في نهاية الاسبوع الماضي قررت هيئة التحكيم الدولية الخاصة بالنظر في النزاع اليمني - الاريتري على جزر في البحر الاحمر ان تكون لليمن السيادة على مجموعة من الجزر في مقدمها حنيش الكبرى التي تحتلها قوات اريترية منذ نهاية 9951، وقررت في المقابل سيادة اريتريا على مجموعة اخرى من الجزر في المنطقة نفسها قرب باب المندب، في نقاط تقع في منتصف البحر الاحمر بين البلدين. الحكومة الاريترية جددت يوم صدور الحكم التزامها تنفيذه. يوسف خازم يستعرض تجربة التحكيم ونتائجها: قامت الدنيا ولم تقعد في كثير من الدول العربية عندما اعلنت صنعاء "سقوط جزيرة حنيش الكبرى في ايدي القوات الاريترية" منتصف كانون الاول ديسمبر 1995. وعلى رغم موافقة طرفي النزاع، بعد نحو خمسة اشهر من الازمة، على تسليم موضوع النزاع الى هيئة تحكيم دولية فإن الحملة العربية استمرت ضد اريتريا التي اُلصقت بها كل التهم والنعوت، بدءاً ب "الدولة ذات الطموح التوسعي للسيطرة على البحر الاحمر" و"اسرائيل الثانية في افريقيا" وصولاً الى "التنسيق مع الصهيونية والامبريالية لمحاصرة الامة العربية". وبعد اربعة ايام على صدور قرار التحكيم في التاسع من الشهر الجاري وتجديد اريتريا التزامها تنفيذه، طار وزير الخارجية اليمني عبدالقادر باجمال الى اسمرا الثلثاء الماضي واعلن منها تطبيع العلاقات بين البلدين وإعادة تسيير الرحلات الجوية وفتح ملف التعاون في كل المجالات بينهما. ربما كان الدرس الاول من هذه التجربة ان بعض العرب ما زالوا يعيشون عصر الشعارات والانجرار خلف العواطف في معالجة قضايا استراتيجية على طريقة "اليمن دولة عربية! إذاً نقف معها ضد اريتريا التي زار رئيسها اسرائيل... وهي المعتدية والتوسعية الخ...". كأننا ما زلنا نعيش في عهود القرصنة البحرية. وعملاً بهذا الاعتقاد الذي ينم عن بساطة ساذجة قيل، في ما قيل، ان اساياس افورقي يملك "حلماً للسيطرة على البحر الاحمر وابتلاع العرب". وكان جل ما يريده الاريتريون بسيطاً وواضحاً جداً، وهو انهم يعتقدون بأن هذه الجزر التي تقع وسط البحر بين اريتريا واليمن تعود اليهم، تماماً كما يعتقد اليمنيون انها تابعة لهم. والواقع اظهر لاحقاً ان الطرفين كانا يستخدمان هذه الجزر التي لم يحدد اي من الاتفاقات الدولية حول البحر الاحمر هويتها. لذلك بادرت اريتريا الى اقتراح التحكيم الدولي لحسم النزاع ووافقت اليمن على الاقتراح الاريتري. وقد عنت الموافقة اليمنية آنذاك على التحكيم أحد أمرين، إما انها واثقة ومقتنعة بان التحكيم سيكون لمصلحتها او ان ثمة شكاً في ملكيتها الجزر، والامر نفسه ينجر على اريتريا. وجاء يوم الامتحان عندما صدر قرار هيئة التحكيم بسيادة اليمن على حنيش الكبرى، وفي اليوم نفسه اعلنت اسمرا التزامها تنفيذ القرار. فهل ما زالت اريتريا، في نظر بعض العرب، توسعية او ربما معتدية تسعى لمحاصرة الامة؟ ربما بدا الأمر لهؤلاء كذلك في ما لو ان التحكيم قرر سيادة اريتريا على حنيش الكبرى! لكن يبقى ان اريتريا واليمن حققتا في نزاعهما على الجزر سابقة حضارية لم تتعد في الاطار الزمني ثلاث سنوات، وهي نموذج يصلح تطبيقه في كل النزاعات الحدودية بين دول المنطقة وبين كل دول القارة الافريقية التي تشهد نزاعات حدودية يزيد عمر بعضها عن ثلاثين عاماً.