كل أنواع الحروب تنطوي على إمكانية واسعة لاهدار حقوق الإنسان. هذه قاعدة باتت أقرب الى القانون، بعد أن قطعت التجارب بصحتها، ولذلك، إن أنذرت الأجواء باحتمال وقوع حرب ما، بغض النظر عن موقعها وتصنيفها من الأطراف المنغمسين فيها، تحسس نشطاء حقوق الانسان ملفاتهم، وأنهم يعلمون أن الحرب أصل الشرور والذهاب بمبادئهم، كيف لا، وهم يدركون ان الحرب تُعنى في التحليلين الاول والأخير بالقضاء على حق الحياة، الذي من دونه، يصبح البحث عن إقرار بقية الحقوق ضرباً من الجنون. ولكن مادامت الحروب أنواعاً، ساخنة وباردة، دفاعية وهجومية، عادلة وعدوانية داخلية وخارجية، محدودة وعامة، فهل يمكن المفاضلة بينها من حيث درجة الاساءة الى حقوق الانسان؟ هذه قضية تنبغي العناية بها تفصيلياً، والقناعة الأولية، أن الحروب جميعها تتنافس في فعل السوء بالإنسان وحقوقه. فاذا لم يكن من المفاضلة بدٌ، فالمقدر، وفق الملاحظة الاولية ايضا، ان الحروب الأهلية تشغل رأس القائمة بجدارة. يتحدث كثيرون عن رذائل الحروب عموماً، ومنهم من يضعون ايديهم على قلوبهم وعقولهم حَذَرَ انفلات بعضها الى استخدام الاسلحة غير التقليدية. والاعتبار الاساسي هنا، لا سيما لدى ذوي النزعة الانسانية، انه اذا كانت الحروب سنةٌ لاقبل حتى افق غير معلوم بدفعها ونبذها من اجندة العلاقات بين الخلق، فلا اقل من الجد في تحجيم خسائرها الى اقصى المستطاع. وفي هذا السياق، يأتي الاهتمام بإزالة اسلحة الدمار الشامل او ضبطها في اضعف الايمان. والواقع، أنه من خلال المنظور نفسه، منظور تقدير مدى خطايا وسوءات حرب عن حرب وفق مستوى الدمار المترتب على كل منها، أثرنا أولوية الحروب الأهلية. فاللعنة التي تلحقها هذه الحروب بمجتمعاتها، تصل بفعلها ونتائجها على ما هو مشاهد، الى ادراجها في مصاف اسلحة الدمار الشامل. لنتأمل مثلا الذي جرى في أفغانستان بين عامي 1992 و1997. فمن بين قوام أهلها البالغ نحو 17 مليون نسمة: قضى زهاء مليون نحبهم، واصيب قرابة 7 ملايين بإعاقات مختلفة، وتشرد لاجئاً في الخارج اكثر من 6 ملايين لم يعد للآن سوى نصفهم، بينما نزح في الداخل 5.1 مليون. ولحقت بجميع من بقي حياً صدوع نفسية لا يعرف احد كيف أو متى يتم علاجها. هذا عن حال العباد، ناهيك عما آلت اليه البلاد ومؤسساتها التي صار يصعب وصفها بالدولة العزيزة الاستقلال او الاركان. في الحروب الأهلية يموت الناس لأتفه الأسباب او بلا سبب معلوم. و يتسيّد نفر قليل معظمهم يحترف القتل، تستشري كل آفاق الإجرام، وتشرع الابواب ليدخل "من هب ودب" وقد يصبح النظام وسطوة الدولة، اي نظام ودولة كانا، مطلبا عزيز المنال لهذا ولمثله. ليس بعد هذه الحروب سوى الخراب الكامل، ما يدعو الى اشباعها بحثاً ودراسة وتأملاً في الاسباب والدوافع الكامنة والظاهرة ومداخل المعالجة وإنشاء أطر للإنذار المبكر بمواقعها والتضافر لاستئصالها او حصرها كمرض اجتماعي خبيث، تماما كما هي الحال مع الأسلحة غير التقليدية. * كاتب فلسطيني.