من يذكر فاروجان، ذلك المصوّر الارمني اللبناني الذي صوّر الرؤساء والشخصيات العالمية والفنانين اللبنانيين والعالميين والطبيعة اللبنانية، ورافق الاخوين رحباني والمطربة فيروز في معظم اعمالهم ورحلاتهم؟ فاروجان الذي لا يزال كما سمّي "شاعر الصورة" يطلّ إطلالة شاملة عبر كتاب فنّي ضخم بالفرنسية والانكليزية عنوانه "لبنان: يوميات سفينة مصوّر". وأشرف على الكتاب الفنان سعد كيوان واضعاً لمساته على إخراجه وعلى توزيع الصور والتبويب. والكتاب هو باكورة دار سعد كيوان للنشر التي تُعنى بالكتب الفنية والجميلة. ضمّ الكتاب 206 صفحات و185 صورة من أحجام مختلفة، بالالوان والاسود والابيض ومقدّمة كتبها الناقد جوزف طراب. وفي الكتاب تحضر الطبيعة اللبنانية حضوراً مشرقاً، وكذلك الآثار اللبنانية العريقة ووجوه كثيرة من الحقول كافة كالسياسة والفن والادب والاعلام. والكتاب، كما يرى طراب، كان من المناسب ان يقدّم تحية لعمل فاروجان... عبر هذا "الألبوم" الفني الذي ينقل تجوال فاروجان التصويريّ في لبنان الماضي، لبنان الذي شوّهته الحرب والبناء العشوائي والتلوّث والاهمال... عدسة فاروجان تبقى في النهاية عدسة ذاتية. ونظرته كنظرة اي مصوّر، خاصة به، وإن كانت تأثرت بثقافة عصره وقيمه وأعرافه وآرائه المسبقة. وما برح فاروجان سيتيان، الذي يملك ذاكرة مذهلة، يعيش اليوم وبعد ستين عاماً من التصوير لحظتي التحميض والتظهير اللتين ما زال يصرّ على إنجازهما بيديه. ويندرج فاروجان على طريقته وبأسلوبه الخاص في سلالة الرسامين المتجوّلين وفي مجموعة المصورين المشهديين الذين خلّدوا في الافلام الفوتوغرافية مواقع لبنان منذ النصف الاول من القرن الماضي. وفاروجان هو نموذج المصوّر الرسميّ، فقد صوّر نحو عشرين رئيس دولة وملكاً واميراً من المنطقة العربية. وصوّر في اطار مهمات أوكلت اليه مواقع في ايران وأرمينيا وبعض الدول الخليجية خلال حياة مهنية طويلة بدأها قرابة العام 1940 عندما ترك المدرسة وهو في الثالثة عشرة لينصرف الى التصوير والعمل في المختبرات الفوتوغرافية. وبعد ان عرف فاروجان كمصوّر رائد وأصيل وبعد سلسلة من الصور الجميلة والفنية، اصبح المصور الخاص لفرقة الاخوين رحباني وللمطربة فيروز... ورافقهم بدءاً من العام 1962 في كل جولاتهم في الداخل والخارج وصوّر الاعمال الرحبانية في بعلبك والارز والشام وسواها أجمل الصور وأشدها تعبيراً. وأقام فاروجان معارض عدة في الخارج في باريس ولندن وطوكيو وسواها وحصد جوائز عالمية. اما كتابه فهو حقاً أشبه بيوميات مصوّر، كتاب ساعات وذاكرة يقدّم شهادة مزدوجة لعصر التصوير البطولي حين كان يتوجّب قياس النور وتخمين المسافات وإقامة علاقة حيّة وحيوية مع العالم المحيط. ويحمل الكتاب تحية مزدوجة الى لبنان الذي كان بجماله وروعته والى مصوّر احب لبنان بشغف حتى انه كرّس له أفضل ما امتلك من مواهب.