وصلت الى الاممالمتحدة مركز حقوق الانسان تقارير من مصادر مختلفة تشير الى قيام النظام الحاكم في بغداد بحملة من الاعدامات. وأكد مراقبون للوضع الداخلي العراقي ان آلة الموت قتلت معارضين سياسيين ومدنيين من بينهم أربعة أسرى كويتيين، وأربعة مواطنين أردنيين. وأشارت مصادر ان مهرجان الموت الاخير اعدم فيه 800 شخص على الأقل من مختلف اطياف المعارضة والمواطنين حين تم توزيع القتل بصورة متوازنة ليشمل كل مكونات المجتمع من دون استثناء. وتطرق وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط ديريك فاتشت في اجتماعه في مبنى وزارة الخارجية البريطانية 19/12/1997 مع عدد من اطراف المعارضة العراقية الى هذه المذبحة وقال ان "اعدام الاردنيين الأربعة رغم دعوات الملك حسين للعفو عنهم بالاضافة الى التقارير الاخرى عن اعدام اكثر من 800 سجين سياسي عراقي من دون رحمة في السجون العراقية، هي أدلة اخرى على انتهاكات نظام صدام حسين لحقوق الانسان المثيرة للاشمئزاز". وأعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية جيمس فولي 31/12/1997 في لقائه اليومي مع الصحافيين عن تلقي تقارير حول اعدامات جرت في العراق فذكر "خلال الأسابيع الماضية تلقينا عدداً من التقارير التي نعتقد انها قابلة للتصديق عن ان النظام العراقي أمر دون محاكمة باعدام المئات ان لم يكن الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجن أبو غريب ومعسكر الرضوانية للاعتقال قرب بغداد". وطالب باجراء تحقيق دولي تقوم به الأممالمتحدة من خلال المقرر الدولي لحقوق الانسان ماكس فان ديو شتويل وكذلك المقرر الدولي الخاص بالاعدامات الفورية ومن دون محاكمة بكري والي ندياي اذ قال "ان التقارير من الفظاعة بحيث تفرض اجراء تحقيق". وأردف الناطق باسم الخارجية الاميركية يقول ان واشنطن تعتقد ان مقرر الاممالمتحدة الخاص لحقوق الانسان في العراق والمقرر الخاص للاعدامات بلا محاكمة "ينبغي ان تكون لديهما الفرصة للتحقيق في هذه الاتهامات". من جهة اخرى اصدرت منظمة العفو الدولية بتاريخ 18 كانون الاول ديسمبر 1997 "نداءً عاجلاً" حول الاعدامات الاخيرة ودعت الى ارسال برقيات الشجب والاستنكار وابداء القلق لمصير من تبقى من المحجوزين والمطالبة بوقف مسلسل القتل الذي يجري في سجون العراق حالياً. ولازالت ردود الفعل والتحري وجمع المعلومات تجري بنطاق واسع من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمعنيين بالقضية العراقية. وحصدت المعارضة العراقية بالتعاون مع بعض المصادر النافذة في النظام على معلومات وقوائم بأسماء عشرات من الضحايا الذين حولتهم دراما الموت وآلياته المفجعة الى جثث. فالسلطة العراقية لا يتسع افقها الا بالحل الدموي والتصفيات الجسدية كأسلوب أوحد وحل نهائي للاستمرار بالحكم، وصفه المقرر الخاص لحقوق الانسان في العراق في تقريره الاخير المقدم للجمعية العامة للامم المتحدة في الشهر الماضي بكونه نظاماً فردياً ديكتاتورياً. وجاءت الحملة على اثر زيارة قام بها قصي صدام حسين المسؤول الاول عن الاجهزة الامنية في العراق الى سجني أبو غريب ومعسكر الرضوانية مطلع شهر كانون الأول الماضي وشاهدها مكتظة بالسجناء والمحجوزين وسأل عن السبب فذكر له بأن معظمهم من المحكومين بالاعدام ولم تصلنا أوامر من رئاسة الجمهورية للتنفيذ. بعدها بدأت عملية الاعدامات الجماعية بناءً على أوامر صادرة من "لجنة السلامة الوطنية" في رئاسة القصر الجمهوري التي تصدر قراراتها مسبقاً وتوجهها الى المحاكم السرية الخاصة المغلقة التي تعقد جلسات مقتضبة الاجراءات، لسماع قرار الحكم للمتهمين. يقع سجن أبو غريب المركزي ومعسكر الرضوانية الرئاسي في الجهة الغربية من بغداد ويعتبران من المواقع الحساسة التي تمنع حكومة العراق المفتشين الدوليين من الوصول اليهما للتفتيش عن وثائق أو معدات مطلوبة مخبأة في الغرف السرية. وكذلك ترفض زيارة المراقبين الدوليين العاملين ضمن صيغة قرار مجلس الأمن الدولي المسمى ب "النفط مقابل الغذاء والدواء" من زيارة أو الاقتراب من هذه الاماكن خشية اطلاع مراقبي الاممالمتحدة على أوضاع السجناء السياسيين وأحوالهم المزرية التي تفتقر الى ابسط المعايير المحددة في المواثيق الدولية. تشير أرقام الاعدام المفزعة الى تصعيد خطير في علاقة النظام القائم بأوساط الشعب العراقي وقواه السياسية. وجاءت الحملة لتوسع الفجوة الحاصلة بين السلطة والمواطنين، ولتقطع الطريق على أية محاولات لاعادة تأهيل النظام المفرط بالقسوة عبر طرح دعوات الحوار أو التفاوض والمراجعة التي يروجها البعض من واجهات السلطة أو المتعاونين معها. ويعدم التصرف الاخير تصور قيام أي علاقة طبيعية مستقرة سياسياً بين الحكم الحالي والمجتمع العراقي، بعد أكثر من عقدين من سياسة العنف المنظم الممارس والمدار من قبل النظام الحاكم، مما ولد عنفاً مضاداً انعكس عند المدنيين في عمليات اغتيال فردية لأولئك الذين نفذوا تعليمات القتل في المواطنين من الحزبيين وضباط الامن انتقاماً أو اخذاً بالثأر المؤدج سياسياً أو عشائرياً، ومما يستبعد جداً حدوث انفراجات في بنية الحكم المطلق باتجاه المصالحة الوطنية بين الحكم وابناء العراق الرافضين له. في قراءة أولية فاحصة لأسماء الضحايا وانتماءاتهم السياسية تجد انها شملت الفسيفساء العراقية المؤلفة من الاتجاهات السياسية والمكونات القومية والمذهبية للمجتمع العراقي. وتوزع الموت على مختلف محافظاتالعراق، الى جانب عكسها للنشاط العفوي أو المنظم للمعارضة العراقية الذي يندر التحدث عنه في وسائل الاعلام في حين يعلمه المهتمون بالقضية العراقية ويتابعونه بحرص ليعطي لهم دلالات واتجاهات الرأي العام العراقي. وشملت تهم الاعدامات كل ما خطر على البال من اقتصادية كالتعامل بالدولار وتهريب البضائع البسيطة اذا صدق المصدر الرسمي. كذلك أظهرت القوائم اسماء بعض من اعدموا بتهمة محاولة اغتيال عدي صدام حسين. واعتبر اخرون من انصار المقتول حسين كامل صهر الرئيس العراقي. وطالت مواطنين لفقت لهم تهمة الاشتراك في محاولة انقلابية ضد السلطة القائمة. ويلاحظ ان تهمة التحريض على السلطة من قبل العراقي تؤدي به الى الاعدام والتهمة تعني ممارسة الحريات العامة أو الدعوة الى احترام حقوق الانسان مما يوضع مدى الرفض الشعبي للحكم ولممارسة. واحتوت قافلة الشهداء على أربعة أسرى كويتيين: كاصد صباح الباروني من أهالي روضة غريم مواليد 1959، خضر خالد المانعي من أهالي الحمار مواليد 1962، ساجد عوام الكالح من أهالي قصر الصبية مواليد 1963، وبرعش احمد الداولي من أهالي الكويت مواليد 1946. اضافة الى الطلبة الأردنيين الأربعة وليد نصيرات، وسعد وصلاح الدوحي، ورزق بشارة رزق. وغطت وسائل الاعلام قضيتهم بشيء من التفصيل، ونقلت هيئة الارسال العراقية في نبأ لها من بغداد، دفع أحد الاشخاص مبلغ 250 ألف دينار عراقي الى ادارة سجن أبو غْيب "كخدمات اعدام"، عندما استدعي لاستلام جثة أخيه بعد ان بحث عنه في 12 مخزن مبرد كل واحد يحتوي على 30 جثة، ونفذ حكم الاعدام بسجناء سجن أبو غريب المركزي رمياً بالرصاص أما نزلاء سجن معسكر الرضوانية الرئاسي فقد استخدم الصعق بالتيار الكهربائي من الرقبة وسيلة للاعدام. وضمت قوافل الشهداء وصلنا منها اسماء حوالى 187 شهيداً اسماء جمع كبير من المستقلين العراقيين ومن منتسبي ومؤيدي المؤتمر الوطني العراقي الموحد والتنظيمات الاسلامية والحركة الكردية وخصوصاً الاتحاد الوطني لكردستان العراق وحزب كادحي كردستان والحزب الشيوعي العراقي والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية كذلك حركة الوفاق الوطني ومعارضين تركمانيين.