الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " والله أسأل أن أكون من ذلك الولد الصالح الذين يدعون لآبائهم دبر كل صلاة ليبقى ذكرهم عند الله مقروناً بالعمل الصالح، ويستمر ذكرهم بين الناس مقروناً بالفضائل، وبذكر ما قدموه من عمل صالح، وأفعال تصب في خدمة الناس والمجتمع والوطن إن شاء الله. ولعلّ من جملة فعل البر الذي نقدمه كأبناء بررة، قيامنا بذكر مآثر الوالد عبدالرحمن الفالح – رحمه الله- وأسكنه فسيج جناته، حيث كان خلال حياته يؤثر فعل الخير سراً، ولا يجب الظهور، ويبتعد عن الشهرة، والظهور الإعلامي تقرباً إلى الباري عز وجل بأن يكون العمل الذي يقوم خالصاً لوجهه الكريم، ومبتعداً عن التظاهر، والرياء قدر الإمكان. فقد كان له ما أراد خلال حياته الحافلة بالعطاء، والإخلاص، وحب الخير، والتفاني في خدمة الناس، والمجتمع والوطن، ولكننا اليوم وبعد أن توفاه الكريم لرحمته، وأصبح في دار الآخرة نجد لزاماً علينا نحن – أبناؤه- وبراً بذكراه أن نقوم بتوضيح بعض من جميل أعماله، ونحاول تسليط الضوء ولو على جزء يسير مما كان يقدمه في سبيل مجتمعه ووطنه، عسى أن يكون ما نقدمه عن والدنا – رحمه الله- من أفعال طيبة، وسجايا كريمة محاولة لإيفائه حقه من التكريم، وأن نسير على خطاه، ونتعلم، ونعلم أولادنا العطاء، والكرم، والوفاء، والإخلاص، فتلك هي سجايا والدنا المرحوم – إن شاء الله- من خلال أفعاله، وذكراه الطيبة. وأن نسأل الله في كل صلاة، أو دعاء له الرحمة والمغفرة وفسيح الجنان إن شاء الله. وقد كانت ولادته – رحمه الله – في الزلفي بتاريخ 1/7/1341ه، وتوفاه الباري عز وجل بتاريخ 15/8/1435ه بمدينة الرياض، لتكون سنوات حياته نحواً من (94) سنة قضاها في خدمة وطنه، ومجتمعه، كانت حافلة بالعطاء، وحب الخير للجميع، ولله الحمد والمنة. وقد نشأ والدنا – رحمه الله- في بيت علم, ودين، حيث كان والده فضيلة الشيخ فالح – رحمه الله- قاضيا في مدينة الزلفي، وبذلك التحق منذ تفتحه لتعلم القرآن الكريم، وتدبره على يدي الشيخ محمد العمر، مؤذن جامع الزلفي الشمالي، ودرس الفقه عند كل من الشيخ عبد الله بن فنيطل بالزلفي، والشيخ محمد اللحيدان– رحمهم الله-. وفي رحلاته لطلب العلم، ففي عام 1352 ه سافر– رحمه الله- إلى الرياض لطلب العلم حيث أكمل دراسة القرآن الكريم لدى الشيخين على اليماني، ومحمد بن سنان، ثم انتقل لطلب العلم لدى سماحة الشيخ محمد بن عبداللطيف، والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ابن عياف, ودرس الفرائض لدى الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ. كما نهل والدي – رحمه الله- العلم من قبل علماء وأئمة الحرم حيث إنه في عام 1354ه كانت رحلته الأولى بطلب من الشيخ عبدالله بن حميد مرافقته إلى مكةالمكرمة لصيام رمضان بها،وطلب الشيخ ابن حميد من الشيخ عبدالظاهر أبا السمح إمام الحرم– آنذاك- في ذلك الوقت أن يفرغ لهم من وقته ساعة يدارسهم بها أحكام التجويد بعد صلاة الفجر من كل يوم. ثم أقام –رحمه الله- بالرياض حتى عام 1358ه. ليصبح بفضل المولى عز وجل أحد علماء عصره. حيث كانت الرحلة الثانية لطلب العلم إلى مكةالمكرمة عام 1359ه حيث لازم الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف في ذلك الوقت، ودرس أيضاً عند الشيخ عبدالعزيز بن رشيد وكانا يدرسان الطلاب في الحرم الشريف. وبذلك نهل والدي – رحمه الله- من العلم الشرعي ما قسمه الله، على أيدي علماء نجد، والحجاز معاً، ليتمكن من خدمة بلاده بمقتضى علمه، ووفق ما وفقه الله له. أما في مجال العمل الوطني والمجتمعي فقد اجتمع والدي – رحمه الله- بالملك المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وتلقى منه التوجيهات والتعليمات، وكانت أولى المهام الموكلة إليه في عام 1363ه تشكيل هيئات تفتيش للقيام بجولة على المراكز، والمدن، والقرى، وكان الوالد – رحمه الله- يفخر بثناء الملك عبدالعزيز – رحمه الله- عليه، وعلى رفاقه لقيامهم بمهامهم على أكمل وجه حيث كان يستقبلهم بعد عودتهم من مهامهم الموكلة إليهم بقوله "حي الله الصابرين". كما أنه أول من افتتح مدرسة للتعليم بالزلفي، ولعل من أجلّ الأعمال التي اضطلع والدي – رحمه الله – بالقيام بها، وإتمامها هو قيامه بافتتاح المدرسة الأولى بالزلفي، حيث إنه في عام 1368ه كلفه الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف بافتتاح أول مدرسة بالزلفي، فسافر الوالد – رحمه الله- إلى مكةالمكرمة، ثم إلى القصيم لمقابلة مدير التعليم بالقصيم الشيخ صالح العمري لكون الزلفي يتبع القصيم وطلب منه معلمين، وأثاثاً للمدرسة وفعلاً تم تزويده بالمطلوب، وكلف معه كلاً من صالح الموسى، ومحمد البشر ليكونا أول معلمين لتلك المدرسة، وتم افتتاح المدرسة الأولى بالزلفي واسمها حالياً مدرسة القدس، إذ كان الشيخ محمد بن سليمان الذيب مديراً لها، ووقف معه يداً بيد حتى قامت المدرسة، وأعطت ثمارها علماً، وطلاب علم يفخر بهم الوطن، والمجتمع، ليقدم الوالد - رحمه الله- بعدها استقالته 1375ه ليتفرغ لإنجاز آخر لا يقل عن هذا الإنجاز أهمية وقدراً. وكان - أيضا - أول من افتتح داراً للأيتام بالزلفي، إذ كان افتتاح دار الأيتام بالزلفي ثاني عمل جليل يقدمه الوالد – رحمه الله- لمجتمعه، حيث إنه في عام 1376ه كلفه الشيخ بن عبدان قاضي الزلفي بأمر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بافتتاح دار الأيتام، فشمّر عن ساعد الجد والاجتهاد، وقام بالمهمة خير قيام، وتم افتتاح الدار، وعمل مديراً لها حتى عام 1377ه، ليتركها على خير حال، وأفضل مقام، باحثاً عن مجال آخر للعطاء الذي لا ينضب. وفي عام 1377ه ونظراً لسجايا الوالد – رحمه الله- وخصاله المعروفة بين الناس، وفي المجتمع، تم تعيينه مديراً لبيت المال بمحكمة الرياض حتى عام 1386ه، وكان في هذا المجال الحيوي خير أمين، ومؤتمن. ولم يغب عن بال المسؤولين جهوده، وأمانته، وإخلاصه في عمله، فتم بأمر من وزير العدل عام 1386ه بأن يتم تعيينه – رحمه الله- مفتشاً لبيوت المال بالمنطقة الغربية، ثم بالمنطقة الشرقية حتى عام 1391ه، فكان في هذا العمل، وتلك الوظيفة نعم المخلص الأمين، حيث قام بمهامه خير قيام، فاستحق احترام الكبار والمسؤولين، كما استحق احترام كل من عمل معه، أو لديه من عاملين، ومسؤولين. وفي عام 1391ه انتقل إلى وزارة الداخلية وعمل بها مفتشاً ومحققاً شرعياً بإدارة التفتيش، مؤدياً عمله على أكمل وجه، واستمر على هذا المنوال – رحمه الله- حتى عام 1400ه متفانياً في خدمه وطنه، ومجتمعه، باذلاً كل ما في جعبته من حنكة عملية، وإدارة حكيمة في سبيل تحقيق الخير والأفضل للناس والمجتمع. وفي العام نفسه طلب الوالد – رحمه الله- الإحالة المبكرة للتقاعد مفسحاً المجال لغيره من الشباب، ومؤثراً التقاعد وهو في ذروة عطائه، وإخلاصه، ومحتفظاً بكم كبير من الثناء والرضا عن دوره، وعمله أمام المولى عز وجل أولاً، وأمام الحكومة والمسؤولين الذين وضعوا ثقتهم فيه فكان خير الثقات، وكان خير العاملين. وأخيراً هذا ما تيسر لي ذكره، من سجايا، وخصال، المغفور له بإذن الله تعالى والدنا عبد الرحمن فالح الفالح– رحمه الله- ولعل هدفنا من هذه السيرة العطرة تذكر فضل رجل جدير بالتكريم، وذكر الأفعال الحميدة التي قام بها، ولعلنا نحن ومن يقرأ تلك السيرة العطرة أن نترحم على ذكراه، وأن ندعو له بالمغفرة والقبول عند الله، والأهم أن نقتدي بمآثره الطيبة، وأن نسير على خطاه الكريمة، وأن نتمثل نحن وأبناؤنا، والأجيال القادمة من سيرته معاني الوفاء، والإخلاص، والكرم، والعطاء، والوطنية، وحب الناس، والمجتمع.