يضاهي الانفتاح في ايران كثيراً من ديموقراطيات العالم الثالث، طالما المواجهة بين الانصار والخصوم في الشارع لا تتعدى اشتباكات بالأيدي، وضرب نائب الرئيس لا يؤدي الى ثورة او انقلاب. لكن الضربة التي تلقاها التيار الاصلاحي الموالي للرئيس بإقصائه عن انتخابات مجلس خبراء القيادة قبل الاقتراع كانت خسارة معركة كبيرة في وقت سجل خاتمي انتصاراً سياسياً بنجاحه في تفادي حرب مع افغانستان، سعى المتشددون اليها لتجديد دمائهم. ولأن الرئيس لم يربح بعد معركة الصحافة التي تدخل خامنئي للجم اندفاعها مع التيار الاصلاحي، ولأن البرلمان والقضاء و"مجلس أمناء الدستور" في قبضة المحافظين، بات خاتمي محاصراً في الداخل، ربما للمرة الاولى منذ انتخابه… محاصراً بين المرشد والمحافظين والمتشددين و"أنصار حزب الله". حتى رئيس بلدية طهران غلامحسين كرباستشي نسي دعم الاصلاحيين له حين حوكم بتهمة الفساد والاختلاس، ففاجأهم برفض دعوتهم الى مقاطعة انتخابات مجلس الخبراء، مثلما فوجئوا ب "ائتلاف" بين رفسنجاني وبعض رموز التيار المحافظ عشية الاقتراع، فكان انسحابهم استباقاً لهزيمة اكيدة. ولكن هل ينسحب خاتمي من مواقعه التي انتزعها في الشارع من خلال طروحاته الجريئة للتغيير وتعهده حماية الحريات واستبدال دولة المؤسسات بجمهورية "الاجنحة" ومراكز القرار الظاهرة والخفية؟ المواجهة المفتوحة بين التيارين الاصلاحي والمحافظ ما زالت في بداية فصولها، والرئيس ليس زعيم حزب او يمثل فقط الملايين الذين منحوه ثقتهم ليخلصهم من قوى ضاغطة سلاحها الاقوى كان ولا يزال إثارة الفزع من "المؤامرة" الدائمة و"الشيطان الاكبر" وبعبع "خيانة النظام" او التمرد على المرشد. ومرة اخرى ينتقل انصار خاتمي من الدفاع الى الهجوم، لذلك كان لا بد أن يدشن زعيم اليسار الاصلاحي مهدي كروبي حملة عنيفة على المجلس الدستوري الذي اقصاهم عن خوض المنافسة الانتخابية المقبلة، ليجعل خبراء القيادة حكراً على المحافظين. ومجدداً خرجت الحملة على المألوف: المحتكرون يستقوون بالمرشد للدفاع عن حججهم ومواقعهم، فما المانع في ان يستنجد دعاة التغيير بالخميني ! كما في قول كروبي ان مجلس الامناء اصبح "اداة بعد وفاة الامام، وهتك حرمات شخصيات دينية وسياسية وثورية كانت تحظى بثقته"؟ المفارقة في ما تشهده ايران منذ شهور ظاهرتان: كلما تلقى مؤيدو الرئيس ضربة كلما عزّز رفسنجاني نفوذه بهدوء، وكلما حقق خاتمي اختراقاً في جدار العزلة الخارجية، كما في التطبيع مع المانيا ثم فرنسا وبعدهما بريطانيا، احتدمت مع المحافظين والمتشددين. واذا كان السيد يراهن على تحمّل خسارات محدودة بانتظار كسب مواجهات كبيرة، يُخشى ان يستغل الخصوم ورقة الوقت لتشديد الحصار عليه، فلا يبقى امامه سوى الاستنجاد بسلاحهم: المرشد و"الحرس الثوري".