تكاد شخصية المواطن الجنوبي تلبس الفنان اللبناني منير كسرواني، فهو يؤدّيها من دون تصنّع، بإتقان وعفوية كبيرين مجيداً إظهار هموم الجنوبي البسيط المرتدي سروالاً وعقالاً والمغني لكل موقف حداء وعتابا. ومثل كسرواني أيضاً الممثلة ميراي بانوسيان تلبستها شخصية المرأة الجنوبية التي تتنقل بها بين المسرح والتلفزيون. ورفعت الستارة، ليل أول من أمس، حين افتتح كسرواني عروض مسرحيته الجديدة "فوق الدكة" في مسرح "بيكاديللي" لتظهر "إسماعين ل" كسرواني وزوجته "أم طعان" بانوسيان في موقف للسيارات في بيروت عائدين إلى بلدتهما صفد المقتة البطيخ في الجنوب بعدما أمضيا أسبوعين في زيارة ولدهما الذي أنجب طفلاً. في الموقف سائق غير لبناني، يستقلان سيارة الأجرة ويسمعان موجز أخبار فيطمئنان إلى أن قريتهم لم يطاولها قصف الإحتلال الإسرائيلي ثم يطلبان من السائق أن يسمعهما أغنية تفرحهما "على ذوقه" فيضع أغنية "يا مال الشام" ... فيعترضان قائلين "أغنية على ذوقنا"، فيرمقهما بازدراء ويقول "مو على عيني" ويعيد "يا مال الشام" رافعاً صوت المذياع. يصلان إلى منزلهما ليجداه مستباحاً، إذ حفرت في وسطه بئر، وبعثرت محتوياته، وجلبة مصوّرين وصحافيين، لا أحد يردّ عليهما أو يوضح لهما ماذا يجري، تزداد الجلبة والصراخ، صراخ "إسماعين" و"أم طعان" التي لا يستهان بصوتها، وصوت المخرجة على فريق عملها ليزداد اهتمامه في تصوير "الفسيفساء الرومانية" النادرة التي عثر عليها في المنزل ولا مثيل لها في كل العالم إذ لاءمها مناخ منزل إسماعين وبقيت على حالها. العالِم الذي نقّب واكتشف "الفسيفساء" في المنزل، بعدما ظهرت معالمها على أثر سقوط قذيفة إسرائيلية، يقيم في المنزل ليحرس إكتشافه العظيم من غضب إسماعيل الذي همّ ليكسرها بعدما قال له العالِم أن البيت لم يعد ملكه بل هو للمجتمع الدولي. فيقول له إسماعين "بدي إكسرها". فيقول العالِم "تذهب بعدها إلى السجن"، فيردّ عليه "شو هيدي أول لوحة بتتكسّر؟ روح شوف الجرّافات شو عمتعمل ببيروت". فيشكو إلى وديع الصافي الذي ينطلق صوته بأغنية "لبنان يا قطعة سما". وفي المشهد الثاني تزداد الحال سوءاً ويتنادى السماسرة إلى منزله من كل حدب وصوب، فبعضهم يريد بيع اللوحة في أوروبا بمليون دولار ويشاطره المبلغ وبعضهم، من ملّته ومشربه "كان حماراً وأصبح الآن فهيماً" ويحاول إغراءه بتقديم طلب للترميم ويعطيه نصف المبلغ، وبعضهم عيّن "ماترناجور" على البئر الرومانية ويدفع إسماعيل إلى الغرق به ليحافظ على وظيفته وبعضهم يريد إقامة مهرجان فولكلوري قرب الآثار. كلهم ينظرون إلى مصالحهم ولا أحد ينظر إلى مصلحة إسماعيل وزوجته فيُطردان من منزلهما ويتركاه للمستفيدين ويقول إسماعين "فوق الدكّة" فتردف أم طعان "الحالة بتبكّي". وكل المواقف الطريفة في المشاهد مبنية على عدم فهمه مفردات البروفسور والمخرجة، وحنقه أحياناً مع زوجته من الوضع وإطلاقهما مفردات بعفوية وبلكنة جنوبية عذبة وسط ديكور كان لافتاً تطوره وإتقانه في مسرح كسرواني. وهو من تنفيذ غازي قهوجي والإخراج لبيرج فازيليان.