنية في كثير من الدول المنتجة فيما لو إضطرت هذه الدول لوقف الإنتاج أو للقبول بأسعار بخسة لبترولها، بما قد لايمكنها من تصريف شؤونها الوطنية وخصوصاً في ظل إعتماد بعض تلك الدول من دول العالم الثالث إعتماداً مطلقاً على الريع النفطي في تسيير شؤون الدولة والمجتمع معاً وفي تسيير شؤونها الخارجية أيضاً. يطرح هذا الوضع الكارثي المحتمل أسئلة مصيرية في علاقة البترول بالمسألة الوطنية لمثل تلك الدول، غير أننا هنا نكتفي بإنتخاب سؤالين فقط من مجمل تلك الأسئلة. هذان السؤالان هما: أولا: سؤال علاقة تردي أسعار الزيت بطبيعة منظمة أوبك في نهاية التسعينات؟ ثانياً: سؤال علاقة إنخفاض أسعار النفط بإنخفاض الإنتاجية بالإستقرار السياسي والإقتصادي والأمني خصوصاً في الدول المنتجة كما أشرنا، تلك الدول التي تعتبر مداخيل النفط العالمية فيها مصدراً رئيسياً من مصادر دخلها. ونظراً لأهمية سؤال النفط لمنطقتنا العربية وتحديداً لدول الخليج، فإننا سنركز مناقشة هذين السؤالين في علاقتها بدول ومجتمعات منطقة الخليج من الوطن العربي. في سؤال منظمة الأوبك: على رغم قيادة المملكة العربية السعودية وبتعاضد من دولة فنزويلاوالمكسيك وايران لتبني حملات تخفيض الإنتاج النفطي الأخيرة، وعلى رغم تعهد السعودية وحدها بخفض انتاجها بواقع 725 ألف برميل يومياً ابتداءً من شهر آذار مارس الماضي إذ أصبح حجم انتاجها اليومي في حدود 8.022 مليون برميل يومياً، كذلك إلتزام دول الخليج العربي بخفض يصل للسنة الجارية مايقارب 415 ألف برميل يومياً، وذلك في إطار العمل من داخل منظمة الأوبك لمزيد من الفعالية لدورها في حفظ حقوق المنتجين البتروليين من غائلة السوق والدول الصناعية المستهلكة، فإن سؤال علاقة تردي أسعار النفط بطبيعة منظمة أوبك في هذه المرحلة من نهاية التسعينات لا يمكن الإجابة عنه الا بسؤال هو: هل منظمة أوبك بتركيبتها القائمة وبآلية عملها الحالية وعلى أرضية الواقع السياسي والإقتصادي الجديد بعد إنتهاء الحرب الباردة وفي ظل اتجاهات العولمة الدولية من ناحية والشرذمة الإقليمية لبعض المناطق من ناحية أخرى، وأمام التراجعات أو بالأحرى التلاشي لأي مد معارض لعلاقة الدول الصناعية الفوقية بالعالم الثالث، بما عكس غيابه ذلك اللقاء الخافت لمؤتمر دول عدم الإنحياز لا تزال قادرة على أن تمارس ولو الحد الأدنى من الدور الذي أدته خلال زخمها الستيني عندما قامت هذه المنظمة كتجمع معارض، تهدف الى دعم سيادة دول الإنتاج من العالم الثالث على ثروتها الوطنية وعلى أقدارها السياسية؟ من الواضح لأي متابع عابر أن أوبك التسعينات لم تعد هي نفسها منظمة الستينات والسبعينات وذلك ليس فقط لأنها لا تملك آلية عمل وضوابط قانونية تلزم أعضائها بتنفيذ قراراتها الإجماعية، كما يذهب بعض المحللين الإقتصاديين، لكن أيضاً لأن هذه المنظمة في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلية داخل الأقطار المنتجة، لم تعد تملك الرؤية والأهداف المحددة والواضحة التي كانت تتمتع بها حين تأسيسها، والتي كانت تستمدها من الواقع الذاتي للدول المنتجة والواقع الموضوعي للعالم خلال تلك المرحلة، فمن تبني مطالب الأمس العادلة في التمليك الوطني لحصص وإمتيازات الشركات الأجنبية لأوطان العالم الثالث المنتجة، ومن مطالب الإطاحة بنظام الأسعار المزدوج لسلعة الزيت، ومن مطالب رفع أسعار البترول دورياً حسب إرتفاع نسب التضخم العالمي على السلع الأساسية والكمالية في العالم الصناعي لتحقيق التوازن بين سعر البترول ومستوى التضخم ومن مطالب توحيد العملة النقدية التي يباع بها البترول حتى لا تتعرض القيمة النقدية للبترول للإنخفاض في قيمتها الشرائية من جراء تذبذب عملة بلد ما من البلدان المستوردة لهذه السلعة وذلك للحصول على ثمن عادل للثروة الوطنية المتمثلة في النفط بالدول المنتجة من دول العالم الثالث، الى تحول شبه كامل عن تلك المطالب نحو مجرد ملاحقة مطلب متواضع لايتجاوز محاولة إبقاء أسعار البترول في الأسواق العالمية في مستوى معقول وإن لم يكن مقبولاً. وفي هذا الإطار تتصاعد اليوم إنتقادات عدة لهذه المنظمة بعضها من داخلها وبعضها الآخر من خارجها وكلها تعبر عن أزمة الفعالية التي أصبحت تعاني منها هذه المنظمات. ومن تلك الإنتقادات ماجاء في صيغة السؤال الآتي لأحد خبراء البترول "هل لا زالت منظمة أوبك قادرة على أداء دور فعال، أم أنها فقدت فعالياتها كآلية لتقنين الإنتاج ولحفظ حقوق المنتجين، وأصبح البديل المرجح هو التعاون بين كبار المنتجين"؟ وذهب الإنتقاد الى محاولة تحديد أهم المعوقات القائمة في وجه تفعيل هذه المنظمة، فرأى أن ذلك يكمن في إعتماد أوبك في قراراتها على إجراءات وقتية تكتفي بمحاولة وضع حلول مؤقتة لوضع طارئ كقرار خفض الإنتاج الأخير نتيجة تدهور الأسعار الذي جاء مخالفاً لتقديرات أوبك المتواضعة أصلاً بواقع ناقص دولارين عن البرميل الواحد للعام الجاري. وبهذا أصبحت منظمة أوبك تكتفي بعقد اجتماع عاجل للدول الأعضاء في حال الإنخفاض الحاد في أسعار السلعة البترولية لإنقاذ الأسعار ووقف تدهورها إن أمكن ليس إلا، وفي غياب شبه تام لأي خطط إستراتيجية تحاول أن تتعامل برؤية وآلية مدروسة وفعالية مع المتغيرات العالمية والمستجدات الإقتصادية والسياسية أصبح الضمان الوحيد وربما الهدف الوحيد لإستمرار هذه المنظمة ولضمان تعاون الأعضاء داخلها هو ظهور أزمة مالية في أسعار البترول بالأسواق العالمية. وهناك من يرى أيضاً في معرض مآخذه على منظمة أوبك وإفتقارها الى رؤية والى خطة استراتيجية والى أهداف بعيدة المدى والى آلية عمل فعالة أن مأزق الإنخفاض الحاد في أسعار البترول الحالي يرجع الى إكتفاء أوبك في العمل بالإعتماد على أسلوب ردة الفعل، ما يحرم هذه المنظمة من بذل أي محاولة مدروسة للتوصل الى فهم بعيد أو حتى متوسط لإقتصادات الدول المستهلكة، وفي هذا تشير بعض الآراء المختصة الى أن الأزمة الإقتصادية الآسيوية مثلاً لم تحدث فجأة وإنما كانت لها مقدمات عدة كان على أوبك متابعتها عن قرب والتعامل معها بقدر من الجدية والحيطة، خصوصاً وأن حصة اقتصادات آسيا من إستهلاك البترول كانت عاملاً من عوامل زيادة الطلب عليه في التسعينات بواقع الثلثين من هذه الزيادة، لذلك لعبت الأزمة الإقتصادية في آسيا دوراً تأزيمياً لأسعار البترول. إذن هل تمر منظمة أوبك نفسها بأزمة؟ أزمة في الرؤية والأهداف والآلية بما ينعكس على المسألة البترولية للدول الأعضاء داخلها؟ هل الأوبك بتركيبتها الحالية وبصيغة عملها القائمة وبالمستجدات الإقليمية والدولية غير قادرة على أن تحفظ للبترول هيبته السياسية ولا أن تبقي على بعض مكانته الإقتصادية؟ هل لا زال بإمكان أوبك أن تكون الإطار الجمعي المناسب لتبني وتحقيق مطالب دولها الأعضاء؟ هل البديل هو التعاون بين كبار المنتجين كما يقترح بعض خبراء البترول، أو أن هناك بدائل أخرى؟ أصبح واضحاً تراجع موقع كثير من الدول العربية النفطية في منظمة أوبك مثل العراقوالجزائر وليبيا مع ما لذلك الغياب من تأثير سلبي على الموقف النفطي داخل المنظمة فلم يبق بها من تمثيل عربي عامل ونشيط غير دول الخليج، فهل يمكن أن يكون لمنطقتنا العربية ممثلة بدول الخليج مصلحة للإجتهاد في إقتراح اتجاهات جديدة تعمل على تفعيل هذه المنظمة؟ ويبقى السؤال: هل بالإمكان حقاً إثارة الأسئلة عن منظمة الأوبك خارج سؤال النفط نفسه، فهل لا يزال البترول بعد حرب الخليج عام 1991 سلعة إستراتيجية سياسية كما هو سلعة إقتصادية استراتيجية؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يعد تصاعد التوترات السياسية والعسكرية قرب أغزر مصباته بالخليج مثل التوتر الأخير بين العراق وأميركا وأحداث تنزانيا وكينيا والسودان وأفغانستان وايران المتصلة إتصالاً مباشراً بالمصالح الغربية والأميركية في المنطقة لم تؤثر على رفع أسعار النفط المنخفضة سنتاً واحداً؟ على أن المطلب الملح في ظل المتغيرات الإقتصادية المتلاحقة على عكس ماتشتهي دول أوبك ليس أن تستعيد المنظمة أمجادها في الستينات والسبعينات إذ من المستبعد في المنظور الآني تحويل إتجاه البوصلة لهذه المرحلة تحولاً جذرياً، لكن المطلوب في حده الأدنى هو عدم التفريط في مكتسبات تلك المرحلة المبتعدة وعدم التساهل في كميات الإنتاج نحو إعادة النظر في رؤية وأهداف وآلية عمل المنظمة حسب المقتضيات الموضوعية للحاضر والمستقبل معاً. فمن دون خطة بعيدة المدى لكيف وكم تصوير هذه السلعة قد تواجه بعض المجتمعات النفطية وضعاً داخلياً خصوصاً في ظل تلك السياسات التنموية القاصرة لبعض دول العالم الثالث التي لم تستطع طوال ربع قرن تطوير قاعدة اجتماعية وإقتصادية وسياسية تحميها من الإنهيار فيما لو واصلت أسعار البترول إنهيارها. غير أن هذا المطلب المتواضع لوقف التدهور في أسعار الزيت لايمكن مجرد الهجس به وليس تحويله الى صيغة عملية ملزمة من دون أن نؤسسه على سؤال أساسي على كل الذين يحاولون إقناعنا بأن إنخفاض أسعار النفط إنما هو مسألة إقتصادية بحتة أن يبحثوا فيه، وهذا السؤال هو: هل يمكن التوصل الى صيغة عمل أكثر فاعلية داخل منظمة أوبك من دون القيام بحد أدنى من التعديل في ميزان القوى السياسي السائر بين الدول المنتجة للبترول من العالم الثالث وبين الدول المستهلكة من العالم الصناعي؟ * كاتبة وأكاديمية سعودية.