أثار العمل العسكري الاميركي ضد مصنع الأدوية السوداني وبعض مراكز التدريب في افغانستان حملة من التساؤلات والتحليلات السياسية طالت كل ما هو مطروح على الساحة الدولية ابتداء من موقع القطب الواحد الذي يتصرف كولي امر للمجتمع الدولي وانتهاء بالعلاقة بين الاسلام والغرب. وبطبيعة الحال طالت الاسئلة الجاليات الاسلامية المنتشرة خارج العالم الاسلامي، وأثرها في علاقة العالم الاسلامي بالعالم الغربي الذي تعايشه يومياً. وركّزت بعض وسائل الإعلام على تصريحات وبيانات صحافية صدرت من مجموعات سياسية اسلامية اعلنت موقفاً سلبياً تجاه البلدان الغربية التي تؤويها. وبالتحديد جماعات اسلامية معارضة تقيم في لندن اعادت بياناتها، وتحليلات الكتّاب السياسيين لها، الى مسرح الاعلام الدولي صورة "المسلم المتطرف" الرافض للتعايش والتفاهم مع "الغرب الصليبي" المتحالف مع "اليهودية الصهيونية"، مما اطلق سلسلة من الدراسات السابقة والمستجدة حول انجع السبل للتعامل مع هذه الجزر الاسلامية داخل العالم الغربي، لا سيما الجماعات الاسلامية المعارضة، ما بين داع الى التضييق عليها وترحيلها، ومتحمّس لبناء جسور التفاهم والحوار مع قياداتها ورموزها. والاسئلة التي تهم المسلم قبل غيره تتعلق بحجم هذه المجموعات المذكورة داخل الجاليات، وحجم تأثيرها عليها، وأسباب فشل الجاليات الاسلامية في الانفتاح على المجتمعات الغربية وتشكيلها لجسر تفاهم حضاري بين العالم الاسلامي، بثقافته وعقيدته وحضارته وأخلاقه، من جهة، وبين المجتمعات الغربية المضيفة من جهة اخرى، لا سيما واعداد المسلمين داخل المجتمعات الغربية "الأوروبية والاميركية" تبلغ بضعة ملايين، بدأت موجات هجرة بعضها عقب الحرب العالمية الثانية، ومن افرادها من انخرط في الحياة الاقتصادية والجامعية والسياسية والثقافية والفنية والرياضية، وبعض الجاليات حصل على اعتراف قانوني بحقوقه وهويته الثقافية، وكان سبباً في فرض موضوع "التعددية" في مجتمعات اوروبية عرفت تاريخياً باستعلائها على الاعراق الاخرى. وهي اسئلة تبرز كلما تعرضت العلاقات الاسلامية - الغربية الى اهتزاز تثيرها مراكز القوى الدولية، كالتي وقعت مؤخراً في تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة الاميركية في عاصمتي كينيا وتانزانيا، ورد فعل القوات العسكرية الاميركية عليها بضرب اهداف مدنية في السودان وأفغانستان، فالأسئلة اذن ردات فعل تتحرك في الساحة الاسلامية استجابة لأحداث تقع ثم تطوى صفحتها الى فصل قادم دون ان تهتم الجاليات نفسها في دراسة اوضاعها وسبل عملها وكيفية توظيف طاقاتها لخدمة قضاياها وقضايا العالم الاسلامي وقضايا البلدان المضيفة. وعالم اليوم اصبح شبكة متداخلة من العلاقات التي يصعب سلّها عن بعضها البعض، وتأثير الاحداث المحلية على المسار الدولي أظهر من ان يحتاج الى ايضاح. وضعف الحضور الاسلامي في الغرب بالرغم من وجود جاليات كبيرة وقديمة في بعضها كبريطانيا وفرنسا وألمانيا يعود الى اسباب عديدة ابرزها: - حالة العزلة التي يفرضها المسلم على نفسه - هناك - لخوفه على نفسه وهويته وثقافته، فهو لأسباب موضوعية كثيرة يعيش حالة صراع بين انتمائه للاسلام وعيشه في مجتمع غير مسلم، فالجاليات المسلمة في الغرب، تعيش - كأقلية - حالة عزلة نفسية واجتماعية، حرصاً منها على عدم الذوبان في المجتمع الغربي، وبالتالي فهي لا تعتبر نفسها معنية بالمجتمع الذي تعيش فيه، ولا تساهم بالعمل السياسي ولا تنخرط في القضايا العامة. وتعيش حالة تسقط الاخبار، وتتوجس من المسائل التي تؤثر عليها دون ان تفكر - بشكل جماعي - بالعمل على مواجهتها او معالجتها، وهي - بالتالي - لا تشعر بحقوقها ولا بحجم تأثيرها. - نقلت الجماعات المسلمة في الغرب معها كل امراض مجتمعاتها الفكرية والحضارية، كالفرقة وفردية العمل، وفشلت في تنظيم صفها. ولم تفلح في تنمية القواسم المشتركة الكثيرة القائمة على انتمائها للاسلام، فالاسلام بهذا المعنى ليس سوى عقيدة مجردة وبعض الاعراف والتقاليد التي تشكل جزءاً من الشخصية القومية. وبذلك يبقى انتماء الفرد والجماعة في الغرب الى بلدان اقليمية ومذاهب وأعراق مختلفة فيما بينها. وكل ما يجري في الشرق ينعكس عليها في الغرب، واختلاف بلدين مسلمين شرقيين متجاورين ينعكس سلباً على جاليتيهما ولو كان معظم افرادها من المعارضة السياسية في بلده الأم. - غياب تنظيم حقيقي يمثل المسلمين ويتحدث باسمهم، وبالرغم من وجود عدد من الواجهات التنظيمية، كاتحاد المنظمات الاسلامية، فان تمثيل كل منظمة لا يتعدى الافراد الذين انشأوها، ولم تنجح اي منها - حتى الآن - في ان تكون ممثلاً حقيقياً للجماعة الاكبر، و"التنظيم" قضية جوهرية يترتب على وجودها وغيابها آثار خطيرة كثيرة. لقد اعتدنا في كثير من امورنا وتحليلاتنا ان نحمّل الغير تبعات واقعنا المرير، ونميل الى تجاهل دورنا نحن في ازماتنا المتلاحقة، فنحن دائمو الشكوى من "المؤامرة" ضدنا، ومن تدخل الآخرين في شؤوننا بالقوة، ولئن كانت بعض الحكومات في العالم الاسلامي ما زالت بعيدة عن اجواء الحوار والحرية والتعامل الحضاري مع مواطنيها، فما هي حجة المقيم في الغرب الذي يتمتع بقدر كبير من حرية الحركة والتعبير والتنظيم، لم يترك الساحة خالية، ويحضر نفسه بين خطابين غير مقنعين: خطاب يفهم التميز والعزة مزيداً من الانغلاق والتقوقع والخوف والصدام مع المجتمعات التي يعيش بين ظهرانيها، وخطاب آخر حالم بعيد عن واقع معاناة ابناء الجالية، يدعو الى الذوبان المطلق في المجتمعات الجديدة، وتضيع بين التيارين اصوات الوسط التي تتلمس الطريق بحذر لاقامة توازن ما بين الانتماء للاسلام والعيش في الغرب. وفي خضم التيارات الثلاثة المذكورة نتساءل بمرارة، الم يأن الأوان بعد لتقف الجاليات امام مسؤولياتها الدينية والحضارية وتتحول الى جسر تفاهم مع الغرب، الذي يبحث عن حل بدوره للتعامل معها ومعنا؟ * كاتب لبناني