تعرضت المنظمة العربية لحقوق الانسان لحملة من الانتقادات طاولت سياساتها وممارستها العملية، وأيضاً أساسها الفكري وطبيعة هيكلها التنظيمي. وعلى رغم ان من الصعب التعامل مع المنظمة باعتبارها "بناءً ملائكياً" ليس به اي سلبيات، الا اننا من الصعب اعتبارها وفق منطق التهم المجانية "كياناً شيطانياً" لا ينتج الا الاخطاء والسلبيات. ولعل خير مثال على هذه النوعية من الاتهامات، ما ذكره السيد غانم جواد في مقاله في جريدة "الحياة" يوم 8 آب اغسطس الماضي والذي حمل عنوان "المنظمة العربية لحقوق الانسان: مفارقات النشأة والنشاط"، اذ انتقد، لا فقط اداء المنظمة، انما أيضاً مبرر وجودها كمنظمة "عربية" لحقوق الانسان. ويمكن تقسيم انتقادات الكاتب الى نوعين من الانتقادات: الاول تعلق ببنية المنظمة وادائها، والثاني تعلق بالخلفية الفكرية للمنظمة. في ما يتعلق بالجانب الاول، اعتبر الكاتب ان "بعض مفاصل القيادة في المنظمة وفروعها، شُكّل من شخصيات معروفة بتوليها مراكز حكومية عليا، اعتادت تسيير الامور بنمط اداري معين، وضمن قوانين السلطة وبيروقراطيتها وآخرين كانوا جزءاً من انظمة استبدادية متسلطة مارست خروقات كالتمييز والاضطهاد الواسع والقمع الدموي، وغيرهم نظروا لأفكار تناهض بالصميم حقوق الانسان كالماركسية والقومية المتطرفة والاديولوجيات الشمولية وشغلت هذه الشخصيات مواقع تسيير اعمال المنظمة وبعض فروعها، ويفترض ان يكون جزءاً من عمل المنظمة مراقبة ورصد الانتهاكات الرسمية للدولة، فكيف يمكن ان تناط اليهم مهام مخالفة لما تربوا عليه و تثقفوا". وعبّر هذا الفهم عن درجة عالية من الخلط وغياب الدقة وعدم الوضوح. فالاشارة الضمنية الى شخص الامين العام السيد محمد فائق، باعتباره كان وزيراً سابقاً في العهد الناصري "الشمولي والاستبدادي" عبّرت في الحقيقة عن نظرة منحازة وايديولوجية شديدة الضيق وشديدة السطحية ايضاً. فبداية، من الصعب وصف الخبرة العربية في التحرر الوطني بأنها كانت تعبيراً عن الاستبداد والقمع الدموي. فتلك الخبرة التي قادت الوطن العربي في الخمسينات والستينات، لم تكن خبرة مصطنعة او مختلقة لمعارك وهمية كما حدث بعد ذلك على يد من تمسحوا بالشعارات القومية، انما كانت تجسيداً لمعارك حقيقية واخلاقية ايضاً من اجل التحرر من الاستعمار الغربي ومواجهة الاحتلال الصهيوني الذي كان حاضراً في منطقتنا ولم يذهب عبدالناصر للبحث عنه. وامتلكت هذه المعارك شرعية تاريخية ونضالية علينا ان نفتخر بها نحن العرب - قيمياً وسياسياً - فمن معركة السويس، مروراً بحرب التحرير في الجزائر والمغرب، وانتهاءً بمعارك اليمن واستقلال الخليج، هذه الشرعية التاريخية لا تقف فقط عند حدود "الافتخار"، انما ايضاً، وربما اساساً، هي تمثل جوهر رسالتنا الجنوبية الى العالم وبخاصة دول الشمال، فخبرة التحرر الوطني العربية حملت في نضالها رسالة عربية للعالم وساهمت في وضع صيغ اكثر انسانية وعدلاً ومساواة بين الشعوب. فالقضاء على الاستعمار بأشكاله كافة، يفضل تلك الخبرة يعد عملاً في مصلحة حقوق الانسان، والتعامل مع شعوب العالم بقدر اكبر من المساواة بفضل انتزاع الاستقلال الوطني، يعد ايضاً قيمة من قيم حقوق الانسان، أي اننا نحن العرب لم نمتلك اي خبرة اخرى معاصرة بشّرت بقيم نبيلة وسامية وعملت على تحقيق كثير منها على ارض الواقع، غير خبرة التحرر الوطني. وساهمت هذه الخبرة التي يخجل منها البعض، في اعادة تشكيل خريطة العالم على اسس جديدة، حيث طرحت حركات التحرر في العالم الثالث، وفي قلبها حركة التحرر العربية، منظومة قيم جديدة اكثر إنسانية وعدلاً من القيم العنصرية التي بشّرت بها تجارب الغرب الاستعمارية. كما نجحت هذه الحركة في انتزاع الاستقلال من الاحتلال الغربي وهي في نجاحها هذا بشرت بمنظومة قيم جديدة تعمل على المساواة بين الشعوب بصرف النظر عن اللون او الجنس او الدين، وهو ما يجعلها رافداً مهماً من روافد قيم حقوق الانسان في عالم الحرب الباردة. وأخيراً تغير، بفضل نضالات تلك الحركة، شكل المنظمات الدولية، وعلى رأسها الاممالمتحدة، وصارت اكثر انفتاحاً وديموقراطية - بالمعنى النسبي - على مطالب شعوب العالم الثالث وطموحاته. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني ان تلك الخبرة لم تكن بلا اخطاء، بل كان لها كثير من المثالب، الا ان ذلك لا ينفي جوهر رسالتها التي كانت في صالح التحرر والتقدم وحقوق الانسان في العالم اجمع. ولعلنا لن نبتعد كثيرا اذا اشرنا الى حجم الجرائم الهائلة وحمامات الدم التي عرفتها الثورة التي اخرجت اول اعلان مكتوب لحقوق الانسان، وهي الثورة الفرنسية، ومع ذلك لا زال جوهر رسالة هذه الثورة مثار فخر الفرنسيين وغيرهم من شعوب العالم لما قدمته من قيم جديدة ومتقدمة عن ما كان سائداً من قبل، وبصرف النظر عن الاخطاء بل الجرائم التي ارتكبتها والتي لا تقرن بأخطاء حركة التحرر العربية. أما القضية الثانية التي تتعلق بهذا الجانب، فهي تتمثل في محاكم "التفتيش" التي ينصبها الكاتب من اجل الحجر على قناعات الآخرين الفكرية، ولأن قناعاته المفرطة في ايديولوجيتها هي بالطبع قناعات "غير ايديولوجية" في مقابل قناعات القوميين و"الشموليين" والماركسيين الايديولوجية. ولعل معضلة هذا الفهم لا تكمن فقط في قصوره وعجزه عن فهم التحولات التي يمكن ان تطرأ على أي تيار سياسي، لا فقط في الوطن العربي، انما ايضا في العالم كله، فمن الصعب، بل من السذاجة، اتهام كل القوميين العرب بالشمولية او "بالبعثية الصدامية" الامر نفسه ينسحب على الليبراليين والشيوعيين - من انصار الثورة الوطنية الديموقراطية- الذين من الصعب النظر اليهم على انهم دافعوا جميعاً وطوال الوقت عن قيم الديموقراطية، ولم ينجر كثير منهم الى لا فقط تأييد نظم شمولية انما احيانا نظم فاشية وشبه فاشية. من هنا فإنه عندما يختار تيار سياسي بعينه، او جناح او افرد منه، وبمحض ارادتهم، المراجعة، والتجديد الفكري والسياسي، يصبح من الصعب محاكمتهم عن "تهم" سابقة مثل "تهمة" - او شرف كما نرى - الانتماء الى مرحلة التحرر العربية. وقد عرفت المجتمعات الغربية مراجعات اكثر عمقاً واكثر جذرية من تلك التي شهدتها المنطقة العربية، خصوصاً تلك التي قدمتها الاحزاب الشيوعية في اوروبا. فأعداد كبيرة من ثوار التظاهرات الطلابية في فرنسا عام 1968، أعادوا اخيراً النظر في كثير من افكارهم السابقة، اذ بدأ بعضهم بطرح رؤى تقدمية جديدة من خلال احزاب الخضر، او عبر منظمات حقوق الانسان، ولم يفتش انصار "المكارثية الجديدة" في قلوبهم لكي يعرفوا حجم قناعاتهم بتلك الافكار الجديدة. من هنا، فإن فكرة المراجعة والتجديد على المستوى الفكري والعلمي، ظلت مسألة طبيعية في العالم كله، طالما انها تعبر عن قناعات حامليها واختياراتهم الحقيقية. ومن ثم فإن وجود بعض قادة المنظمة ممن آمنوا في مرحلة تاريخية بعينها بنظام الحزب الواحد، او بمعنى ادق رأوا ان مرحلة التحرر الوطني لا تتطلب التعددية الحزبية، ليس جريمة يفترض ان يعاقبوا عليها طالما ان اياً منهم لم يتورط في اي جرائم ضد حقوق الانسان. وفي الحقيقة، فإن معظم هؤلاء عاد وراجع فكرة الحزب الواحد، ليس منذ الآن مع التحولات التي شهدها العالم في اتجاه الديموقراطية والتعددية الحزبية، انما عقب هزيمة 1967 حين قدم عبدالناصر نفسه مراجعة نقدية شاملة، لم تشهد لها الامة العربية مثيلاً حتى الآن، واعترف بسلبيات كثيرة - ومنها غياب التعددية - محاولاً بقدر الامكان التغلب عليها. لذلك نرى ان المطالبة بتجريم حق البعض في ممارسة العمل العام وفي النضال داخل وعلى قمة المنظمة العربية لحقوق الانسان لأسباب تتعلق بمواقفهم السياسية، هو موقف اسوأ مما تتخذه الانظمة العربية في مواجهة المثقفين والسياسيين العرب. ويبدو ان اصحاب هذا الموقف نسوا، او تناسوا ان الازمة الحقيقية التي يعاني منها الواقع العربي ليست في وجود من هم ذوو اختيارات فكرية وسياسية - بصرف النظر عن مضمونها - انما يكمن في هذا الكم الهائل من المتلونين والانتهازيين المؤيدين لأي نظام ولكل نظام، حتى لو كانوا بالأمس القريب يرددون شعارات مناقضة لما يقولونه اليوم. وقد عرفت مصر وغيرها من البلدان العربية، كثيراً من هؤلاء الذين كانوا ناصريين حتى النخاع، وتحولوا بسلاسة نحسدهم عليها الى الخندق الساداتي المضاد، وآخرين ممن ملأوا الدنيا صراخاً دفاعاً عن مصالح الطبقة العاملة، وعادوا عند اول اكتشاف لدوائر المال والنفوذ ليتحولوا الى اشد المدافعين عن رأسمالية متوحشة وظلامية. فالمشكلة في الوطن العربي تكمن في وجود "تخمة" في أعداد هؤلاء الذين لا يحكم تحولاتهم اي موقف مبدئي أو أي مراجعة نقدية حقيقية. هذه النماذج يعج بها الواقع العربي ولا نجد منها نموذجاً واحداً داخل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فما يحسب لأمينها العام انه كان من القلائل الذين دفعوا ضريبة السجن الباهظة لما يقرب من 10 سنوات دفاعاً عن مبدأ وقناعة، اياً كان تقدير السيد جواد لصحة هذه القناعة من عدمها، هذا على رغم المغريات التي قدمت من اجل تبديل مواقفه - أي محمد فائق - أو مسايرة الركب الجديد. من هنا، فإن الخطر الحقيقي على أي جمعية أو منظمة اهلية عربية عموماً، ومنظمات حقوق الانسان بشكل خاص، يكمن في تغلغل هؤلاء الانتهازيين المستعدين للدفاع عن الموقف ونقيضه، ومستعدين ايضاً ان يغيروا قناعتهم لمن يدفع اكثر كما يبدلون ملابسهم، وليس هؤلاء "الايديولوجيين" الذين حافظوا على مواقفهم المبدئية من البداية حتى النهاية. أما القضية الثالثة المتعلقة بالجانب الخاص بأداء المنظمة، فتمثلت في انتقادها لوجود شخصيات احتلت مراكز حكومية عليا بما يعني ان المنظمة لن يمكنها مواجهة الانظمة العربية الحاكمة، لأنها بذلك تحمل بذور رؤية اصلاحية في العمل والممارسة اليومية. إذا انتقلنا الى الجانب الثاني، وهو المتعلق بالخلفية الفكرية للمنظمة، فسنجد ان جواد لاحظ وجود "تناقض فكري بين مفهوم حقوق الانسان المبين على المساواة بين البشر، والمفهوم القومي الذي سميت به المنظمة المبين على اساس تمييزي وتفضيلي لكونها "منظمة عربية لحقوق الانسان" وكأنها لا تهتم بقضايا غير العرب من مواطني العالم العربي. وعاد جواد ودّعم هذا الاتهام بآخر تعلق بما اسمه "سيطرة التيار العروبي المؤدلج والمسيّس ذي الاتجاه الاحادي الضيق واستبعاد الكفاءات المتخصصة والناشطة في مجال حقوق الانسان، وترتب علي ذلك تسييس حقوق الانسان وتغليب الاعتبارات السياسية القومية عند دراسة ومعالجة قضايا الانتهاكات". والقول بأن وجود منظمة عربية لحقوق الانسان يعني عدم الاهتمام بغير العرب الذين يعيشون داخل الوطن العربي هو قول غريب ولا اساس له من الصحة. فهل مطلوب من العرب ان ينشئوا منظمة تحمل اسماء غيرهم وان يحولوا اسم منظمتهم الى "المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الانسان"، ام ان من حق اصحاب الارض والوطن ان ينشئوا منظماتهم لحقوق الانسان ويتفاعلوا بشكل ايجابي مع مطالب اي اقلية عرقية تعيش على الارض العربية. تماماً مثلما من حق هذه الاقليات - كما هو حادث بالفعل - ان تنشئ منظماتها الخاصة في مجال حقوق الانسان وغيرها. وهل يتخيل ان يأتي اليوم الذي يطالب فيه البعض بإزالة المنظمات الاميركية والاوروبية في مجال حقوق الانسان وتبديل اسمائها بأسماء الاقليات العرقية والدينية التي تعيش على ارضها حتى لا تتهم بأنها تتجاهلهم؟ وهل سيأتي ايضا اليوم الذي سنطالب فيه العرب بأن لا يظلوا عرباً وان يغيروا كلمة عربي ويزيلوها من القاموس حتى يرضى عنهم الاميركيون والاسرائيليون؟. أما بالنسبة الى "أدلجة" المنظمة من خلال سيطرة التيار القومي عليها، فهنا في الحقيقة نجد ان الكاتب خلط خلطاً شديداً بين مفهومين لدور المنظمة: الاول - وهو ماعبر عنه الباحث - يفترض ان ايمان المنظمة بأن المنطقة العربية تمثل امة واحدة بالمعنى الثقافي والاجتماعي والسياسي العام يعني بالضرورة انهما تمارس فعلاً سياسياً وايديولوجياً محدداً وضيقاً، واقرب الى اداء الحزب منه الى اداء منظمة غير حكومية، وهو في الحقيقة فهم غير صحيح. أما الثاني وهو ما نتبناه فهو يرى ان "اعظم" ما في المنظمة هو تأكيدها على انتمائها الى الامة العربية بالمعنى الثقافي والسياسي العام الذي اشرنا اليه من قبل وليس بالمعنى الضيق الذي تخيله الكاتب واراد حبس المنظمة قسراً داخله. وعكس تأييد معظم المثقفين العرب المهتمين بحقل حقوق الانسان - في مقابل اعتراض البعض - لوجود "منظمة عربية" في مجال حقوق الانسان، وجود رؤيتين للتعامل مع مقولات النظام العالمي الجديد - قيد الاكتمال - عموماً، وقيم حقوق الانسان خصوصاً. وعكست احدى هاتين الرؤيتين رأي الاغلبية المتحمسة لوجود "المنظمة العربية"، والثانية تمثل رأي الاقلية الرافضة لوجود منظمة عربية في حقل حقوق الانسان، بحيث بدا من الواضح ان هناك استحالة في التقاء كلا الرؤيتين. الرؤية الأولى هي الرؤية الإلحاقية المسلوبة الارادة والفعل تجاه النظام العالمي الجديد، والتي ترى ان العالم استقر على هذا النظام الأحادي القطبية بشكل نهائي، وان ما تردده الولاياتالمتحدة ومثقفوها عن نهاية التاريخ ونهاية صراعاته، هو امر مقدس لا يجب ان يمس. ومن هنا، فإن هذه الرؤية تنظر الى النصوص العالمية ذات الاصول والطابع - واحيانا التحيزات - الغربية في مجال حقوق الانسان، باعتبارها من المقدسات التي لا يجب ان تمس، وبالتالي تعتبر ان مهمة العرب، مثلهم مثل باقي شعوب الارض، ان يحفظوا جيداً هذه النصوص حتى لا يثيروا غضب الممول الاميركي، الذي اثبت في احيان كثيرة ان لديه سعة صدر ورحابة من مندوبيه على الساحة العربية. أما الرؤية الثانية التي يعبر عنها وجود "منظمة عربية" في مجال حقوق الإنسان، فإنها تعني في الحقيقة اقتناع هذا القطاع من المثقفين العرب بأن قيم حقوق الانسان هي قيم عالمية لا تخص شعباً او حضارة بعينها، واننا نحن العرب ساهمنا في الماضي البعيد والقريب في صوغ تلك القيم. بل ان المنظمة العربية تقر بالدور الايجابي في مجمله الذي لعبته معظم منظمات حقوق الانسان الغربية، وبخاصة الاوروبية منها، في التبشير والدفاع عن قيم حقوق الانسان. ولكن هذا الفهم لا يعني عدم وجود تباينات بين طموحات واجندة الجنوب، وفي قلبه الوطن العربي، وبين طموحات الشمال وأولوياته. هذه التباينات انعكست ولا تزال في مجال حقوق الانسان، واصبح من المنطقي نظرياً وعملياً، ضرورة وجود منظمة تحاول، لا فقط مواجهة انتهاكات حقوق الانسان على الساحة العربية، انما ايضاً تعمل على مواجهة التحيزات الغربية تجاه الوطن العربي من دون تقوقع او إنغلاق، خصوصاً المتعلق منها بالاجندة الدولية لحقوق الانسان، وتركيزها على قضايا ذات اولوية "شمالية" على حساب كثير من قضايا الجنوب المصيرية. واتضحت هذه التحيزات كثيرا في تجاهل بعض منظمات حقوق الانسان الغربية، وبخاصة الاميركية، لكثير من الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في العالم، وبالذات التي ترتكبها اسرائيل يومياً، كما ان رفض منظمات حقوق الانسان العربية لسياسات العقاب الجماعي المفروض على، لا فقط الشعب العراقي والليبي والسوداني، انما ايضاً على الشعب الكوبي والايراني واي شعب يمكن ان يتعرض لهذا "المنطق الاميركي" في العقاب، هذا الرفض يجب ان يعد من اولويات الاجندة العربية في مجال حقوق الانسان. ومن هنا فإن وجود منظمة عربية لحقوق الانسان ذات تمويل عربي، الى جوار العديد من الجمعيات والمنظمات المحلية لحقوق الانسان، يعني في الحقيقة قدرةً اكبر على مواجهة كثير من التحيزات الغربية داخل حقل حقوق الانسان، ويعني ايضاً انتماء المنظمة لهذا "الاختيار الفكري الثالث" بين انصار القطيعة الشاملة مع ما يجري حولنا في العالم، وهو الاتجاه الذي عرف تراجعاً واضحاً في العقد الاخير من هذا القرن، وبين الاتجاه الثاني "الإلحاقي" الذي يقدس كل حرف يطلق من الغرب، ويؤمن ايماناً مطلقاً بكل نص وُقّع عليه بأحرف لاتينية وهذا الاتجاه الاخير عرف تراجعاً ملحوظاً في اعقاب وهم "الانتصار" الذي أعقب سقوط الاتحاد السوفياتي والنظام ثنائي القطبية. وهكذا، فإن اختيار المنظمة العربية لمفهوم "التفاعل النقدي" مع الحقل العالمي لحقوق الانسان، يعني ضمناً اننا لم نعد منعزلين عن قيم وهموم وطموحات العالم الواحد. *كاتب مصري.