لمناسبة الذكرى العاشرة لأحداث اكتوبر - الجزائرية - تناول الكاتب عبدالإله بلقزيز في مقاله: "مقاربات مستعجلة لأسئلة مؤجلة حول علاقة الإسلام والجند منذ الاستقلال" صفحة "افكار" 10/10/1998، احداث الجزائر من منطلق بحثي، سواء بذكره للازمة وتفصيلاتها ونتائجها، او بمحاولة توجيه الاهتمام الجزائري حول البحث في خلفيات الصراع الدائر. وكان بلقزيز محقاً في كل ما ذهب اليه، خصوصاً انتهائه الى طرح السؤال التالي: لماذا بات الصراع السياسي في الجزائر بين الثكنة والمسجد، بين الضباط والفقهاء؟. فهل فعلاً الصراع على النحو السابق؟. تبدو الصورة في الجزائر، وحسب المعطيات المتوفرة ظاهرياً، وكأنها صراع حقيقي بين المؤسسة العسكرية، والإسلاميين. او بالأحرى بين المسجد كقطب الرحى، وملجأ المستضعفين، وبين القوة العسكرية، وما يحمله مفهوم القوة من جبروت وطغيان، لكن بالتعمق في الازمة الجزائرية نجدها غير ذلك، انها باختصار تدور حول السبل الكفيلة ببقاء الدولة من عدمها، فلا الاسلاميون يريدون ان يظل النهج السابق للتسيير قائماً، ولا العسكريون يقبلون افكار الاسلاميين، وبالذات اطروحات التغيير بالقوة. فالطرفان يريدان الاستيلاء على افكار وارضية الآخر، والصراع ليس بين ايهما متمسك بالدين، ولكن بأيهما يريد ان يحتكر الدين فقط في مقابل ان يحتكر الآخر القوة فقط. وهكذا تبدو الصورة ممثلة لصراع بين قوتين، قوة رجال الدين، وقوة العسكر، وهذا يعني ان الخلاف ليس من اجل تحقيق المشروع الديني - إن جاز التعبير - ولا من اجل كسب القوة، وانما هدفه استحواذ كل طرف على ما يملكه الآخر من وسائل تدعمه وتجعله يواصل طريقه زاحفاً نحو مكان الآخر. لا يمكن ان ننفي ان كليهما في حاجة ماسة الى الآخر، لكن عدم الاعتراف بالحاجة قلل من فرصة الوصول الى نتائج ذات أهمية، ومع ذلك - ورغم وجود اتباع لهذا الفريق او ذاك - فإنه ليس صحيحاً ان المؤسسة العسكرية في الجزائر تحوّلت الى فريق سياسي في الصراع الداخلي، ولا الاسلام تحول من عقيدة لكل الشعب الى ايديولوجية لهذا الفريق الحزبي او ذاك، بدليل ان الجيش في حربه ضد الارهاب يحظى بتأييد كل القوى السياسية، وان الاحزاب الاسلامية موجودة في السلطة، والاكثر من هذا ان الشعب ازداد تشبثاً بدينه، بل تمكن من التمييز بين الاسلام كعقيدة وبين التوظيف السياسي للاسلام. واذا كان الجيش يواجه الآن الجماعات الارهابية، وكان من المفروض، وهو ما ذهب اليه الكاتب عبدالإله بلقزيز ألا يستعير دور الشرطة واجهزة الامن وهو محق في هذا، إذ ان لذلك خلفياته التي تعد احداث اكتوبر احدى المرجعيات الأساسية لها، لجهة ان الجيش طرح على نفسه في تلك الاحداث بعد ان حُطمت المحلات والمتاجر، ودُمرت مؤسسات الدولة، ما المطلوب منه تحديداً: هل عليه ان يواجه تمرد الشعب، ام يترك الامر لأجهزة الامن الاخرى؟ وكانت الاجابة طبعاً بالمشاركة، وكان هدف الذين اشعلوا البلاد ايضا هو اشراك الجيش في تلك المأساة ثم تحميله المسؤولية، وتوالت الاحداث بعد ذلك، ووجد الجيش نفسه يدخل مرات اخرى في خضم المعركة السياسية، ومن ذلك الاضراب السياسي للانقاذ في صيف 1991، واستقالة الشاذلي بن جديد في 1992، انتهاء بعمليات التمشيط المستمرة. إذن من الواضح ان هناك دفعاً مقصوداً للجيش، ومحاولة إفراغ لمشروع الاسلاميين، لذلك فإن الاسئلة التي طرحها الكاتب بلقزيز لا تعود كما يرى الى الاستقلال، وانما الى احداث اكتوبر الذي انطلق منها في التحليل. واذا نظرنا اليها من هذا الجانب فإنها تصبح مشروعة، ولا تتطلب إجابات فقط، ولكن تتطلب عملاً تغييراً فعالاً من طرف كل القوى الجزائرية، خصوصاً جماعة الإسلاميين الذين يؤيدون العنف، والعسكريين الذين يرفضون تدمير الدولة لمصلحة هذا الفريق او ذاك. وكلاهما، من أجل تجاوز الأزمة الحالية، محتاج الى ثقافة نوعية حتى يفهم ما يطرحه الآخر، فالجيش محتاج الى التفقه في الدين، والإسلاميون يحتاجون الى التفقه في الحياة ومعرفتها، بل معرفة التاريخ الجزائري، اما بالنسبة الى الايمان فلا نقاش عليه، فكلاهما يدّعيه. * كاتب وصحافي جزائري مقيم في مصر.