يزداد بإطراد عدد المعلنين وكبار العاملين في وسائط الاعلام تساؤلاً عما إذا كان الناشطون في تصفح انترنت باتوا أقل مشاهدة للتلفزيون وذلك بالنظر إلى أن عدد الذين يستخدمون انترنت يومياً صار يُعد بعشرات الملايين. وكشف عدد من الدراسات بالفعل أن الذين يكثرون من استخدام انترنت يقولون إن الوقت الذي يمضونه وهم على اتصال بانترنت يقلل من مشاهدتهم للتلفزيون أكثر مما يقلل من الوقت الذي يكرسونه لأي نشاط آخر. لكن هؤلاء يقولون أيضاً ان انترنت تقلل من الوقت الذي كانوا يمضونه في القراءة والتحدث إلى اصدقائهم والنوم. وكشفت دراسة، أجرتها الشهر الماضي مؤسسة "نيلسن ميديا ريسيرش" لحساب شركة "أميركا أون لاين"، ان الأسر التي تستخدم انترنت تشاهد التلفزيون 15 في المئة أقل من الأسر التي لا تستخدم انترنت. ويذكر ان هذه "الحقيقة" كانت موضع اهتمام كبير، لكنها لم تقدم الأدلة على أن استخدام انترنت كان السبب في تدني مشاهدة التلفزيون. اثبات العكس ويبدو أن أبحاثاً كثيرة أخرى تكشف العكس، أي أن مشاهدة الناس للتلفزيون تزداد فيما يزدادون تصفحاً لانترنت. وتدل هذه الأبحاث على أن عدداً كبيراً من الناس يتصفح انترنت ويشاهد التلفزيون في الوقت نفسه. وتؤيد نتائج دراسة جديدة أجريت بتكليف من شركة "ديسكافوري نتوركس" التي تشغل قنوات تلفزيون الكابل المهتمة بالعلوم في المقام الأول، ما يقوله البعض من أن تصفح انترنت لا يقلل من الوقت الذي يمضيه الناس في تصفح القنوات. والمعلوم ان "ديسكافوري نتوركس" جزء من شركة "ديسكافوري كوميونيكيشنز انك". وخلصت دراسة "ديسكافوري"، التي درست بعمق أكبر المعطيات نفسها التي استخدمتها شركة "اميركا اون لاين" إلى ان مشاهدة المراهقين دون العشرين من العمر التلفزيون تراجعت، بينما ازداد الآخرون كلهم استخداماً للتلفزيون بعدما بدأت الأسر الأميركية باستخدام انترنت. وكانت هذه النتيجة منسجمة ومتناغمة مع دراسة جرت بتكليف من شركة "إم. تي. في. نتوركس" التابعة لشركة "فياكوم انك". ونشرت في حزيران يونيو الماضي. وتقول بتسي فرانك، نائبة الرئيس المسؤولة عن الأبحاث في شركة "إم. تي. في. نتوركس": "في اعتقادنا ان استخدام وسائل الاعلام يؤدي الى مزيد من هذا الاستخدام، فالناس لا يتخلون عن مشاهدة التلفزيون لأنهم يشاهدون انترنت، فما يجري هو انهم يزيدون استخدامهم للتلفزيون وانترنت معاً". وكانت دراسة "إم. تي. في. نتوركس" طلبت من 25 ألف شخص ان يدوّنوا يومياتهم في مجال استخدام وسائل الاعلام. وقال الذين سبق ان قالوا إنهم يستخدمون انترنت على نحو مكثف انهم يشاهدون تلفزيون الكابل أكثر من المتوسط، ويقرأون من الكتب أكثر مما يقرأ منها الشخص المتوسط العادي. ازدياد والحقيقة هي أن عدداً كبيراً من الدراسات يكشف الآن ازدياداً في ما بات يُعرف بتعدد المهمات المنجزة، أي تصفح انترنت، ومشاهدة التلفزيون وإعداد طعام المساء والتحدث عبر الهاتف وذلك كله في الوقت عينه. وتقول فرانك إن هذه الظاهرة تأكدت في الرابع عشر من أيار مايو، أي ليلة بث آخر حلقة مسلسل "سنفلد" التي ازداد فيها عدد مشاهدي التلفزيون إلى حد بعيد، فيما ازداد فيها أيضاً تصفح انترنت على حد ما أشارت إليه دراسة قامت بتنفيذها شركة "رلفنت نولدج" الناشطة في مجال الابحاث من بلدة أطلطنا. وكشفت الابحاث أيضاً ان تهديدات أخرى محتملة للتلفزيون، مثل كاسيتات الفيديو ومسجلاتها وألعاب الفيديو، لم "تتبلور" ولم تقلل من مشاهدة شبكات التلفزيون وتلفزيون الكابل. فالناس يستخدمون مسجلات كاسيتات الفيديو لتسجيل برامج تلفزيونية يخشون من أن يحرموا من مشاهدتها في الوقت الذي تُبث فيه، ما يعوض أي تراجع في مشاهدة التلفزيون من أناس يشاهدون الافلام السينمائية المسجلة مسبقاً، على حد ما يقول بول ليندستروم، أحد نواب رئيس شركة "نيلسن". ومما فاجأ الباحثين أكثر من غيره أن ألعاب الفيديو زادت عدد أجهزة التلفزيون الموجودة في المنزل العادي وعززت إلى ذلك مشاهدة التلفزيون. مسلسلات ويقول ليندستروم: "قبل نزول ألعاب الفيديو إلى الأسواق كان الأحداث يشاهدون مسلسلات مثل فيلنتستون بعد عودتهم من المدرسة مساء وفي غرفة الجلوس في المنزل. وعندما تشتري إحدى الأسر ألعاب فيديو تشتري أيضاً وغالباً جهاز تلفزيون تضعه في الغرفة المخصصة للأولاد، ما يعني ان بوسع الأولاد ان يشاهدوا التلفزيون عندما يرغبون في ذلك، وأن بوسع الأبوين مشاهدة ما يرغبون في مشاهدته في الوقت نفسه، أي بعد الظهر أو في مطلع الأمسيات". وهذه النتائج ذات أهمية كبيرة لشبكات التلفزيون ولخدمة انترنت وللمعلنين الذين بات عليهم ان يختاروا "القناة" التي يعلنون بواسطتها. والمعلوم ان الابحاثي أقامت الدليل على أن التلفزيون هو أقوى وسيط في التاريخ لبيع المنتجات. خشية ويخشى عدد كبير من المصالح من أن سرعة نمو انترنت قد تجتذب الناس لها وتحولهم عن أجهزة التلفزيون، خصوصاً أن الاعلان الفوري اون لاين لم يبرهن عن فعاليته حتى الآن في بيع عدد كبير من المنتجات الاستهلاكية. ومما لا شك فيه أن الأميركيين يصرفون نسبة كبيرة من الوقت المتاح لهم في مشاهدة انترنت أو تصفحها، فالمشاركون في "أميركا أون لاين"، البالغ عددهم 13 مليون نسمة، يمضون في المتوسط 45 دقيقة من كل يوم في تصفح انترنت. وهذا ما جعل الأوساط المعنية تهتم بدراسة شركة "أميركا أون لاين" التي أظهرت أن الأُسر التي تستخدم انترنت تقلل من استخدامها للتلفزيون. لكن عدداً كبيراً من خبراء الاعلام يقول إن الدراسة المشار إليها تجاهلت متغيرات ديموغرافية مهمة. ثقافة وتقول لين بولجر، كبيرة نواب رئيس "اي بي ال ديجيتال" التابعة لمجموعة "انتربابليك غروب اوف كوس": "الذين يستخدمون انترنت هم أكثر ثقافة وثروة من باقي الأميركيين في المتوسط. وهؤلاء لم يكونوا قط من الذين يستخدمون التلفزيون على نحو كبير أو مكثف". وتعترف شركة "أميركا أون لاين" بأن دراستها كانت محدودة. ويقول مارشال كوهين، كبير نواب رئيس شركة "أميركا أون لاين" المسؤول عن تطوير مكانة الاسماء المسجلة: "اعتقد ان الناس يستخدمون أون لاين على حساب استخدامهم للتلفزيون. وإذا سئلت عن إقامة الدليل على ذلك أجيب بأننا لم نشهد حتى الآن نتائج حاسمة من أي دراسة". رصد ومما لا شك فيه أن الدراسة المثلى ترصد أو تدرس استخدام الناس للتلفزيون قبل أن يبدأوا استخدام انترنت ثم بعد ان يكونوا بدأوا باستخدامها. وحتى الآن لم يجر أحد دراسة من هذا القبيل على رغم ان دراسة نيلسن ديسكافوري اقتربت من هذا الاسلوب في البحث، ففي تشرين الأول اكتوبر 1996 ثم في الشهر نفسه من عام 1997 التالي، سبرت هذه الدراسة استخدام التلفزيون في 2218 منزلاً يشارك ساكنوها على نحو دائم في تقييم برامج التلفزيون ومدى مشاهدتها لحساب نيلسن. وفي عام 1996 لم تسأل نيلسن المشاركين في دراستها ما إذا كانوا يستخدمون انترنت ولهذا لم تميّز الدراسة بين الذين كانوا يستخدمون انترنت منذ فترة من الزمن وبين الأسر التي شاركت في استخدام الشبكة الدولية للمرة الأولى بين عمليتي السبر بين تشرين الأول 1996 وتشرين الأول 1997. وبالنظر إلى أن استخدام انترنت كان يزداد في طول الولاياتالمتحدة وعرضها في خلال تلك الفترة، قدرت دراسة "ديسكافوري" ان 40 في المئة من الذين كانوا يستخدمون انترنت عام 1997 بدأوا هذا الاستخدام للمرة الأولى بعد سبر عام 1996. فالأسر التي قالت لنيلسن، عام 1997، إنها تستخدم انترنت زادت استخدامها للتلفزيون 8،1 في المئة على ما كان عليه عام 1996 بينما زاد المشاركون كافة في الدراسة استخدامهم للتلفزيون بنسبة 3،1 في المئة. ويقول ستيف ماكغووان، مدير الابحاث في "ديسكافوري": "لم يكن القياس أو السبر ممتازاً مكتملاً، لكن لو كان تصفح انترنت يتم على حساب مشاهدة التلفزيون لكان علينا ان ننتظر تراجع مشاهدة التلفزيون لكن العكس هو ما حدث بالفعل". ولم تكشف دراسة "ديسكافوري" تراجعاً في المشاهدين الذين تراوح أعمارهم من اثني عشر عاماً إلى أربعة وعشرين عاماً. ففي المنازل التي تستخدم انترنت تراجع استخدام التلفزيون من هؤلاء المشاهدين، الأصغر سناً نسبياً، بنسبة 8،6 في المئة بين عامي 1996 و1997، بينما بقي استخدام هؤلاء "الصغار" للتلفزيون على حاله إذا كانت انترنت لم تدخل منازلهم بعد.