يواجه خط أنابيب نفط مقترح تنوي شركات "اكسون" و"شل" و"الف اكيتان" مدّه بين جنوبتشاد ومرفأ كريبي في الكاميرون، صعوبات جديدة قد تؤخر تنفيذه. اذ ان المعارضة الشديدة التي تبديها المنظمات الدولية غير الحكومية على ما قد يسببه المشروع من ذيول سلبية بيئية واجتماعية، شجعت الاطراف المنادية بضرورة الحرص على البيئة في اوساط البنك الدولي الذي يفترض ان يوفر المال الرئيسي لهذا المشروع. وكان مقرراً رفع اقتراح تمويل المشروع الى المجلس التنفيذي في البنك الدولي الشهر الجاري، لكن شركة "اكسون"، التي ترأس المجموعة الدولية، اخفقت في الالتزام بمعايير البنك الدولي الصارمة في شأن الذيول السلبية التي يخلّفها المشروع على البيئة وعلى سكان المناطق التي سيمر فيها خط الأنابيب المقترح. وقال فيليب بنوا، المسؤول عن المشروع في البنك الدولي، لپ"الحياة" ان على "اكسون" ان تقدم وثائق اضافية لارضاء الحريصين على البيئة في البنك الدولي، ولاقناعهم بوجود خطة لمعالجة اي تسرب قد يحدث من خط الأنابيب، ولمعالجة بعض المسائل المرتبطة بخط سير الأنابيب وبتعويض سكان المناطق التي يعبرها الخط. وأضاف: "يتعين على المسؤولين في البنك القيام بدراسة تقويمية مستقلة وعلمية ترمي للتأكد من ان ما يحدث على الأرض وما في الوثائق الرسمية، يعكس سياسة حماية البيئة". وتوقع بنوا ان يستغرق التوفيق بين خطط المجموعة الدولية وسياسات البنك الدولي الخضراء بين ثلاثة وخمسة اشهر. لكن كورينا هورتا، الخبيرة الاقتصادية، الناشطة في صندوق الدفاع عن البيئة، تعتقد ان حل الخلافات سيستغرق ستة اشهر على الأقل. وزاد الامر سوءاً المآسي التي شهدتها اخيراً كل من كولومبياونيجيريا، مما عزز حجة المعارضين وتصميمهم على وجوب تقيد المشروع بالمعايير البيئية الصارمة، وقيام البنك الدولي بفرض شروطه الصارمة الخاصة بالشفافية ومكافحة الفساد لضمان مساهمة العائدات من المشروع في خفض مستوى الفقر. يذكر ان المشروع يشكل جزءاً اساسياً من مشروع اكبر تبلغ كلفته 3.5 بليون دولار ويهدف الى تطوير ثلاثة حقول نفطية في منطقة حوض دوبا في جنوبتشاد. ويتوقع ان تنتج هذه الحقول 225 الف برميل في اليوم يتم نقلها الى الأسواق الدولية عبر خط الأنابيب المقترح بحلول اواخر السنة 2001. وتشرف على تنفيذ المشروع مجموعة من الشركات تضم "اكسون" 40 في المئة و"شل" 40 في المئة و"الف اكيتان" 20 في المئة، وتعتمد على تمويل اضافي من البنك الدولي. ويعتبر البنك المشروع فرصة فريدة لتغيير الأوضاع في اثنين من اكثر البلدان الافريقية فقراً. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون في البنك بأن المشروع سيوفر للحكومة التشادية عائدات اضافية هي في أمسّ الحاجة اليها، لانفاقها على خفض مستوى الفقر والبرامج الصحية والتربوية والتأهيلية. كما ستحصل الكاميرون على نحو 40 مليون دولار سنوياً مقابل السماح لخط الأنابيب بعبور اراضيها، يتم انفاقها لتسديد ديونها. ولكن المنظمات الدولية غير الحكومية، وبينها صندوق الدفاع عن البيئة الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، ترى ان ضمانات البنك الدولي تفتقر الى الصدقية نظراً الى عدم التزام اي من هذين البلدين في السابق خفض مستوى الفقر ومحاربته، وان النخبة فيهما غالباً ما تحتفظ بالثروة لنفسها وتحرم شعبها من أي مال. وتعتبر ثقة المانحين في حكومة تشاد ضئيلة جداً بحيث وُضعت الخزانة التشادية تحت سيطرة شركة سويسرية. كما ورد تقرير صادر عن البنك الدولي عام 1995 تساءل حول رغبة حكومة الكاميرون الفعلية في معالجة مسألة الفقر في بلادها، وتضمن التقرير انتقاداً شديداً لادارتها المالية. وتقول هذه المنظمات ان خط الأنابيب الذي يبلغ طوله الف كيلومتر يشكل كارثة بيئية وانسانية، اذ انه يمر عبر وادي امبيري ريفت في شمال الكاميرون، ويعبر غابة دينغ دينغ في شرقها، اضافة الى مخازن الماء الجوفية الرئيسية ما قد يتسبب في تلويث المياه الجوفية وفي حدوث تسرب نفطي خطير في المنطقة الساحلية من الكاميرون. وتضيف المنظمات ان خط الأنابيب المقترح قد يؤدي الى كارثة بيئية مشابهة لما يحدث في دلتا نهر النيجر حيث ادى تسرب نفطي من خطوط الانابيب هناك الى ضرر بيئي فاحش، اضافة الى اضطرابات اجتماعية مرافقة للاعتداء على حقوق الانسان. كذلك ادلت منظمة العفو الدولية بدلوها في الموضوع. اذ اعربت عن القلق من التجاوزات التي ترتكبها الحكومة التشادية، خصوصاً بعد سجن عضو البرلمان المعارض انغارليغي يورونغار لثلاث سنوات بسبب انتقاده للمشروع، اضافة الى تفجر حوادث شغب في المنطقة ادت الى مقتل 80 مدنياً على أيدي قوات الأمن قبل عام ونحو 100 مدني في آذار مارس الماضي. وليس الوضع في الكاميرون افضل حالاً. اذ ينتقد تقرير وزارة الخارجية الاميركية السنوي حول حقوق الانسان الحكومة الكاميرونية لارتكابها مخالفات خطيرة لحقوق الانسان. ومنذ فترة قصيرة صنّفت هيئة الشفافية الدولية الكاميرون على رأس الدول الاكثر فساداً في العالم. وأعربت هورتا عن اعتقادها بأنه ينبغي على البنك الدولي ان يأخذ هذه الامور في الاعتبار، لأن هذين البلدين سيشهدان مشاكل بيئية كبيرة ولن يستفيدا من أية وظائف او اي شيء آخر". وأشارت هورتا ان المواطنين ينتظرون الكثير من المشروع خصوصاً في مجال ايجاد فرص العمل، وتوافر الوقود، الا ان المشروع سيوفر نحو 250 فرصة عمل فقط في الكاميرون، فيما سيصدر الوقود المستخرج الى الخارج بكامله، وهذا ما قد يشجع السكان المحليين على تخريب الانابيب بغية الحصول على حاجتهم من الوقود، وبالتالي يعزز فرص حدوث تسرب نفطي يلوث المياه الجوفية وقوع انفجارات وضحايا بشرية كما حدث اخيراً في نيجيريا. وركز معارضو المشروع على البنك الدولي ونجحوا في تحدي سياساته الخاصة بالبيئة والتنمية في الاعوام القليلة الماضية. ومن المقرر ان يقدم البنك نحو 120 مليون دولار من القروض بواسطة البنك الدولي للاعمار والتنمية، واستثمارات بقيمة 250 مليون دولار بواسطة مؤسسة التمويل الدولية، التي ستلعب دوراً رئيسياً في جمع نحو بليون دولار من الاسواق المالية الدولية للمشروع. ويقول المعارضون ان المهم ليس تمويل البنك، بل الضمان ضد المخاطر السياسية التي تمثلها مشاركة البنك في مشروع ينفّذ في مناخ سياسي محاط بالخطر. وتحتاج شركات النفط الى هذا الغطاء الدولي لتضمن تلقي الدعم من الاسواق المالية، ومن وكالات ضمان التصدير في الولاياتالمتحدة وفرنسا. وينتقد المعارضون مشاركة البنك فيه باعتبارها تمثل دعماً لرفاه الشركات. ويقول "اصدقاء الأرض" ان فوائد تسعة اعشار المشاريع، الخاصة بالوقود الذي لا يمكن تعويضه، تعود بالنفع على الشركات الدولية التي ينطلق نشاطها من دول غنية. ومن هذه المشاريع مشروع "اكسون شل". ويشير "اصدقاء الأرض" الى ان ارباح "اكسون" السنوية، عام 1996، كانت أربعة اضعاف موازنة الكاميرون وأربعين ضعف موازنة تشاد.