لعلها المرة الأولى التي تختل فيها المعادلة الأفغانية وتنعكس بشكل خطير على المنطقة برمتها. فهناك حذر من معركة مذهبية بين أفغانستانوإيران، وهي لن تقتصر على البلدين. لذلك فإن الصمت والتصريحات الصحافية لن تبعد عود الثقاب ما لم يتنادى المخلصون لنزع هذا الفتيل. تمثل هذا الاختلال في الانتصارات التي أحرزتها "طالبان" في الآونة الأخيرة وبسطت خلالها السيطرة على أكثر من 90 في المئة من الأراضي الأفغانية واخضاع العرقيتين الأساسيتين في أفغانستان الأوزبكية والهزارة الشيعة لحكمها. ولعلها المرة الأولى في التاريخ الأفغاني التي يتم فيها اخضاع هذه العرقيات عسكرياً، في حين كان يكتفي الملوك الأفغان السابقون الخضوع لهم مقابل إدارة شؤون أمورهم بأنفسهم. تسبب انتصار "طالبان" الكاسح في أزمة اقليمية قطبا الرحى فيها باكستانوإيران، وربما تشمل دول اسيا الوسطى التي آثرت الصمت بانتظار ما ستسفر عنه المواجهة الأخيرة بين "طالبان" وباكستانوإيران. وما يجري في أفغانستان ينعكس مباشرة على أمن زعامات آسيا الوسطى التي ما تزال بحاجة إلى شرعية تستمد منها وجودها بعد انهيار ايديولوجيتها السابقة التي استندت عليها طوال المرحلة الماضية من الحكم الشيوعي. التوتر في العلاقة بين الدول الخليجية و"طالبان" سينعكس سلباً على باكستان، إذ سترغم الأخيرة على الانسحاب التدريجي من الحظيرة الطالبانية وبات الكثيرون يرون شركاً نصبته باكستان لنفسها ولا تعرف كيف تتخلص منه في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة والمشاكسات مع المجتمع الدولي على خلفية التفجيرات النووية ونمو حال من العداء مع إيران حين اتهم مرشد الثورة علي خامنئي الجيش الباكستاني والمخابرات العسكرية المعنية بالملف الأفغاني بدعم "طالبان" وإغارة طائرات الجيش على مواقع الشيعة في أفغانستان وتورط الأجهزة الأمنية مع "طالبان" بقتل الديبلوماسيين الإيرانيين في مزار الشريف. ويرى بعض المراقبين في إسلام آباد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبحث عن ذريعة قوية لسحب الاعتراف بحكومة "طالبان"، وهي كانت ضمن الدول الثلاث التي اعترفت بالحركة. ويطرح البعض مخرجاً ربما يصعب تطبيقه يتمثل بالاعتراف بالجناح المعتدل في "طالبان" ويمثله نائب زعيم الحركة الملا محمد رباني الذي عبر في جلسات خاصة عن رغبته واستعداده للاتفاق مع أحزاب المجاهدين كون الحرب لن تحل المشكلة على المدى البعيد، ولا بد من تحقيق السلم الاجتماعي الذي لا يتأتى إلا بجلوس أحزاب المجاهدين و"طالبان" على طاولة واحدة لتحقيق هذا الغرض. بالتأكيد لا يحظى الملا محمد رباني بتلك الشرعية التي يمثلها "أمير المؤمنين" الملا محمد عمر. وسبق للملا محمد رباني أن دخل في مواجهات خفية مع الملا محمد عمر، إلا أنه لم يستطع المضي قدماً فيها لسبب بسيط وهو الهالة الشرعية التي يتمتع بها خصمه. لذلك يرى البعض أن دخول الملا محمد رباني في مواجهة مع الملا محمد عمر لن تكون لصالحه ما دامت فتاوى الملا محمد عمر هي النافذة بين الاتباع ولها مفعول السحر بين "طالبان". ويقول أنصار هذا الفريق إن قادة أحزاب المجاهدين من أمثال الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار والرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني وقائده العسكري أحمد شاه مسعود وزعيم الاتحاد الإسلامي عبدرب الرسول سيّاف ما يزالون شخصيات تاريخية لها وزنها وكسبت اعترافاً وقبولاً دولياً واقليمياً، ولعل المرحلة الماضية المرة التي عايشوها اقنعتهم بضرورة الحوار والقبول بأنصاف الحلول. وعلى رغم كل ما حصل، ما تزال الدول المعنية بالأزمة الأفغانية لها دالة على هذه الشخصيات التي تراجع دورها أمام زحف "طالبان". ويضيف أنصار السيناريو المذكور ان المجتمع الدولي يمكن له أن يتعايش مع قادة الأحزاب، لكن من الصعب أن يحصل ذلك مع الحركة التي لها أجندتها الخاصة وغير المفهومة من قبل الجميع.