هل وصلت الرسالة؟ هذا هو السؤال الذي يتردد الآن على ألسنة شريحة واسعة من الأدباء والمثقفين عقب الإخفاق المتكرر للأندية الأدبية في عقد جمعياتها العمومية خلال الأسبوعين الماضيين، فامتناع غالبية الأعضاء عن حضور الجمعيات العمومية وبالنتيجة فشل هذه الأندية في عقد جمعياتها، ينطوي على رسالة صارخة ومعبرة تعكس حالة من خيبة الأمل والاستياء البالغ من الوضع الذي أصبحت عليه هذه الأندية، وهو ما عبر عنه كثير من الأدباء والمثقفين بشكل واضح وصريح عبر مختلف وسائل الإعلام. وحتى نكون أكثر دقة في تشخيص حالة الغياب عن الجمعيات العمومية فالغائبون ينقسمون إلى شريحتين، وكل شريحة تعبر عن مشكلة بذاتها، فالأولى غائبة احتجاجا على الأوضاع، وأرادت من خلال إحجامها عن الحضور تسجيل موقف، وإرسال رسالة، والتعبير عن رفضها المشاركة في هذا «الهزال» الثقافي، غيابهم لم يكن سلبية أو لا مبالاة، وهم مؤمنون بالانتخابات، ولكن ليس بالطريقة التي جرت فيها. أما الشريحة الثانية غائبة لأنها لا تمت بصلة للمشهد الثقافي فقد جرى تجميعها من خارج السياق الثقافي بشكل استثنائي وزجها في الانتخابات وبعد أن أدت مهمتها في التصويت، ذهبت إلى حال سبيلها، وبعضهم ربما لم يعد يتذكر موقع مقر النادي الذي زاره لأول وآخر مرة ليدلي بصوته. الأجمل في الأندية صار «مرذولا» وما يثير الخوف والحزن في المشهد الثقافي السعودي هو أن أجمل ما في الأندية الأدبية وهو الانتخابات أصبح (مرذولا ومذموما) بعد أن كانت الانتخابات مطلبا ملحا للجميع، والسبب كما يقول مثقفون اتصلنا بهم قبل كتابة هذا التقرير، هو أن هذه الانتخابات أنتجت مجالس إدارات لم تستطع تلبية الحد الأدنى من تطلعات المثقفين ويرجعون ذلك إلى تسلل أسماء من خارج السياق الثقافي إلى هذه المجالس بفضل لائحة الأندية الأدبية المليئة بالثغرات التي جعلت الطريق إلى هذه الأندية ممهدة أمام أسماء طارئة ومتطفلة على المشهد الثقافي. عصا جار الله الحميد الغليظة ولأن جار الله الحميد ما إن يفتح فمه حتى تخرج منه عصا غليظة، فقد قربه «أدبي حائل» وعينه مستشارا، ليتقي ربما هذه العصا التي لم تسلم منها الإدارات السابقة، وهكذا حضر الحميد جمعية أدبي حائل، وعندما ثبت رؤية الفشل بالعين المجردة، وبشهادة الشهود، اخرج الحميد العصا، ووصف الغائبين في تصريح للزميلة الشرق ب«خونة الثقافة»! فرفض مدير عام الأندية الأدبية عبدالله الكناني هذا الوصف وقال «هذا الكلام لا يليق بالثقافة والمثقفين». «العابرون» يكشفون حقيقة الانتخابات وفيما يرى فريق من المهتمين بالشأن الثقافي أن ما تشهده الأندية الأدبية في الوقت الراهن من حالة ارتباك ووهن هو ضريبة للتجربة الانتخابية الوليدة، وأن على الوسط الثقافي أن يصبر على عثراتها، ويستخلص العبر والدروس التي أفرزتها الانتخابات السابقة وفي مقدمة هذه العبر والدروس هو إحجام كثير من الأدباء والمثقفين عن المشاركة في هذه الانتخابات ما جعل الساحة شبه خالية ليتقدم أعضاء «الفزعة» ممن لا تربطهم بالأدب والثقافة أية رابطة، فالتحقوا بعضوية الأندية الأدبية من اجل إيصال أسماء معينة وانتهى دورهم بوضع ورقة التصويت ثم اختفوا من المشهد، وانقطعت صلتهم بهذه الأندية، ولهذا لم يجددوا اشتراكاتهم في عضوية الأندية عندما حان موعد التجديد، كما حدث في حائل، على سبيل المثال، فمن بين 83 عضوا شاركوا في الانتخابات الأخيرة لم يجدد العضوية منهم سوى 26 عضوا فقط، أما البقية فكانوا مجرد «عابرين في انتخابات عابرة»! وحالة البؤس هذه، والفقر المدقع في عديد الأعضاء، جعلت رئيس النادي نايف المهيلب يطلب النجدة والعون من رجل الأعمال علي الجميعة صاحب المبادرات الخيرية المتواصلة ليتبرع بتسديد رسوم العضوية عن الأعضاء «العابرين» من باب «الميانة» ربما! وهذا التصرف استدعى توضيحا من وكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق الدكتور عبدالعزيز السبيل الذي اعتبر أن هذه الخطوة غير قانونية وقال إن «دفع الاشتراك السنوي عن جميع الأعضاء دون استئذانهم أو موافقتهم، قد أوقع النادي أمام إشكالية قانونية» وتبعته عضو مجلس إدارة أدبي حائل شيمة الشمري باحتجاج صارخ عبرت فيه عن رفضها أن يقوم رجل أعمال بدفع ثمن العضوية نيابة عنها لاستمرار تسجيلها في النادي. «الفزعة» على نمط الانتخابات البلدية الغريب في الأمر هو أن يستغرب مدير عام الأندية الأدبية عبدالله الكناني عدم حضور أعضاء الجمعيات العمومية اجتماعاتها، كما صرح للزميلة «الشرق» في تعليقه على ظاهرة عجز الأندية عن عقد جمعياتها، والغريب أيضا قوله إن «المسألة هي التزام أدبي، خاصة أن العضو جاء من تلقاء نفسه، وهدفه خدمة النادي، أو المنطقة التي ينتمي إليها»، فهل حقا لا يعرف الكناني أن غالبية أعضاء معظم الأندية الأدبية الذين التحقوا بعضوية الأندية لم يكن بدافع الالتزام الأدبي، ولا بدافع الرغبة في خدمة النادي، بل بهدف التصويت لأسماء معينة استدرجتهم لهذه المهمة على نمط «الانتخابات البلدية»، وبطريقة «الفزعة» كما وصفتها الدكتورة أميرة كشغري! وعندما نستغرب تصريحات الكناني ذلك أننا كنا نتوقع أن يكون مدير الأندية الأدبية أكثر الناس معرفة بحقيقة الوضع، وكنا نتوقع منه أن يكون أكثر جرأة ويعترف أن العملية الانتخابية في غالبية الأندية اعتراها الكثير من المخالفات والتجاوزات الصارخة التي أتاحتها وساهمت في وجودها لائحة مليئة بالثغرات، أوكلت مهمة ردم بعضها لإدارات الأندية! وكنا نتوقع أن يتبع هذا الاعتراف بوعد لإعادة النظر بهذه اللائحة ومعالجة الملاحظات التي تحدث بها كثير من الأدباء والمثقفين. لكننا سريعا نكتشف أن توقعاتنا وآمالنا لا معنى لها ولا قيمة ونحن نقرأ قوله في السياق ذاته: دورنا لا يتجاوز أن نكون مراقبين لهذه العملية «أي اجتماع الجمعيات العمومية» وإنه عندما يحضر هذه الجمعيات لا يحضر بصفته مدير عام الإدارة العامة للأندية الأدبية، بل بصفته مراقبا ممثلا للوزارة! استعادة «العموميات» من المتطفلين والحقيقة أن تصريح عبدالله الكناني ليس أكثر غرابة من تصريح سابق لوكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان رئيس لجنة الإشراف على الانتخابات أدلى به ردا على الأصوات التي ارتفعت في أكثر من مكان تحتج على ما حدث من تجاوزات وممارسات مخالفة عقب نهاية انتخابات الأندية الأدبية مباشرة وقال فيه حرفيا «هناك من يشعر بالغبن أو بالظلم في حالة لم يفز في هذه الانتخابات، وبالتالي تكون هناك حالة روح دفاعية. ذلك أن الإنسان الذي لم يفز قد لا يعترف بالإخفاق، ما يجعله مضطرا للبحث عن عناصر أخرى يشفي فيها غليله، كالقدح في نزاهة الانتخابات أو التقليل من قيمة من فازوا». لكن الأيام برهنت على أن القضية لم تكن شعورا بالغبن والظلم، ولم تكن روحا دفاعية، وهي أيضا لم تكن بحثا عما «يشفي غليل» الخاسرين، بل كانت رؤية موضوعية لحقيقة ما جرى، مما لم تره، أو لم ترد رؤيته عيون المسؤولين عن الانتخابات. وما يتمناه الأدباء والمثقفون ألا تكون نظرة هؤلاء المسؤولين للملاحظات التي يسجلونها الآن على أداء مجالس الأندية الأدبية هي من باب البحث عما «يشفي الغليل»، إن كانوا جادين فعلا في استعادة ثقة الوسط الثقافي بهذه المؤسسات الثقافية، وإعادة عرى التواصل بين هذه المؤسسات والنخب الثقافية، واستعادة الجمعيات العمومية لتكون منبرا ديمقراطيا للمثقفين الحقيقيين، وحتى لا تكون ساحة للمتطفلين على الشأن الثقافي ممن لا يعرفون الفرق بين النادي الأدبي والنادي الرياضي، كما «غرد» ساخرا احد الأصدقاء. وعندما يختلط نابل مشجعي «الأقدام» بحابل مشجعي «الرؤوس» كما حدث في بعض «عموميات الأندية» فهذا يعني إننا دخلنا نفق مظلما لا ثغرة ضوئية فيه، مع أن المشكلة ليست في «الأقدام» بل في «الرؤوس» التي تستحيل أحيانا إلى ما يشبه كرة القدم! نجاح «مصطنع» وسط ركام الفشل ووسط ركام الفشل الذي تكدس في أروقة الجمعيات العمومية الأدبية، خرج رئيس أدبي الباحة حسن الزهراني منتشيا بعد أن نجح النادي في عقد الجمعية العمومية، كما يوضح الزهراني متباهيا بالانجاز بقوله «لقد أصابنا ما حدث في الأندية التي سبقتنا بنوع من الإحباط، ولكننا بتوفيق من الله عزمنا على النجاح فحققناه، فقد انبرى الزملاء أعضاء مجلس الإدارة للتواصل مع أعضاء الجمعية ولم يكتف احدهم بالآخر حتى اكتمل النصاب وزاد». وهكذا نكتشف إنه ما من سبب يدعو رئيس أدبي الباحة للانتشاء والتباهي فجمعية أدبي الباحة لم تكن بمنأى عما أصاب الجمعيات الأخرى من «فشل» لولا الجهد الاستثنائي لأعضاء الإدارة الذين «انبروا» لتأمين النصاب. وكنا سنتفهم تباهي الزهراني ب«الانجاز» لو كان حضور «النصاب» تحقق بظروف طبيعية وتلقائية ولم يكن بإلحاح و«ضغوط» من إدارة النادي. إذن.. ينبغي أن «نجتهد» لإنقاذ الانتخابات الأدبية من مختطفيها!