قبل ايام انتهى، في اكس ان بروفانس بفرنسا، مهرجان "القراءة احتفالاً" الذي ينعقد سنوياً، والذي خُصص هذا العام لمنطقة الكاريبي. سبعة كتاب من كوبا وهايتي حضروا وقرأوا والتقوا الجمهور الفرنسي، فيما طرحت المناسبة مسألة كوبا والاستبداد والحصار وحرية الكتابة وعلاقتها بالثورة. ولاحظ المعلقون ان الكتّاب، أكانوا معروفين كجيسوس داياز، أو مغمورين، ذوو اصوات تدل على حيوية أدبية وغليان لم تنجح الرقابة والقمع في التغلب عليهما. لكن الأمر أبعد من هذا. فالكاريبي، قبلاً، كان قدّم للعالم كتاباً كباراً كديريك ويلكوت من سانت لوسيا الحائز على جائزة نوبل، وباتريك شاموازو من المارتينيك الحائز على جائزة غونكور عن روايته "تكساكو". أما الآن فالجديد هو الاسهام الكوبي اللافت، أجاء من داخل الجزيرة أم من الدياسبورا. فكوبا غدت اشد انفتاحاً نسبياً في الفترة الأخيرة، ولم تُخف رغبتها في ان تكون الكتابة من مداخلها الجديدة الى هذا الانفتاح. ويرجّح أن يكتسب الأدب الكوبي بعداً عالمياً بدأت تظهر علائمه في نشوء "سياحة ثقافية" الى كوبا. فتسهيلات الهجرة في السنوات الأخيرة ادت الى سفر بعض الأدباء الى أوروبا وبلدان أميركا اللاتينية، والى نشر البعض أعمالاً لهم في الخارج من دون ان يرتّب ذلك اي اشكال مع النظام، علماً ان انشطة كهذه كانت تتسبب في سجن صاحبها. كذلك بدأت مجلات أدبية تنشر أعمالاً لكتاب كانوا ممنوعين كسيفيرو ساردوي ودولشي ماريا لويناز. وبارتخاء الرقابة ظهر جيل جديد ممثلهم الأبرز هو إليزيو ألبرتو الذي نالت روايته "شاطىء كراكول" جائزة ألفا غورا مؤخراً. وفي الأشهر القليلة الماضية، نال كتاب كوبيون أهم جوائز الأدب في العالم اللاتيني: جائزة سرفانتس أعطيت لغيرلمو كابريرا إنفانتي، وجائزة بلانيتا أعطيت لزواي فالديس. وقد لاحظ نقاد الادب الكوبي الجديد سمات منها حضور السياسة في اعمالهم، وحلول النوستالجيا والمنفى الداخلي والاحباط بالثورة محل البطولية والانتصارية اللتين اتسم بهما أدب الجيل السابق. كذلك لوحظ توزع مواضيع الادب هذا على الهوامش الاجتماعية والثقافات المضادة والعوالم الممنوعة وشبه الممنوعة والسفلية المتكاثرة في كوبا. ويبقى ان العناصر التي تدفع الى التعويل على الكتابة الكوبية كثيرة. فكوبا، بسبب وضعها الجغرافي، يمكن ان تلعب دوراً ثقافياً وسيطاً بين الأميركتين، وكانت عمليات محو الأمية للنظام الشيوعي قد أسست بنية تحتية أولية جيدة نسبياً. فالجزيرة الصغيرة، مثلاً، نشرت في 1987 الفي كتاب في 37 مليون نسخة، وهو الرقم الذي انخفض مع توقف الدعم الروسي، في ظل استمرار الحصار الاميركي، الى 200 كتاب. لهذا تحدثت مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية في أحد أعدادها الأخيرة عن انزعاج الناشرين الأميركان من الحصار الذي تفرضه بلادهم قدر انزعاجهم من الرقابة الكوبية، الا ان الكثير من دور النشر بدأ، مع هذا، يرسل كشّافته الى هافانا للعثور على مواهب أدبية شابة في انتظار تطبيع لا بد أن يأتي.