في تطور بارز لإنهاء ملفات حقوق الإنسان في المغرب، نشر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أمس قوائم باسماء 28 معتقلاً أفرج عنهم، وكذلك اسماء 112 من المختفين يتم الاعلان عنها رسمياً للمرة الأولى. وقالت مصادر حقوقية ل "الحياة" ان قوائم المختفين تشمل الفترة بين 1962 و1972 التي تميزت بتوترات اجتماعية، وتضم اسماء عسكريين متورطين في محاولتين انقلابيتين ضد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني عامي 1971 و1972، إضافة إلى ناشطين سياسيين ونقابيين، يُعتقد أنهم كانوا يقضون عقوبات بالسجن في معتقل "تازمامرت" في واحة صحراوية جنوب شرقي البلاد. وهدمت السلطات المغربية ذلك المعتقل أواخر التسعينات. وتردد وقتذاك أنه كان يؤوي معتقلين بدون علم السلطات القضائية التي تراقب السجون. لكن معتقلين افرج عنهم، عام 1994، أكدوا أنهم نقلوا من سجونهم إلى "تازمامرت" في ظروف غامضة. ويتهم بعض هؤلاء الجنرال الراحل أوفقير الذي قاد المحاولة الانقلابية عام 1972 بالتورط مباشرة في اعتقال أولئك "المفقودين" سيما وأن عسكريين ممن تورطوا في المحاولة الانقلابية لعام 1971 كانوا يقضون عقوبات هناك. والأرجح، بحسب بعض الأوساط، أنه كان يخشى ادلاءهم بمعلومات عن تورطه في المحاولة الانقلابية في 1971. ولم يفتضح أمر تورط أوفقير في المحاولة سوى بعد فشل محاولته الانقلابية الثانية في 1972. وتضيف ان لائحة المختفين التي وُزعت أمس شملت عسكريين كانوا دينوا في المحاولتين الانقلابيتين. ويشار، في هذا الصدد، إلى أن العقيد محمد عبابو شارك في اطلاق الرصاص على شخصيات مدنية وعسكرية في المحاولة الانقلابية الأولى في الصخيرات. وحاول مرات عدة الهرب من السجن بعد اعتقاله في غابة في ضواحي الرباط، إثر فشل تلك المحاولة إلى جانب معتقلين مدنيين من بينهم الاخوة "بوريكات" الذين اتهموا بالتجسس لمصلحة جهات أجنبية ويعيشون حالياً في الولاياتالمتحدة اثر الافراج عنهم قبل بضعة أعوام. كما أن عسكريين آخرين افرج عنهم بتزامن مع ذلك، ضمن قرار عفو أفاد منه ما يزيد على 400 معتقل عام 1994، ومكن معارضين منفيين من العودة إلى البلاد في مقدمهم أشهر المعارضين الفقيه محمد البصري الذي يعيش في الدار البيضاء الآن. وكان بعض عائلات المختفين طالبوا السلطات بتمكينهم من شهادات الوفاة بالنسبة إلى الذين غيبهم الموت، واطلاق المفقودين "الاحياء". وسبق لمعتقلين سابقين ان قدموا شهادات حول الوقائع المأسوية التي عرفها معتقل تازمامرت. كذلك تحدث عدد من المعتقلين الذين افرج عنهم عام 1994، عن حالات وفيات في ذلك المعتقل، إما بفعل المرض أو قساوة المعاملة. والملاحظ ان بعض المفقودين المعلن عن وفاتهم الآن كانوا سجنوا وأعمارهم تزيد على الخمسين عاماً. والثابت، في غضون ذلك، ان السلطات المغربية أقرت خطة لتعويضهم عن الاضرار. وتعتقد مصادر مغربية ان لجنة وزارية مختصة ستبحث في تكييف تلك التعويضات مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتعاون المصالح التي كان ينتسب إليها أولئك المفقودين. وقالت إن عمليات التدقيق في أوضاع المختفين استغرقت فترة طويلة بهدف الملاءمة بين القوائم التي تقدمها المنظمات التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب والخارج والحالات التي توجد قرائن حول مصير المعنيين بها. وأفادت تحريات قضائية أن بعض الأجانب الذين وردت اسماؤهم في قوائم المختفين تورطوا في محاولات لتهريب الأسلحة، سيما وان الفترة التي يطاولها الاختفاء تميزت بتوتر في علاقات المغرب مع عواصم مغاربية، مثل الجزائر وليبيا وقتذاك. وكانت محاكمات جرت في بداية السبعينات ضد سياسيين ونقابيين تورطوا في تلك الأحداث، ضمنهم وزراء في الحكومة الحالية وشخصيات قيادية في أحزاب المعارضة السابقة. وجاء في بيان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أنه على رغم ان ملف المعتقلين 48 دينوا بجرائم عنف تتعلق بالحق العام "تحت تأثير قناعات معنية" في إشارة إلى انتسابهم إلى تيارات إسلامية، فقد أصدر العاهل المغربي الملك الحسن الثاني العفو عنهم. لكن ملف "مجموعة وحدة" الذي يطاول 12 معتقلاً بسبب التورط في مقتل طالب جامعي، اثر مواجهات بين طلاب إسلاميين ويساريين، أدت إلى "محاكمة الطالب الراحل في فناء الجامعة وتنفيذ حكم بقتله هناك في غياب عن القضاء الحقيقي"، سيعرض على لجنة في المجلس الاستشاري، وكذلك حال اثنين من المعتقلين تورطوا مباشرة في اغتيال الراحل عمر بنجلون العضو القيادي في الاتحاد الاشتراكي عام 1975. وأكدت مصادر المجلس لپ"الحياة" أمس ان المناقشات التي دارت بحرية تامة داخل المجلس مكنت من الوصول إلى صيغ ملائمة للتعاطي مع ملفات المعتقلين. وأوضحت أن وزير الداخلية المغربي السيد ادريس البصري ساهم في شكل ايجابي في درس جميع الملفات والحالات "وان تعاونه مع المجلس مكن من احراز التقدم في درس الحالات المعروضة". وكان السيد ادريس الضحاك رئيس المجلس الاستشاري أشاد في مؤتمر صحافي بمجهود السلطات المغربية في هذا المجال. وقال إن التعاون الكامل بين السلطات القضائية والإدارية مكن من التغلب على الصعوبات التي كانت تعترض درس الحالات المعروضة. كما أشاد بالتزام المنظمات المغربية غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان.