لا يولي اغلبنا اي اهتمام للطريقة التي نتنفس بها لاننا لا ندرك ان عملية تلقائية وبسيطة كهذه يمكن ان تترك اثراً كبيراً في صحتنا. ومع ذلك، فان التنفس المفرط يمكن ان يسبب لائحة طويلة من الاعراض المحيرة، من الام الصدر والاضطرابات المعوية الى الارهاق المزمن. تتضمن عملية التنفس استخدام مجموعات عدة من العضلات، لكن تلك التي نستخدمها بدرجة اكبر لاداء الانشطة اليومية المعتادة هي الحجاب الحاجز: الغشاء العضلي الذي يفصل الصدر عن الاحشاء. وفي احيان اخرى، كما هي الحال مثلاً عند القيام بتمرين جسدي شاق او عند الشعور بالخطر، تُستخدم عضلات الجزء العلوي من الصدر لسحب مزيد من الهواء. وفي مثل هذه الاوضاع يكون التنفس السريع من اعلى الصدر شيئاً طبيعياً. تبدأ المشاكل عندما نعتاد على استخدام عضلات الجزء العلوي من الصدر اثناء النشاط العادي. وتوضح آن بيتمان خبيرة العلاج الطبيعي في مستشفى "لندن كلينيك" ان "النتيجة هي التنفس المفرط، فيأخذ المرء 20 نفساً او اكثر في الدقيقة بدلاً من المعدل المعتاد الذي يراوح من 10 الى 14 نفساً". ويؤدي هذا الى "اختلال في غازات الجسم اذ تنخفض مستويات ثاني اوكسيد الكربون في الدم ويصبح الجسم اكثر قِلوية من المعتاد". وتنجم عن هذه الحالة، التي تُعرف ب "القُلاء التنفسي"، شتى انواع الاعراض المثيرة للقلق، مثل الم الصدر وخفقان القلب واحساس كوخز الأبر في اصابع القدم واليد واللهاث والتعب المزمن والاضطرابات المعوية والدوار والمشاعر المضطربة وضعف التركيز الذهني. ويسعى مركز السيطرة الخاص بالجهاز التنفسي الى الحفاظ على مستوى منخفض من غاز ثاني اوكسيد الكربون. فعندما يبدأ مستواه بالارتفاع يجد المرء نفسه يتثاءب بشكل متواصل، وهي الطريقة التي يخفض الجسم بواسطتها ثاني اوكسيد الكربون ويزيد مستويات الاوكسجين في الدم. ويعتبر التنفس المفرط المزمن من الحالات الشائعة. ويقول اخصائي الصدر الدكتور كلود لام، الذي اجرى ابحاثاً واسعة حول المشكلة، ان ما لا يقل عن واحد بين كل عشرة اشخاص يتنفس بشكل خاطىء، والعدد في تزايد. ويمكن لهذا الاعتلال ان ينشأ بعد الاصابة بمرض مثل التهاب الرئة. لكنه يبدأ احياناً عندما نعاني الاجهاد لفترة طويلة او اثر حادث مؤلم، مثل وفاة احد افراد العائلة او فقدان الوظيفة او انتهاء علاقة اجتماعية. ويلعب القلق دوراً رئيسياً، اما لانه يسبب المشكلة او لان الاعتلال يجعلنا اكثر قلقاً. ويمكن لطرق التنفس الخاطئة ان تفاقم ايضاً حالات اخرى، مثل داء الربو والقولون السريع التهيّج. كما تُثار تساؤلات عن احتمال وجود علاقة بين التنفس المفرط المزمن ومشاكل مثل اضطراب ضربات القلب. ويمكن معالجة التنفس المفرط، حالما يتم تشخيص الحالة، من دون اللجوء الى ادوية. فالعلاج يدور ببساطة حول تعلّم كيفية التنفس بصورة صحيحة مرة اخرى. وتقول بيتمان ان "الخطوة الاولى تتمثل في تخفيف القلق بتوضيح الاسباب وراء ظهور الاعراض. فغالباً ما يفترض الناس انهم مصابون بمرض خطير. بعدئذ يتعلمون عبر جلسات عدة كيف يتنفسون بوتيرة ابطأ باستخدام الحجاب الحاجز. وفي الفترة بين الجلسات يتدربون على تمارين في منازلهم". التمارين متنوعة، وبعضها يشبه تمارين التنفس التي تُعلّم في اليوغا. وتحقق هذه الطريقة معدلات نجاح عالية. وتبيّن دراسة اجراها الدكتور كلود لام وشملت 700 مريض ان 70 في المئة منهم شفوا بشكلٍ كامل، وتمكن 25 في المئة اخرون من السيطرة على الاعراض الناجمة عن حالات التوتر والاجهاد عبر التنفس بطريقة فاعلة. ولم تنتفع بقية المجموعة خمسة في المئة من هذا العلاج، ويرجع السبب بشكل رئيسي الى عدم تخصيص وقت كافٍ لاداء التمارين. قد يستغرق العلاج بهذه الطريقة وقتاً طويلاً اذا كنت لم تتنفس منذ سنوات بشكل صحيح. لكنه، في النهاية، لن يمنع ظهور الاعراض المثيرة للقلق فحسب بل سيعيد اليك ايضاً الاحساس بالثقة والقدرة على مواجهة اعباء الحياة. اختبر تنفسّك هل تتنفس بشكل صحيح؟ - تشمل علامات التنفس المفرط سحب الهواء عبر الفم بدلاً من الانف والتثاؤب والافراط في التنهد، بالاضافة الى التنحنح المتكرر لتنظيف الحنجرة. تأكد من تنفسك بوضع احدى يديك على بطنك والاخرى على الجزء العلوي من صدرك. يُفترض ان تتحرك بطنك، وليس الجزء العلوي من الصدر، صعوداً ونزولاً عند الشهيق والزفير. - للتنفس بشكل صحيح، اجلس في كرسي مريح مع إسناد ظهرك بحيث تكون مسترخياً. ارخي اي ملابس مشدودة على الجسم، خصوصاً حول البطن. ضع احدى يديك على صدرك والاخرى على بطنك تحت الضلوع مباشرة. اسحب الهواء ببطء عبر انفك، لتجعل بطنك ترتفع. احبس نفسك لبضع ثوانٍ، ثم انفث الهواء ببطء لتطلق من رئتيك اكبر ما يمكن منه. كرّر العملية مرات عدة، وتأكد ان بطنك، وليس صدرك، ترتفع عندما تتنفس.