تزامنت زيارتي واشنطن مع الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الا انني لم أزر العاصمة الاميركية لحضور هذا الاجتماع، بل للمشاركة في الاجتماع السنوي لمجلس ادارة مركز الدراسات العربية المعاصرة في جورجتاون، فأنا عضو فيه. وأضرّ بي اجتماع البنك والصندوق بسبب زحام الفنادق، ودعوت ان تهبط البورصة الى درجة يتسوّل فيها المؤتمرون دعماً مالياً من الصومال. ومع ذلك فقد وفّر الاجتماع المالي فرصة لمقابلة اصدقاء، ورأيت في بهو الفندق السيد عدنان قصّار، رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت. ثم كنت في مركز تسوّق ورأيت السيد صالح كامل، وحوله الصغار والكبار من العائلة. وسرّني ان أجده في صحة طيبة بعد الأزمة الصحية الخطيرة التي تعرض لها اخيراً. الصديق عبدالله ابو حبيب رأيته بصفتيه، فهو من اركان البنك الدولي، غير اننا اجتمعنا مع اصدقاء كثيرين في بيت آل السويل في واشنطن، على عشاء مناسبته اجتماع مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جوجتاون، لا اجتماع البنك والصندوق. ولن أحوّل هذه السطور الى زاوية اجتماعية، فقد رأيت اكثر من مئة صديق اكتفي منهم بالاساتذة هشام شرابي وابراهيم عويس ومايكل هدسون وحليم بركات، وبالسيدتين سعاد جفالي وهيلين توماس. السيدة سعاد جفالي، لها مركز كبير للمعاقين في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فقد وجدت وقتاً كافياً للانضمام الى مركزنا في واشنطن ودعم عمله. اما هيلين توماس فهي عميدة مراسلي البيت الابيض، ولها بالتالي حق توجيه اول سؤال الى الرئيس سألت كلينتون اخيراً: هل تعتقد انك تملك السلطة الاخلاقية للحكم؟. وهيلين تحوّلت من مراسلة وكالة انباء عالمية الى نجم تلفزيوني بعد طوال إقامة في واشنطن، فهي تنقل اخبار البيت الابيض منذ الرئيس جون كنيدي. وقد رأيتها في اليوم التالي على التلفزيون تراجع ذكريات 37 سنة من العمل المستمر. في اليوم التالي كنت طرفاً في صدفة نادرة، فقد وجدت نفسي حول مائدة غداء وأمامي السفير روبرت بيللترو والكاتبة الصحافية جورجي ان غاير. والصدفة هي اننا الثلاثة اجتمعنا معاً في قصر الرئاسة في القاهرة السنة الماضية، وقابلنا الرئيس حسني مبارك واحداً بعد الآخر. بيللترو او بوب كما يناديه اصدقاؤه يكتب مقالاً شهرياً ل "الحياة" وهو كان مسؤولاً عن الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية في منصب يشغله الآن مارتن انديك. وكان قبل ذلك سفيراً في عدد من الدول العربية، ويعتبر في مقدم الخبراء في الشرق الاوسط، لذلك فهو في الخارج الآن. اما جورجي ان غاير فهي تكتب تعليقاً صحافياً تنشره 120 جريدة اميركية. وتابعت ما كتبت بعد مقابلتها الرئيس مبارك، ووجدته منصفاً. وهي كانت معنا ترتدي سترة من صنع فلسطيني تقليدي. طبعاً عندما يجتمع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويجتمع مركز الدراسات العربية المعاصرة في جورجتاون، فالاهتمام كله وقف على البنك والصندوق، لا على مجموعة من الاساتذة المفلسين واصدقائهم. مع ذلك كل منا "رب إبله"، ويهمني مركز الدراسات العربية المعاصرة اكثر من البنك الدولي وصندوق النقد مجتمعين، فأكتفي بالحديث عنه. هذا المركز يحتفل الآن بمرور 20 سنة على تأسيسه، وهو من نوع نادر في الاكاديميا الاميركية، لأنه يهتم بالدراسات العربية لا "الشرق اوسطية"، فلا تشاركنا فيه اسرائيل او تركيا مثلاً. وتعاقب على رئاسة المركز الاساتذة مايكل هدسون، وابراهيم ابراهيم وابراهيم عويس، والآن برباره ستاوسر وكلهم خبير معروف في حقله. وكان المركز يعاني دائماً من نقص في المال المتوافر لطموحاته، ثم قيض له الصديق نمير قيردار، الرئيس التنفيذي لبنك انفستكورب الذي استطاع بعد تسلّم مجلس ادارة المركز ان ينظّم اموره، ويضيف الى مجلس ادارته بعض افضل العقول المالية والادارية والاكاديمية. وكان من نتائج نجاح المركز ان المال الاميركي فيه الآن اكثر من المال العربي، وهذا سبب للقلق، فالاميركيون يقدمون المال الى المركز ليتعلموا عنا مع ان فكرة المركز الاصلية، ان نتعلم عنهم، لنخاطبهم بلغتهم وندافع عن قضايانا بشكل مؤثر يفهمونه. هناك وعود عربية بالمساعدة، بل تعهدات خطية، اتمنى ان تنفّذ حتى يحافظ المركز على هويته الاصلية ورسالته. وهناك الآن من خريجي المركز اكثر من 50 يعملون في الادارة الاميركية، يجب ان نسعى ليزداد عددهم، ولتكون معارفهم واسعة تشمل ما يهم العرب والاميركيين معاً. ولا أستطيع في عجالة مثل هذه ان اختصر عمل 20 سنة ومئات الاساتذة والطلاب والاداريين واصدقاء المركز مثلنا، الا انني اقول أن مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون جسر بين الدول العربية والولايات المتحدة يجب ان يبقى السير عليه باتجاهين.