قال مسؤولون في صندوق النقد الدولي ان الأزمة الاقتصادية الآسيوية ستؤدي الى "إبطاء" النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا على رغم انهم لا يعرفون بالضبط مدى ما ستسبب هذه الأزمة من مضاعفات اقتصادية اقليمية. وقال مسؤول في الصندوق الدولي لپ"الحياة" تتفاعل "الأزمة الآسيوية، وعلى رغم انها قد لا تؤدي الى ركود اقتصادي، ستبدل عدداً من الأمور، ولم تظهر حتى الآن النتائج المترتبة عليها لكننا نجد في سبيل إصدار تقويم كامل لها، وأضاف: "مع ذلك نعتقد ان الذيول التي ستخلفها الأزمة ستكون ضخمة إذ قد تكلف بلايين الدولارات وتسبب تراجع الناتج المحلي الاجمالي في آسيا عدداً من النقاط ما سيشعر سكان الشرق الأوسط وشمال افريقيا بها وبنتائجها". وأشار المسؤولون في صندوق النقد الدولي الى ان نسبة النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا قد تبلغ أربعة في المئة سنة 1998 ما يعتبره المسؤولون نسبة محترمة على رغم انها النسبة كانت ستكون أفضل لولا أزمة آسيا التي سببت تراجع أسعار النفط في الأسابيع القليلة الماضية وأجبرت صندوق النقد الدولي على اعادة نظره في تكهناته الخاصة بالنمو الاقتصادي العالمي. ونظراً الى ان تعداد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يزداد بسرعة، ستؤدي الأزمة الى نمو ايجابي لكنه بطيء جداً في دخل الفرد فيها. ومع هذا كله قال المسؤولون في المؤسسة المالية الدولية ان ثمة عوامل ذات أهمية قد تغير التكهنات الخاصة بالمنطقة. ولعل من أهم العوامل ان منطقة شمال افريقيا قد لا تشهد أحوالاً جوية سيئة السنة الجارية أيضاً بعدما شهدت أحوالاً سيئة العام الماضي. وإذا سادت أحوال جوية جيدة وجاءت المواسم معطاءة قد ينمو الاقتصاد المغربي بنسبة ستة الى سبعة في المئة، وينمو الاقتصاد التونسي بنسبة خمسة في المئة، فيما قد ينمو الاقتصاد الجزائري بين ثلاثة وأربعة في المئة، على حد ما يقول صندوق النقد الدولي. وستكون دول منطقة الخليج أكثر دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تضرراً من الأزمة الآسيوية. واعرب المسؤولون في الصندوق الدولي عن قلقهم حيال التراجع الحاد في أسعار النفط الذي شهدته الاسابيع الأخيرة، مما جعلهم يعيدون النظر تنزيلاً في تكهناتهم الخاصة بالنمو الاقتصادي في دول منطقة الخليج الى بين واحد واثنين في المئة سنة 1998. ولا يراقب خبراء الصندوق الدولي ميزان العرض والطلب في سوق النفط الدولية فقط، بل احتمال ظهور اشارات اخرى تدل على التأثر بالأزمة الآسيوية. مشاريع الغاز وعلى سبيل المثال قال الخبراء أنهم لن يفاجأوا اذا تمّ ارجاء تنفيذ عدد من مشاريع الغاز الكبيرة الموضوعة في الخليج بسبب تراجع الطلب على الطاقة في كوريا الجنوبية وتايلاند. وستكون الامارات وسلطنة عمان أكثر دول الخليج تضرراً من الأزمة الآسيوية على هذا الصعيد بالذات. وينتظر ان تؤدي الأزمة الآسيوية الى الحد من الاستثمارات التي تخصصها شركات كورية جنوبية كبيرة مثل "دايوو" وشركات ماليزية واندونيسية في منطقة الخليج. وقال مسؤولون في الصندوق الدولي أيضاً ان الأزمة الآسيوية ستضر بموازنات الدول المنتجة للنفط وقد يقرر بعض هذه الدول الحد من الانفاق وإرجاء تنفيذ المشاريع التنموية ما سيؤدي الى تراجع عدد الوظائف الجديدة المتوافرة، والى تراجع ما يرسله العاملون الاجانب في منطقة الخليج الى ذويهم، والى تراجع ما تطلبه دول المنطقة من العمال الاجانب. ويلفت مسؤول في المؤسسة المالية الدولية الى ان "التراجع الحاد في أسعار النفط سيؤذي الايرادات. وما يرسله العاملون الاجانب في منطقة الخليج الى ذويهم، والموازنات العامة و موازين المدفوعات في دول الخليج فضلاً عن استعداد هذه الدول للاستثمار في الدول العربية الأخرى". ويعتقد بعض الخبراء في الشأن المالي الدولي أن الأزمة الآسيوية قد تعود بالنفع على أسواق ناشئة أخرى. وفيما ينصرف المستثمرون الأجانب عن الأسواق الآسيوية أو يبرد حماسهم لها، سينصرفون الى أسواق أخرى علماً بأن المنطقة الآسيوية كانت تلقت، حتى انفجار أزمتها، ثمانية دولارات من كل عشر دولارات تدفقت الى الأسواق الناشئة باسم الاستثمارات الرأسمالية. ومن المحتمل ان يزداد تدفق هذه الاستثمارات الى دول أميركا اللاتينية، لكن بعض الخبراء يعتقد ان أسواق الشرق الأوسط وشمال افريقيا قد تزداد جاذبية". ولا يعرب مسؤولو صندوق النقد الدولي عن كبير أمل في هذه الحظوظ والاحتمالات ويوافقون على الفكرة القائلة بأن من الممكن ان تزداد الاستثمارات تدفقاً الى الشرق الأوسط وشمال افريقيا لكنهم يقولون أيضاً ان العكس قد يحدث بالنظر الى ان سمعة الأسواق الناشئة تضررت وساءت. وبعد الأزمة الآسيوية اصبح من المنتظر ان يخصص المستثمرون أموالهم الاستثمار في مجالات تدر عليهم العائدات الجيدة وحيث يشعرون بالأمان والاطمئنان الى النتائج. وبالنظر الى أن المستثمرين سيزدادون تمعناً في أوضاع الأسواق التي سيستثمرون فيها بعد انفجار الأزمة الآسيوية، يعتقد المسؤولون في صندوق النقد الدولي ان على الدول العربية ان تضاعف جهودها لضمان تمسكها بالاصلاح الاقتصادي وبالسياسات الاقتصادية والمالية السليمة. الاصلاحات قد تجذب المستثمرين الأجانب وقال أحد المسؤولين: "إذا واصل عدد كبير من دول الشرق الأوسط التمسك بالسياسات السليمة، وبإعادة هيكلة اقتصاده، وإذا حافظ على توازن اقتصادي عام جيد، ستنجذب أموال المستثمرين اليه". العدوى ولا يعتقد المسؤولون في صندوق النقد الدولي ان ثمة ما يشير الى احتمال انتقال عدوى آسيا الى أسواق الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني الاستكانة والاسترخاء. وأشار المسؤولون الى أن الأزمة الآسيوية انفجرت من دون ظهور "عوارض" تحذيرية تذكر، ويشيرون الى عدد من الدروس والعبر المحددة التي يجدر بسكان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ان يتأملوها ومن هذه العبر ضرورة تنبه المصرفيين المركزيين والمسؤولين الماليين ويقظتهم فيما يمارسون الاشراف على أنشطة الأسواق المالية. ولا تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من مشكلة رؤوس الأموال قصيرة الأجل المتدفقة من خارج التي سببت أوجاعاً لكوريا الجنوبية. لكن المسؤولين في صندوق النقد الدولي يشيرون الى أن بعض الدول العربية مكشوف أمام التزامات أجنبية قصيرة المدى مثل الودائع بالعملات الأجنبية التي يجب أن تراقب وترصد بعناية فائقة ويقظة. وبالاضافة الى هذا، المطلوب يقظة وتنبه في الدول التي كانت ألغت القيود على تحركات رؤوس الأموال وفتحت اقتصادها أمام الاستثمارات الأجنبية، ما يعني ان على الحكومات ان تتبنى أنظمة احصائية صارمة دقيقة بغية رصد تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لا الى النظام المصرفي وحسب، بل أيضاً مباشرة الى المشاريع المنفردة. وأعرب مسؤولون في صندوق النقد الدولي عن قلقهم حيال احتمال نشوء "فقاعة موجودات" كما حدث في آسيا عندما موّلت رؤوس الأموال الأجنبية المتدفقة نمواً غير حكيم وغير متبصر في الاقراض. ويكمن الخطر في الأسواق العربية في أن قاعدتها الرأسمالية ضيّقة نسبياً، مما يفسح المجال أمام عدد محدود نسبياً من المستثمرين الكبار ان يؤثروا كثيراً على أسعار الأسهم. ويتعين على المصرفيين المركزيين وعلى السلطات المالية ضمان عدم اعتماد عمليات شراء الأسهم على الاقتراض الواسع النطاق والكبير. ومن الاشارات البديهية على وجود مشاكل أو على احتمال انفجار أزمة هو ان يتراجع سعر سهم من الأسهم بسرعة وعلى نحو لا يسوّغه أداء الشركة "صاحبة" السهم أو مقدرتها على توليد الأرباح أو جنيها.