"لارا" في رواية بوريس باسترناك "دكتور جيفاغو" مستلهمة ومستوحاة من شخصية عشيقته اولغا ايفنسكايا. ومنذ وفاته عام 1960 عن سبعين عاماً ما زالت قصة باسترناك مع اولفا تثير جدلاً في الأوساط الاجتماعية والثقافية عبر روسيا، وأحياناً خارجها، كما هي الحال بعد اكتشاف رسالة وجهتها اولغا الى نيكيتا خروتشوف، وهي وراء القضبان، تطلب فيها العفو، كونها عاونت ال "كي. جي. بي" عندما أفلحت في اقناع باسترناك بالأحجام عن ترك روسيا الى الغرب، بعد فوزه بجائزة نوبل. "احتفظت بتلك الرسائل التي كتبها باسترناك لأشخاص في الغرب ولم ارسلها لأنها كانت ستسبب الكثير من الضرر. طلبوا مني الحزب الشيوعي ان أحول دون لقائه مع أجانب وبذلت جهدي لذلك". وفي الرسالة ايضاً مقطع يشير الى محاولة أولغا منع نشر "دكتور جيفاغو" في الخارج اضافة الى دورها في اقناع باسترناك برفض جائزة نوبل. "عندما أراد ان يغادر روسيا بعد نوبل كنت أنا من جعله يغيّر رأيه". الواقع ان وراء الأكمة تفاصيل تتعلق بتركة باسترناك وارشيفه. ففي العام 1992 ربحت اولغا دعوى قضائية سمحت لها بحفظ أرشيف الكاتب الراحل، لكن ورثته استأنفوا وعلى رأسهم ابنه يفجيني وزوجة ابنه ناتاليا. وبقيت الدعوى معلقة، فمن جهة ورثة باسترناك يريدون الاحتفاظ بكل تركته في عهدة الدولة، ومن جهة أخرى ورثة أولغا يحاولون الاستئثار بالأرشيف لأغراض قد تكون تجارية. ولد باسترناك في العاشر من شباط فبراير عام 1890 كان والده رساماً ووالدته عازفة بيانو وبين 1914 و1923 نشر باسترناك أربع مجموعات شعرية وصلت اصداؤها الى أوروبا واثارت اعجاب مثقفيها. وفي 1922 تزوج الرسامة ايفيجينيا فلاديميروفنا ورزق منها ابناً. لكن باسترناك، حسب مؤرخي زمانه، كان معتاداً حياة ذات قواعد تولستوية، يومياتها شبيهة بتلك الموصوفة في "الحرب والسلم"، بينما قدمت له ايفيجينيا حياة بوهيمية بالغة التفلت من التقاليد واخلاقيات الماضي. وفي العام 1931 افترقا ليتزوج عام 1934 زينايدا نيكولانينا. وفي السنوات اللاحقة عاش متأرقاً، قليل النوم، كثير الاضطراب. خصوصاً بعدما اعتبره ستالين كاتب روسيا الاول، ما جعله يؤثر الانعزال على الاختلاط. وفي احدى جلسات الحزب الشيوعي عام 1936 انفجر باسترناك قائلاً "لا يمكنكم ان تنتجوا ادباء كأنكم تضخون الماء". بعدئذ حاول باسترناك ان ينضوي في المجتمع كأي شخص عادي، مجهول، محظوظ أو عاثر الحظ. حتى العام 1946 عندما التقى اولغا ايفنسكايا ووقع في غرامها. عام 1957 نشرت رواية "دكتور جيفاغو" في ايطاليا وفي العام التالي نال جائزة نوبل، لكنه اضطر ان يرفضها بضغط من المكتب السياسي للحزب الشيوعي. وعاش العامين الاخيرين من حياته منعزلاً، مهاناً، في وطنه. ولعل ما زاد في الطين بلة ان السلطات السوفياتية أسرت عشيقته بعد موته بتهمة "التعامل مع الغرب". اعتقد باسترناك، على غرار تولستوي، بقوة المنطق الداخلي، وأهمية القدر في صنع حياة الناس ومصائرهم. اضافة الى اهمية ما يفعله البشر باقدارهم. لكنه كان ايضاً شاعراً بالغ الحزن والخيبة. وبعد الحجر الذي اصابه على اثر نوبل كتب في احدى قصائده: "اتمنى ولو لثانية/ ان تمسح دموعي يد الشخص الى يميني".