لعل بلادنا العزيزة هي أغنى الامم عطاء، وما زالت منذ ان اكرمها الله بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم تقدم للانسانية أسمى النماذج البشرية الفذة في كل مضمار وميدان. ويعترف بذلك كل مطلع على التاريخ ويقر بذلك كل منصف نزيه. ولقد قدمت هذه الامة العديد من الرجال العظماء ظهرت سيرتهم في الشرق والغرب وفي طليعتهم المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ومن بعده ابناؤه الابرار. لذلك سجل التاريخ للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه توحيد شبه الجزيرة العربية، وهيأ الله له السبل لضم اقدس بقعتين على وجه الارض، وهما الحرمين الشريفين في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، اللتين تمثلان مركز الثقل في العالم الاسلامي ومحط انظار المسلمين جميعاً. اضافة الى ما اعطاه الله لهذه البلاد من ثروة نفطية يعتمد عليها الاقتصاد العالمي، في وجود اكبر احتياطي للنفط في العالم في اراضيها... مما جعل لها مكانة وقوة دينية واقتصادية بين سائر الامم. وهيأ العامل الاقتصادي لخدمة العامل الاسلامي لتعلو كلمة الاسلام مرة اخرى ويستعيد مجده وقوته. وهذه المسؤولية توارثها ابناء المغفور له الملك عبدالعزيز، وفي طليعتهم الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله، الذي حمل هذه المسؤولية الكبرى بعد وفاة والده ومن بعده اخوانه الذين تولوا الحكم. وقد عبر عن ذلك الحدث التاريخي الملك سعود بن عبدالعزيز في مقولته الشهيرة في ذكرى جلوسه الاول عندما قال: "ان عهد أبي رحمه الله، اشتهر بالفتوحات وأعمال الخير، وعهدي سيكون تتمة لأعمال والدي في الحرب على الفقر والجهل والمرض"، فكانت هذه العبارة هي الركيزة التي بدأ يمارس منها مسؤولياته في تطوير بلاده مستعيناً بالله وبما اوتي من قوة، وعزم، وحزم، معتمداً بعد الله على الأسس الراسخة التي بناها والده المغفور له الملك عبدالعزيز، وايضاً بما حباه الله من صفات تمتع بها وهي التواضع، والكرم، والشجاعة، والعدالة، والمساواة بين الناس، متمسكاً في كل ذلك بتعاليم الكتاب والسنّة. حارب الملك سعود الجهل بالعلم وركز عليه في بداية عهده، وكان تشجيعه لتعليم البنات موازياً للبنين، كما غرس فينا نحن ابناءه حب العلم منذ الصغر. فبدأ النهضة التعليمية بفتح مدرسة انجال ولي العهد الاهلية التي تعد من اوائل مدارس البنين في نجد بعد مدرسة الامراء والمدارس التذكارية التي انشأها الملك عبدالعزيز رحمه الله. ثم بعد ذلك تم افتتاح مدرسة الكريمات للبنات عام 1951 هي أول مدرسة للفتيات في نجد. وكانت توجيهاته، رحمه الله، تؤكد على عدم التفرقة في المعاملة بين سائر الطلبة وإعطاء صلاحيات ادارية وتربوية كاملة للمعلمات. وضمت المدرسة جميع مراحل التعليم العام. وواصل الملك سعود اهتمامه بالتعليم حتى تم تحويل مديرية المعارف العامة التي انشأها الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1344ه 1926 الى وزارة المعارف التي نعرفها الآن. ففي 18 ربيع الثاني 1373ه 24/12/1953 صدر المرسوم الملكي برقم 5/3/26/2950 القاضي بتأسيس وزارة المعارف وتعيين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله كأول وزير لها، وتركزت اهدافها في مجال التعليم على الاهتمام بالتعليم العالي ومعاهد المعلمين، ومجانية التعليم، ومكافحة الامية والتعليم الفني المتوسط. ورغبة منه، رحمه الله، في تحفيز ابناء الوطن على الالتحاق بالتعليم قام بتخصيص رواتب شهرية تراوح بين 100 و300 ريال سعودي للتلميذ الواحد. كما قام الملك سعود بإهداء عشرة قصور ملكية في محلة الرويس لوزارة المعارف وسميت "مدينة الملك سعود العلمية". ثم انشئت جامعة الملك سعود في الرياض وهي أول جامعة على مستوى المملكة عام 1377 ه - 1957، والجامعة الاسلامية في المدينةالمنورة عام 1381 ه - 1961. وفي مجال تعليم البنات أيضاً صدر المرسوم الملكي القاضي بوجوب فتح مدارس لتعليم البنات عام 1379ه 1959، كما تم انشاء هيئة مستقلة للاشراف على المدارس وهي الرئاسة العامة لتعليم البنات التي فتحت أول مدارسها عام 1380ه 1960. كما حارب الملك سعود الفقر وشجع المؤسسات الخيرية لمساعدة الفقراء، فكان رحمه الله أول من ساند تأسيس صندوق البر الذي دعت صحيفة البلاد الى تأسيسه في مكةالمكرمة عام 1371ه 1951 بهدف مساعدة الأسر الفقيرة، فشارك بتقديم الدعم والتشجيع لهم، مما جعل الأسر الغنية تتسابق بتقديم التبرعات، كما أمر أيضاً في 6/9/1374 1954 بتأسيس صندوق البر في مدينة الرياض، واعقبه انتشار العديد من صناديق البر في كل مدن المملكة. واستمرت هذه المؤسسة الخيرية منذ ذلك الوقت حتى وقتنا الحالي التي يطلق عليها الآن مسمى جمعية البر الخيرية. كما كان له دور بارز في رعاية الأيتام فشجع بناته نورة، موضى وحصة على تأسيس مبرة كريمات الملك سعود، وتعتبر أول دار ايواء للفتيات اليتيمات في مدينة الرياض، وقام يرحمه الله بافتتاحها في شعبان عام 1376ه 1956 وكانت تتسع لمئة فتاة يتيمة يتلقين تعليمهن في الدار في السكن الداخلي الذي خصص لهن. أيضاً كان القسم الخارجي يستقبل الطالبات غير اليتيمات، وعين لهن المربية الفاضلة السيدة زاهية عسيران لادارة المبرة. واستمرت هذه الدار بعطائها الخيري الى ان ضُمت للرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1385ه 1965. ثم توالت مشاريع الخدمات الاجتماعية والخيرية في كل البلاد وانشئ العديد من دور اليتامى في المدن والقرى حتى وصل عددها عام 1376ه 1956 الى ما يقارب الثلاثين داراً تكفلهم الدولة وتضمن لهم المأوى والمأكل والتعليم. وظهرت محاربته للمرض باهتمامه بالرعاية الصحية للمواطن السعودي، فأسس المستشفيات في أنحاء المملكة وأهمها مستشفى الملك سعود في الرياض، ومستشفى الهدا للسل ومستشفى الأمراض الصدرية بحدا. كما انشأ المحجر الصحي عام 1376ه 1956 والمستشفى المتنقل في البادية، وغيرها من المنشآت الصحية في مناطق متفرقة من المملكة. كما كان للملك سعود انجازات في مجالات مختلفة لا مجال لحصرها. فكان تركيزه على رُقي بلاده والمواطنين معتمداً بعد الله على ما بدأه والده المغفور له الملك عبدالعزيز وعلى ما كان يتمتع به شخصياً من صفات تتميز بالتواضع والكرم، والشجاعة، والعدالة، ونقاء النفس، وطهارة القلب، اضافة الى اتسامه بالشهامة والإباء وعلاقاته الطيبة بأبناء وطنه، ومحبته لهم وعطفه عليهم، وقدرته الكبيرة على الصبر والتحمل وعزيمته ورغبته الملحة للنهوض ببلاده والسير بها الى أمام معتمداً على الله في كل شيء. ففي ذكرى وفاتك المصادفة لهذا اليوم يا والدي، أود ان أقول بأنك كنت دائماً مثال الوالد الصالح الذي احتذيت به طوال حياتي وأدين له بكل ما اكتسبته. وسأبقى وفية للمثل والأخلاق والعطاء التي زرعتها في نفسي كما زرعها في نفسك والدك المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. فستبقى ذكراك خالدة في كل أعمالك وسيرتك العطرة. فلترتاح نفسك الطاهرة في مثواها الأخير يا والدي، وليسكنك الله فسيح جناته يا رب العالمين. * ولد في 12 كانون الثاني يناير 1902 - توفي في 24 كانون الثاني 1969 تولى الحكم من 1953 - 1964م