مطار بن غوريون في تل ابيب، بعد مرور حوالي شهر من وصول تحالف الليكود الى الحكم، ضابطة الجوازات الشابة تلقي نظرة طويلة على جواز سفري وهي تتفحص صفحاته، مصري آخر كان يسبقني في الصف سمحت له بالدخول على الفور، اختفت بالجواز لتعود بعد لحظات وهي تشير اليَّ ان انتظر على مقعد خشبي بجوار احد المكاتب، اشعر بالخوف في كل المطارات العربية، تمر عليّ لحظات اشعر فيها بأني على وشك ان أمنع من الدخول او الخروج لأسباب لا اعرفها ولا سبيل لمعرفتها، لا ينتابني الخوف في مطارات الغرب، اشعر بأن سياجاً من المنطق يحميني، لا يوجد ما يدعوني الى الاضطراب او الخوف، لم ارتكب خطأ، اما في مطاراتنا فأنا اشعر دائماً انني "ربما" اكون قد ارتكبت خطأ. مرت دقائق عدة فقمت من مكاني ودخلت المكتب، عدد كبير من ضابطات الشرطة منهمكات في العمل، استوقفت احداهن وحدثتها بالانكليزية "من فضلك. اريد ان اتحدث مع سلطة مسؤولة". ردت بنبرة لا تخلو من تحدٍ: "أنا سلطة مسؤولة". لماذا احتجزت جواز سفري؟ - لكي اتأكد من صحة التأشيرة. تأشيرتي سليمة. - سأكون سعيدة عندما أتأكد من ذلك. أنا فلان الكاتب المسرحي المصري وداعية للسلام، وليست هذه هي المرة الاولى التي ازور فيها اسرائيل. لقد زرتها من قبل مرات عدة، ولي كتاب عن رحلتي فيها بالعربية وبالعبرية. أجابت ببرود: أنا سعيدة لذلك، وسوف اسعد أكثر عندما اكتشف سلامة التأشيرة. فرددت عليها: أنا واثق انك ستكتشفين ذلك، وأنا على استعداد للبقاء هنا الوقت الذي تشائين، غير أني هنا للاشتراك في فيلم تسجيلي عن صديقي الروائي سامي ميخائيل كاتب اسرائيلي من أصل عراقي. رئيس جمعية الصداقة العراقية - الاسرائيلية ومخرج الفيلم ينتظرني في قاعة الوصول، إذا تأخرت هنا فقد يظن اني لم اصل على الطائرة وينصرف، بعدها سأدوخ في شوارع تل ابيب، كل ما اطلبه منك ان توجهي نداء من خلال مكبر الصوت الى ديفيد بن شتريت مخرج اسرائيلي شاب من أصل مغربي بأن فلانا هنا وسيخرج بعد دقائق او بعد... ساعات. وجهت الضابطة النداء بالفعل، وبعد دقائق اعطتني الجواز، وخرجت لأجد ديفيد في انتظاري، ولكني كنت بدأت أفكر ان شيئاً ما قد تغير في اسرائيل. في رحلتي السابقة كنت مدعواً من صديقي الناشر صالح عباس للاشتراك في معرض للكتاب في حيفا، كانت حقائبي مغلقة بأقفال صغيرة ومفاتيحها تكاد تكون ميكروسكوبية الحجم، وضعتها في جيب القميص لكي تكون في متناول يدي عندما يطلب مني فتح الحقائب في المطار. قبل منطقة الجمارك بخطوات عدة اكتشفت انني فقدتها، سقطت من قطع صغير في الجيب، شعرت بالاضطراب، عندما اقول لمسؤول الجمارك الاسرائيلي انني فقدت مفاتيح الحقائب فلا بد ان تعربد في عقله كل شياطين الشك، هل سيمزق الحقائب؟ هل سيفتك بالاقفال، هل سيعرضني للتفتيش الذاتي؟ امسكت الموظفة الشابة بجواز السفر وأرته لرئيسها، فألقى نظرة على غلافه الاخضر من بعيد واشار اليَّ بالخروج بابتسامة عريضة، نعم... افكر الآن في ان شيئاً ما قد تغير في اسرائيل. على الاقل لم يعد مسؤولو المطار يسمحون بالمرور بابتسامة عريضة لمصري من دعاة السلام. الفكرة الاساسية للفيلم كانت رحلة يقوم بها الروائي الاسرائيلي ومعه المسرحي المصري وهما من نشطاء السلام الى قبر روائي عظيم "باق في حيفا" هو المرحوم اميل حبيبي، وخلال الرحلة يلتقيان كُتّاباً ومسؤولين ومواطنين عاديين في نابلس وحيفا وعكا وتل ابيب، بينما ديفيد يسجل كل كلمة وكل حركة. الرحلة مجهدة للغاية، خصوصاً لأنه لم يكن مسموحاً لي تغيير ملابسي لأنها "راكور"، كما يقول اهل السينما، اي انك تصور المشاهد متباعدة زمنيا ومنفصلة ولكنها على الشاشة من المحتم بالطبع ان تكون متصلة وهذا يتطلب ان تكون مرتدياً الملابس نفسها. تحملتُ الاجهاد بصبر، فقد قدرت ان ديفيد الفقير كأي مخرج شاب استأجر معدات التصوير بمبلغ كبير وان عليه ان ينتهي من التصوير في اقل وقت، وفي تل ابيب كان قد حجز لي في فندق "السلام" على الكورنيش، اتصل بي محرر من جريدة "هآرتس" اسمه يوسف غازي وهو من اصل مصري، بمعنى ادق هو مصري يهودي، اتفقنا على ان يجري معي حواراً في الحادية عشرة صباحاً في الفندق. صحافي مصري؟ لقد زرت اسرائيل سبع مرات، لماذا لم اقابله؟ ولماذا لم يطلب هو مقابلتي من قبل؟ في الصباح جاء يوسف وجاء ديفيد ومعه "سنيورا" مساعدته وهي ايضاً زوجته كأي مصريين يلتقيان في بلاد الله، تكلمنا بالعامية المصرية، اخرج جهاز التسجيل، المكان الذي نجلس فيه مخصص لتناول طعام الافطار، بعد انتهاء النزلاء من تناول الافطار تفتح ابوابه المطلة على الكورنيش ويتحول على الفور الى مشرب "بار". ظهر الساقي وعلى الفور قام برص الزجاجات وتجهيز ادوات "البار" في جلبة ثم قام بتشغيل موسيقى صاخبة، تبادل يوسف الحديث معه بالعبرية. هل تتفضل وتوقف الموسيقى بعض الوقت. أنا صحافي من "هآرتس" سأجري حواراً مع السيد وسأقوم بالتسجيل؟ - هذا المكان الآن "بار". ولا بد من تشغيل الموسيقى في "البار". لا احد هنا غيرنا الآن. إذا جاء أي مخلوق وطلب الموسيقى فمن حقك ان تقوم بتشغيلها. - وظيفتي هي أن اقوم بتشغيلها في الحادية عشرة صباحاً بالضبط. حسنا. لا اطلب منك وقفها. انا اطلب منك فقط ان تخفض الصوت قليلا. - الموسيقى في البارات لا تكون منخفضة. كنت اتابع الحوار وانا اعرف بالضبط ما يحدث، لست في حاجة لإتقان العبرية لأدرك ما يحدث، هذا المشهد امتداد لمشهد المطار، شيء ما قد تغير في اسرائيل. انهيت المشهد بأن قلت: يا يوسف، انا صوتي قوي للغاية، ستسمعه على الشريط بسهولة. لا بأس بخلفية موسيقية صاخبة لحوارنا. دار الحوار بيننا، وفجأة باغتني يوسف بسؤال: لماذا رفض الكاتبان فلان وعلان في نابلس ان يتلقيا؟ اجبته: لست اعرف الاسماء التي تكلمني عنها، لعلها مشهورة هنا فقط. وهنا قال ديفيد بغضب: لماذا تذكر له ذلك؟ ما هي اهميته؟ انا لم ابلغه بذلك. تدخلت في الحديث: لقد قابلنا كتاباً آخرين في حيفا وفي عكا، وهم من اصحاب الاسماء اللامعة. بالتأكيد سيرفض عديدون مقابلتي، عرب ويهود... لكل حساباته التي يجب ان نفهمها وان نقدرها. وفي العام الماضي قال لي محمد الميعاري نائب سابق في الكنيست الاسرائيلي في ندوة عامة: لقد قرأت كتابك المليء بالرومانسية. انت لا تعرف شيئاً عن الواقع. كل هؤلاء الناس يرحبون بك، اما أنا، فلست ارحب بك هنا. وعلى الفور ثار العديدون ضده واضطروه الى الانسحاب من الندوة، استأت لذلك فقد تصرفوا كأفراد قبيلة أهين ضيف عليها، لم يأخذ الرجل فرصته لايضاح وجهة نظرة فحرموني بذلك من معرفة لماذا لا يرحب بي هنا. بالطبع كان يجب على يوسف ان يوجه هذا السؤال الى هؤلاء الذي رفضوا لقائي أنا وسامي ميخائيل. من المستحيل ان اكون على وعي بهذه الاسباب، الا اذا كان الهدف من السؤال هو تنبيهي انني هنا لست على الرحب والسعة بل على النفور والضيق. وهنا قلت: اسمع يا عزيزي يوسف. ليست لدي اجابة عن هذا السؤال، ولكن اسمح لي ان اسألك بدوري، لماذا رفض هذا الساقي ان يوقف الموسيقى ولماذا رفض حتى ان يخفض الصوت. وما هي دلالة ذلك في فندق يسمى "السلام"؟ هو ببساطة يشعر بالنفور مني ولا يرحب بوجودي هنا. واتصور ان ذلك حدث ليس بما هو مواطن اسرائيلي. ولكن بما هو عربي يهودي. هو عربي يشعر بالنفور من عربي آخر تصادف ان كان مصرياً. لقد سمعني اتحدث بالعامية المصرية فقرر ان يضايقني، وبالتأكيد رؤساؤه في الفندق سيقرونه على سلوكه والا ما كان جرؤ على ذلك. لماذا فعل ذلك؟ لماذا سلك السلوك المعيب الخالي من الذوق والكياسة في فندق يسمى "السلام" مع داعية مصري للسلام ومع صحافي في اكبر جريدة اسرائيلية؟ لا اعتقد ان لديك اجابة. دعني اقل لك انا الاجابة، هذا الرجل منذ شهور عدة كان من الممكن ان يعانقني ويطلب لي قهوة على حسابه، اما الآن يا يوسف فمن الواضح ان عجلة الكراهية قد بدأت بالدوران في شوارع اسرائيل. اخشى ان السلام لم يتبق منه سوى تلك اللافتة المرفوعة على واجهة الفندق، هل اجبتك الآن عن سؤالك لماذا رفض بعض الكتاب لقاءنا... سامي وأنا؟ قبل ان اغادر تل ابيب كان لا بد ان اقابل صديقي رسام الكاريكاتور "كيرشن" كنا عادة نلتقي في مقهى شهير هو "ل... ماما"، كان بيته قريباً من المقهى لدرجة انه كان يطل من نافذة غرفة المعيشة فيعرف من ينتظره على المقهى. المكان يذكرك بمقهى "ريش" القديم في وسط القاهرة، فنانون وكتاب وصحافيون يرتادونه وتديره سيدة فوق الستين لكنها شديدة العناية بزينتها، يناديها الجميع "ماما"، يأكلون ويشربون وليس مهماً ان يدفعوا الحساب الآن فوراً. بالضبط مثلما كان يحدث لنا في مقهى "ريش" ومقهى "ايزافيتش"، علقت سنيورا زوجة ديفيد: انا شخصياً لست احب هذا المكان. تكفيني ام واحدة، لست في حاجة لاقتناء ام جديدة. رحب بي "كيرشن". تعانقنا، تبادلنا عبارات الود ثم قلت له: كيرشن... أنا مكلف من "مركز دراسات ابن خلدون" في القاهرة بإلقاء محاضرة عنوانها "وصول الليكود الى الحكم، الاسباب والتوقعات" وأنا الآن اجمع المادة اللازمة لذلك... فما رأيك انت؟ تجهم "كيرشن" وقال وهو يحتسي شرابه دفعة واحدة: لقد اعطيته صوتي. فاجأتني الاجابة لكني تماسكت وسألته: هل كثيرون من زملائك اعطوه اصواتهم؟ أجاب: نعم... اعطوه اصواتهم ثم مارسوا النفاق. خرجوا من مراكز الاقتراع ليقولوا انهم اعطوا أصواتهم لبيريز. على الارجح كان ذلك هو السبب في ان العينة التجريبية قبل اعلان النتائج النهائية اعطت ارقاماً مضللة لصالح حزب العمل. واندفع "كيرشن" يتكلم في انفعال وغضب: ماذا اخذنا من سياسة حزب العمل؟ باصات تنفجر فتمزق اجسام البشر؟ ماذا اخذنا منكم؟ اي نوع من السلام هذا الذي تسميه سلاماً؟ بيريز يفكر في مشاريع شرق اوسطية، واقامة طرق سريعة للعواصم العربية؟ لست اريد هذه الطرق ولا هذه العواصم. انا اريد طرقاً وجسوراً تربطني بعواصم الغرب واليابان. انا جزء من هذا العالم المتقدم واريد ان اظل جزءاً منه. شعرت بالألم لكلماته لكني لم اقاطعه، كنت استمع اليه بينما ذهني يستحضر لقاءنا السابق عندما اصطحبني الى سوق الخضار في تل ابيب ويسمونه "السوق اليمني". الباعة يصيحون وهم ينادون على بضاعتهم وينادون على الزبائن في صيحات مرحة، كنا نتمشى في السوق بينما هو يقول لي بحماسة وفرحة: انظر... استمع. أليس مثل هذا السوق موجوداً في مصر وفي سورية وفي اليمن وتونس والمغرب؟ هذا السوق يؤكد اننا ننتمي لهذه المنطقة، وكان على حكوماتنا ان تهتم بهذا السوق وان تقدمنا لكم وللعالم من خلاله. المشهد الآن يتلاشى من خيالي بينما "كيرشن" يواصل حديثه في غضب وألم: نعم، الليكود سيأتي لنا بما نريده وهو الامن. امننا، بعد ان عجز حزب العمل على الحصول على السلام واضاع الامن، نحن الآن نركب الباصات باطمئنان، نعم، من يدري؟ قد تحدث تفجيرات اخرى، ولكن، من المؤكد اننا أكثر اطمئنانا على حياتنا حقا في عهد حكومة حزب العمل. يبدو ان "كيرشن" ادرك مدى الألم الذي تشعرني به كلماته فحاول ان يخفف عني بشرح مزايا لم تخطر على بالي، قال بصوت حاول ان يجعله ودياًَ: الليكود اكثر قدرة على تحقيق السلام، لأنه عند الوصول لتسويات سلامية تتطلب تنازلات، سيقوم بهذه التنازلات بغير معارضة لسياسته. ان تطرفه يجعله أكثر قدرة من اليسار على تحقيق السلام والامن معاً. انتهى اللقاء، حاول كل منا ان يكون ودوداً مع الآخر، ولكن، من الواضح ان كلينا استولت عليه مرارة غامرة. اتخذت طريقي الى المطار عائداً الى القاهرة. حاول ديفيد التخفيف عني فأخذ يشرح لي الموقف في ضوء نظرية الصراع الطبقي: هو يرسم لعشرات المجلات والجرائد هنا وفي اميركا واوروبا. هو ينتمي لطبقة ثرية ترى نفسها غريبة عن هذه المنطقة وليست على استعداد للدفاع عن السلام. ولكني اؤكد لك ان وجهة نظره لا تعبر عن غالبية الشعب الاسرائيلي. كنت اشعر باحباط شديد يمنعني من مناقشة ما يقوله ديفيد، ان خطورة ما يقوله "كيرشن" تنبع من ان الضحك مهنته، والايام علمتني ان آخذ بجدية كاملة هؤلاء الذين يكون الضحك صنعتهم، هم لا يعبرون عن ذواتهم فقط بل عن حركة العقل الجمعي، وما يقوله مؤشر حقيقي لما سيحدث داخل اسرائيل بما يمثله ذلك من انعكاسات على المنطقة ككل في السنوات المقبلة - وهو ما حدث بالفعل - دارت خطوات السلام حول نفسها في مكانها، كل الاطراف مارست العنف والكذب على كل الاطراف بدافع من انعدام الرؤية وانعدام الثقة في الذات وفي الآخر، وتراجعت حقوق الانسان كيلو مترات عدة الى الوراء. عجزت كل الاطراف عن الانتقال الى اللحظة التالية لافتقارهم الى تصور مسبق لتلك اللحظة المطلوبة او الموعودة او لانعدام الرغبة في الانتقال الى تلك اللحظة. يا عزيزي "كيرشن". انت تريد جسوراً تربطك بالعالم المتقدم، وأنا والله يا أخي اريد ذلك واتمناه، غير انه من سوء حظك وحظي اننا نسكن هذه المنطقة التي تمزقها الكراهية والجهل، بالطبع انا لا استثني اسرائيل من ذلك، والفرق الوحيد بيننا وبينكم في الدرجة وليس في النوع، وانا وانت عاجزان عن مغادرتها وبذلك لا مفر من مواصلة طريقنا، طريق السلام لجعلها اكثر أمنا وطعاماً وموسيقى وصحة وابداعاً... وضحكات. اريدك ان تلاحظ الصلة الوثيقة بين السلام الذي يعني بالنسبة إلي حقوق البشر، ومهنتنا، الكاريكاتور، والكوميديا المسرحية. هل تتصور اننا سنكون قادرين على انتزاع الابتسامات من جمهور امتلأ بالرعب والكراهية والمرارة؟ والآن بعد ان مر عامان على لقائنا الاخير، عامان من التعاسة على اهلي واهلك، والآن بعد ان تقطعت الطرق بيني وبينك، تلك الطرق التي اخبرتني من قبل انك لست في حاجة اليها، اسألك هل وجدت طريقاً او ممراً آمنا الى الغرب المتقدم يحميك من هذه المنطقة التعسة؟ إذا كنت قد وجدته فمن فضلك ابلغني به فوراً لكي اسير عليه وألحق بك الى هناك. اعرف ان ما سأقوله سيدخل في باب السباحة ضد التيار، وهذا امر لا يزعجني فقد مارستها طوال حياتي، لست اذكر انني سبحت يوماً مع التيار، ربما اكون قد ركبت احيانا قارب نجاة مع الآخرين يمشي في اتجاه الرياح السائدة، ولكني بالقطع لم اشترك في التجذيف ولم ارفع الشراع او اساعد على رفعه الامر المؤلم حقاً هو ان تسبح ضد التيار في بحر امتلأ باسماك القرش من انواع كنت نظنها انقرضت. الاسرائيليون هنا ونحن هنا، وعدم الاعتراف بوجودهم يحمل في ثناياه الشك في وجودنا نفسه، علينا ان نقطع في اتجاههم اطول مسافة في العالم وهي الوصول الى منتصف الطريق، لا توجد تسويات مفرحة لكل الاطراف، علينا فقط ان نجعلها اقل كآبة، المدخل الوحيد الناجح للتفاوض هو ان تكون حقوق الانسان الفرد هي البند الرقم واحد، اللاعبون الاساسيون في مباراة السلام هم الوحيدون المكلفون والقادرون على إحراز الاهداف، حكومات المنطقة فقط هي القادرة على الوصول الى السلام الذي سيظل زائفاً بغير الحرية والقدرة على التنمية ثقافة السلام هي نفسها ثقافة الحرية والمستأسدون دفاعاً عن الاستبداد عاجزون عن ممارستها. نخدع انفسنا عندما نتصور ان اميركا او اوروبا او "الجن الازرق" قادر على "إرغامنا" على السلام، اليتامي فقط هم الذين يحق لهم البحث عن اوصياء اقوياء يحسمون لهم امورهم، اللجوء الى اطراف اخرى ليعملوا لنا قضاة او محامين او وكلاء نيابة يخفي عجزاً كبيراً ورغبة اكيدة في الهروب من المسؤولية، مسؤولية اتخاذ القرار، وهي ايضا لعبة سياسية سخيفة تحمل شبهة ان يكون الهدف منها هو الايحاء لشعوبنا - عند الوصول الى تسوية - اننا قد أُرغمنا عليها من اطراف اقوى، وبذلك تستمر حالة الحرب العقلية في المنطقة الى الأبد، ويستمر الاستبداد وتنتعش الاصولية عندهم وعندنا اكثر وأكثر. * كاتب مصري.