نبأ سماح السلطات السورية بتوزيع مجلة "المحرر نيوز" الاسبوعية التي تصدر في باريس وتتضمن تصريحات للعماد ميشال عون، سلّطت الأضواء على الدوافع التي حدت بالأخير الى تغيير لهجته حيال سورية بعد مضي اقل من اسبوعين على اعلانه ان سورية منعته من الكلام، حين علّق على مطالبة الحكومة اللبنانية تلفزيون "ام.تي.في." بعدم بث المقابلة معه. ففي عدد المجلة الذي جرى توزيعه مطلع الاسبوع، قال عون كلاماً جديداً اعتبر فيه ان "لبنان اولاً" التفاوض مع اسرائىل على انسحابها من الجنوب اللبناني هو "فخ للبنان وسورية". وقال كلاماً يؤيد تلازم مساري التفاوض حول عملية السلام، السوري واللبناني. وميّز عون بين سورية وبين اهل الحكم في لبنان. وسأل "ما دخل سورية في الخلل الذي يفرضه اهل الحكم على ممارسة الديموقراطية؟"، وأشار الى "ان سورية خارج اللعبة الداخلية". هذه التصريحات الجديدة اللهجة لعون سلّطت الضوء على ما يجري تداوله في عدد من الاوساط السياسية في الآونة الاخيرة، والتي تشير الى ان ثمة شخصيات سياسية لبنانية مقرّبة من القيادة السورية، تجري اتصالات مع قيادات مسيحية معارضة في محاولة لجس نبض فتح حوار معها، استناداً الى توجه سوري بعدم ممانعة اجراء هذه الاتصالات اذا كانت نتائجها مفيدة وتخلق مناخاً مغايراً لذلك المناخ العدائي من هذه القيادات تجاه السياسة السورية في لبنان. وفي هذا السياق، تشير مصادر سياسية موثوقة ل"الحياة" الى ان بعض المسؤولين السوريين تبلغوا من قبل جهات لبنانية في الخارج، بأن حديث عون الى مجلة "المحرر نيوز"، فيه لهجة مختلفة حيال دمشق، قبل صدور العدد، في شكل أدى الى ترقب كلامه، بعد ان كان حمل عليها بسبب عدم بث مقابلته على تلفزيون "أم.تي.في." ما أدى الى ترقب صدور العدد وبالتالي السماح بتوزيعه، خصوصاً ان المسؤولين السوريين المعنيين يعتبرون ان صدور مثل هذا الكلام عن شخصية مسيحية سبق ان تهجّمت بهذا الشكل على سورية، يعني تغييراً في مواقف عون وليس تراجعاً من قبل القيادة السورية على مواقفها السابقة. إلا ان الاتصالات التي سبقت صدور حديث عون في المجلة، لم تقتصر على تبلغ جهات سورية بالمضمون الجديد للهجته، بل تجاوزتها الى لقاءات له مع بعض الشخصيات اللبنانية الصديقة لسورية، باسمها هي، لا باسم سورية، وإن كانت هذه الجهات السورية على علم بهذه الاتصالات. فبعض الأوساط السياسية يتداول منذ فترة المعلومات الآتية: - ان الوزير والنائب السابق ميشال سماحة قد زار باريس قبل اسابيع عدة والتقى عون في جلسة حوار حول الوضع المسيحي والوضع اللبناني، تناولت كل الامور بما فيها العلاقة مع سورية. وواقع الأمر، وفقاً لمعلومات "الحياة"، ان سماحة التقى حين زار باريس كل اركان المعارضة الذين يعيشون فيها، في اطار الاهتمام بخوض نقاش وسجال حول الوضع المسيحي، بدأه، كما يفعل غيره في لبنان، بلقاءات لقيادات موجودة في لبنان، بدءاً بالبطريرك الماروني نصرالله صفير، تحت عنوان عريض هو هاجس دفع بعض المسيحيين الى العودة عن سياسة الاستنكاف وعدم المشاركة في الحياة السياسية. وكانت أنباء ترددت في بيروت على غير لسان أشارت الى ان وزير الصحة سليمان فرنجية، بدوره قام بزيارة إلى فرنسا والتقى العماد عون، قبل اسابيع، وان هذا جاء ضمن محاولة منه لتلمّس خطوات تهدف الى تطبيع الوضع المسيحي مع سورية في اطار حوار وتشاور بينه وبين القيادة السورية حول هذا الامر، لكن أوساط فرنجية نفت ذلك، في وقت قالت مصادر مطلعة ان بعض المقربين الى فرنجية التقوا عون اخيراً، وانه سواء كان اللقاء مباشراً بينهما أم انه كان عبر اصدقاء مشتركين نقلوا رسائل، فقد كان لافتاً ان عون أشار الى فرنجية في حديثه الصحافي بايجابية، في معرض تأكيده على أن اصدقاء سورية الحقيقيين "يؤكدون انها بريئة من التوريط المستمر لها والتلطّي وراءها لتبرير اخطاء الحكم". وللتواصل بين عون وفرنجية مغزى خصوصاً ان للاخير علاقة جيدة مع المقدم بشار حافظ الأسد. وثمة لقاءات، حسب مصادر سياسية أجرتها شخصيات لبنانية أخرى مع عون واركان المعارضة في الخارج. وأوضحت مصادر اطلعت على فحواها، ان العماد عون بدا أكثر مرونة من الرئيس السابق أمين الجميل، ومن رئيس "حزب الوطنيين الاحرار" دوري شمعون، حليفيه في "التجمع الوطني" المعارض، من دون ان يعني ذلك ان حسابات جديدة يجب بناؤها على هذه الليونة حيال فتح الحوار مع سورية. وتستند هذه المصادر الى استنتاجات عدة بالقول انه في الوقت الذي أعطى البعض أبعاداً اكثر مما يستحق للقاء عون مع البطريرك صفير في باريس، فيجب الا يغيب عن البال ان الجنرال هو الذي جاء الى البطريرك، سياسياً، لا العكس، وان عون هو الذي عدّل لهجته حيال سورية ايضاً. وتقول المصادر السياسية نفسها ان التحرّك الذي تقوم به قيادات مسيحية حليفة لدمشق تستند الى الحاجة الى استكشاف المواقف على ابواب استحقاقي الانتخابات البلدية والرئاسية، والى حاجة المسيحيين الى تفعيل تطبيق الارشاد الرسولي الذي صدر عن البابا يوحنا بولس الثاني بعد زيارته الى لبنان في أيار مايو الماضي، والذي حسم عدداً من الامور، داعياً المسيحيين الى الاخذ بها، ومنها انتماء لبنان العربي والموقف من اسرائيل وأخذ العبر من الماضي. لكن السؤال، رغم الاشارات عن إطلاع مسؤولين سوريين على بعض هذه الاتصالات، يبقى الآتي: الى أي درجة تدعم سورية هذه الاتصالات؟ واذا كانت تفعل فما هو الهدف الذي تريد الوصول اليه من خلالها؟