يبدو أن مساحة التفاؤل بانفراج العلاقات بين شطري شبه الجزيرة الكورية الشمالي الشيوعي والجنوبي المدعوم من الولاياتالمتحدة، التي سادت في الخطاب السياسي الأميركي والشرق آسيوي خلال العامين الماضيين ضاقت الى أبعد الحدود. أما الأحلام بالوحدة الكورية التي أسست لها سيول وزارة أسمتها "وزارة التوحيد"، فعادت الى استعصائها أو استحالتها القديمة التي كانت قائمة منذ 40 سنة أي طوال سنوات الحرب الباردة. والسبب في ذلك يعود الى ما أسمته بيونغ يانغ اطلاق قمرها الصناعي الأول قبل اسبوعين، وتسميه واشنطو وطوكيووسيول صاروخاً استراتيجياً من طراز "تايبو - دونغ 1" يتراوح مداه بين 1500 و2000 كيلومتر ومؤهل لحمل رؤوس نووية. واعتبرت واشنطن أن اطلاق الصاروخ بمثابة خرق للاتفاقات التي وقعتها مع بيونغ يانغ وتعهدت فيها بتقديم مساعدات اقتصادية ضخمة تحتاجها كوريا الشمالية التي تواجه شبه مجاعة، مقابل تخلي الأخيرة عن برنامجها النووي. الى جانب واشنطن دانت طوكيو الخطوة الكورية الشمالية واعتبرتها نكوصاً بالمواثيق وعودة الى لغة الحرب والتهديد ودفع منطقة شرق آسيا الى حافة الانفجار. وكخطوة أولى جمدت طوكيو من جانبها تطبيع العلاقات الديبلوماسية مع بيونغ يانغ وهددت برفع المسألة الى مجلس الأمن وباتخاذ اجراءات صارمة ضدها. أما كوريا الجنوبية فأعتبر رئيسها كيم داي جونغ أنها محاولة يائسة لترميم "الاستبداد والديكتاتورية". وأمر فوراً "بوقف كل برامج الدعم الاقتصادي المتفق عليها". ودعا مواطنيه الى اليقظة والحذر وعدم الانجرار وراء الاستفزازات. هذا في حين تؤكد حكومة كوريا الشمالية انها أطلقت قمراً اصطناعياً وليس صاروخاً. وقالت وكالة الأنباء الرسمية في بيونغ يانغ ان التقنيين والعلماء نجحوا في اطلاق "أول قمر اصطناعي الى مداره على متن صاروخ من عدة طبقات" مضيفة أن القمر حالياً يبث الأناشيد الثورية مثل نشيد الزعيم الراحل كيم ايل سونغ ونشيد الجنرال نجله كيم جونغ ايل، واشارات مورس على موجة 27 ميغاهيرتز. وأكدت الوكالة الكورية الشمالية ان القمر الاصطناعي يدور حالياً حول الأرض على مدار بيضاوي الشكل وتستغرق كل دورة له 165 دقيقة وست ثوان. وذكرت ان القمر مجهز بكل معدات القياس اللازمة وسيساهم في تعزيز الأبحاث العلمية لاستعمال الفضاء لأغراض سلمية. وهاجم ناطق رسمي باسم حكومة بيونغ يانغ طوكيو بعنف وقال ان "أسوأ ما في الأمر هو موقف اليابان على رغم أنها لا تملك أي معلومات حول حقيقة ما جرى إلا أنها انساقت كالعادة للموقف الأميركي وراحت تهدد بقطع المساعدات الاقتصادية، وكأنها وفّت بالتزاماتها ووعودها". وأضاف المسؤول الرسمي بأنه "يتعين على طوكيو قبل اعلانها عن تجميد تطبيع العلاقات الديبلوماسية ألا تنسى أن من حقنا أن نطالب باعتذارات وتعويضات عن جرائمها السابقة وفي نيتنا ممارسة هذا الحق بكل الوسائل". واعتبر هذا التصريح بمثابة اشارة واضحة الى أن المساعدات التي وعدت طوكيو بتقديمها الى بيونغ يانغ هي عبارة عن تعويضات على جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الياباني خلال احتلال كوريا وليست معونات أو مساعدات. وبالتأكيد لم يكن اطلاق الصاروخ أو القمر الاصطناعي هو أول حدث في سلسلة التصعيد وانما جاء بعد مواقف عدة اعتبرتها واشنطن استفزازية ومتعمدة، منها صفقة صواريخ سكود عقدتها بيونغ يانغ مع باكستان. كذلك تسلل غواصة صغيرة تحمل 9 أفراد الى قبالة سواحل كوريا الجنوبية مطلع العام الجاري. أما الحدث الأهم في سلسلة الخروقات الكورية الشمالية للاتفاقات التي وقعتها مع واشنطن قبل أربعة أعوام فهي حسب الاستخبارات الأميركية رصدها لمجمع ضخم تحت الأرض في كوريا الشمالية تؤكد أنه محور جهود لاحياء برامجها للتسلح النووي الذي جمدته بيونغ يانغ مقابل حصولها على المساعدات الاقتصادية. ولو تأملنا المواقف الأخيرة لمختلف الأطراف لتبين لنا أن بيونغ يانغ بالفعل تتعمد خرق الاتفاقات وهذا يعود لسبب بسيط، وهو أن واشنطن لم تف بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها حين توقيع اتفاقات وقف برامج التسلح النووي الكورية الشمالية. فواشنطن وعدت بتقديم مفاعلين نووين يعملان بالماء الخفيف قيمتهما 5 بلايين دولار ومد بيونغ يانغ بما يصل الى 500 ألف طن من المازوت الثقيل سنوياً كمصدر بديل للطاقة الى حين تشغيل المفاعلين الجديدين. كذلك وعدت واشنطن بتقديم مساعدات غذائية بما يصل قيمته الى 7 بلايين دولار. ومضى على هذا الاتفاق نحو أربعة أعوام ولم تتسلم بيونغ يانغ سوى مساعدات تصل قيمتها الى 600 مليون دولار. كذلك في اطار الاتفاق أبدت اليابانوكوريا الجنوبية استعدادهما لتقديم معونات اقتصادية وغذائية وكل ذلك ما زال في خانة الوعود. وبالطبع هذه حيثيات المواقف السياسية. غير أن بيونغ يانغ تعتقد ضمناً أن الاتفاقات بالأساس هي خدعة أميركية - يابانية لتفكيك كوريا الشمالية وانهيار الحكم الشيوعي على طريقة التفكيك التي اعتمدت لتحطيم الاتحاد السوفياتي السابق حين أغرقت القيادة السوفياتية آنذاك بوعود المساعدات الاقتصادية، وبعد أن حطمت هياكلها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لحس الجميع وعودهم. ويبقى السؤال هل كوريا الشمالية على استعداد تام لإعادة المواجهة الباردة مع الشطر الجنوبي ومن خلاله مع اليابان وأميركا؟ في الواقع يبدو أن التجديد بإعادة انتخاب الزعيم الفعلي للبلاد كيم جونغ إيل رئيساً للجنة الدفاع قبل أيام يوحي بذلك لأن رئيس لجنة الدفاع هو الذي يعين وزير الدفاع وهو صاحب القرار النهائي لتحرك القوات المسلحة وهذا المنصب كان يشغله والده كيم إيل سونغ الزعيم الأوحد للبلاد قبل رحيله. غير أن الحال الاقتصادية في كوريا الشمالية لا تحتمل أي أشكال الحروب. هذا باجماع معظم المراقبين الدوليين