يخطىء من يظن أن مجابهة اسرائيل تتم بالسلاح وحده أو أن النضال من أجل تثبيت الهوية الوطنية وتأكيد عروبة فلسطين وتاريخها لا يفهم إلا لغة القوة. صحيح أن القوة هي الأساس وهي الجوهر، وهذا مبدأ عملت به اسرائيل، ولم يفهم أبعاده العرب، ولكن هناك عدة مجالات رديفة يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في الدفاع عن الحق العربي وتقديم صور حضارية عن فلسطين الوطن الجميل الغني وتاريخه العريق الذي تجري في عروقه الدماء العربية الصافية. حتى نعزز ارتباط الأجيال العربية والفلسطينية بالذات، بترابها الوطني وتاريخها ونثبت للعالم كله أن حضارة فلسطين عبر العصور عربية خالصة وليس كما حاول الصهاينة ترويجه من مزاعم بأن فلسطين أرض بلا شعب. ومن هنا تأتي أهمية الروافد الحضارية للنضال من إبراز للقضايا الحضارية مثل الفنون والفولكلور والعمارة الإسلامية والعربية، وغير ذلك من البراهين والشواهد الإنسانية والثقافية التي يتعامل بها الرأي العام العالمي وخصوصاً الغربي منه. وشهدت الأعوام القليلة الماضية عدة نشاطات وفعاليات ثقافية وفكرية واصدارات، خصوصاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، تفي بهذا الغرض. وسعدت أخيراً بكتاب شيق "عن أزهار فلسطين" أصدرته مؤسسة القطان الخيرية التي أنشئت عام 1996 بهدف المساهمة في تطوير التنمية التربوية والثقافية والوعي الفكري، اضافة الى الحفاظ على التراث الحضاري للشعب العربي بصورة عامة والشعب الفلسطيني بصورة خاصة. وهنا بيت القصيد. صحيح أن موضوع "أزهار فلسطين" عام ولكنه، عند التعمق في معانيه يساعد على ابراز جمال وغنى التراث الفلسطيني الطبيعي وفيه عشرات الصور الرائعة التي تمثل نموذجاً عن جمال الثروات الطبيعية في فلسطين. وقد عبر عن هذا الواقع الشاعر الكبير محمود درويش الذي وضع مقدمة الكتاب المأخوذ في الأساس عن كتاب "أزهار فلسطين البرية" الذي صدر للمرة الأولى العام 1870 باللغة الإنكليزية ثم بالفرنسية والألمانية وفيه 54 لوحة بالألوان مأخوذة عن رسوم وضعتها السيدة حنا زيللر التي كانت تقطن في مدينة الناصرة سويسرية ابنة المطران "صاموئي غويان" فقد قال شاعرنا الرقيق في حديثه عن لغة الزهور: لكل بلاد زهرة تدل عليها، زهرة وطنية تنسب الى بلادها أو تنسب اليها تلك البلاد، وهكذا تدرج الزهرة في تعريف الهوية، وفي احتفائها بذاتها، وفي حنينها الى أرض ذاتها". من هنا فإن قراءة أزهارنا هي جزء من تعميق معرفتنا الوطنية بخصائص بلادنا. من جهة، وبمكومات نظامنا النفسي، من جهة أخرى... فنحن جزء من محيط الزهرة، أو أخوة لها في عثورها على مناخها الملائم... ولكن في وسع الأزهار أن تقول أكثر مما تقول اللغة: كم بلادنا جميلة، وكم هي جديرة بأن تحب، وأن تحب أكثر، لا لأنها بلادنا فحسب، بل لأن بلادنا الى هذا الحد، ولأنها أيضاً جميلة الى هذا الحد. مع هذا الوصف الشاعري الذي يربط بين الزهرة والوطن يسعد القارىء بالاستمتاع بكتاب مؤسسة عبدالمحسن القطان: أزهار فلسطين، وبفوح شذى أزهار وطن العرب السليب، من شقائق النعمان الى السوسن وزنبق الجبل والكبارة والبريزة والخبيزة، ودولاب الهنا وعصا الراعي والكتانية والدُفلى وأعشاب من الأراضي المقدسة وغيرها... انها أزهار الوطن التي نبتت من أرض كل حبة تراب فيها مجبولة بدم إنسان عربي فلسطيني أو بحبات عرقه! لقطة من نابليون بونابرت الى العرب: أسوأ شيء في السياسة هو الشروع في عمل ما وتركه ناقصاً