عندما ترك الرئيس جمال عبدالناصر الخدمة العسكرية ليدير الثورة، ويصبح رئيساً للجمهورية لا أذكر انني رأيته في سترة عسكرية بعد ذلك. اما الرئيس انور السادات الذي طرد من الجيش في قضية عزيز المصري، وعاد اليه فقد بقيت في نفسه ميول الى العسكرية، فكان اذا زار سلاح الطيران ارتدى سترة مشير زرقاء، واذا زار سلاح البحرية ارتدى سترة مشير بيضاء، وهكذا. وجاء الرئيس حسني مبارك، وهو وصل الى قيادة سلاح الطيران قبل ان يعيّن نائباً للرئيس ثم يتسلّم الرئاسة، وعلّق السترة العسكرية على شمّاعة ولم يعد اليها. فلا أذكر انني رأيته في ثياب عسكرية منذ عرفته. ومثله الرئيس حافظ الاسد، مع خلفيته المماثلة في سلاح الطيران، فهو لم يعد يرتدي الثياب العسكرية مذ خلعها. وفي تجربتي الشخصية مع اصدقائي فقد بلغ الأمير خالد بن سلطان رتبة فريق، وكان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب الخليج، وهو منصب لم يبلغه قائد عربي قبله، وتقاعد برتبة فريق اول ركن. ولا أذكر انني رأيته في ثياب عسكرية بعد ذلك. كانت هذه مقدمة لعقدة الثوب العسكري عند مجلس قيادة الثورة العراقي، فأنا لا أرى اعضاءه في التلفزيون إلا وأراهم في ملابس عسكرية تنذر بالشر. صدام حسين لم يكن عسكرياً محترفاً يوماً، وانما منح نفسه لقب مهيب ركن، في حين ان الرئيس الراحل احمد حسن البكر، وهو عسكري محترف في الاصل، رفض ان يضيف لقب "ركن" الى رتبة "مهيب"، لأنه لم يدرس في كلية أركان ليستحق اللقب. الواقع انه لا يوجد عسكري حقيقي واحد في مجلس قيادة الثورة باستثناء الفريق اول الركن علي حسن المجيد، وهذا كان قبل 17 تموز يوليو 1968 جندياً عمل سائقاً عند آمر اللواء الراحل حماد شهاب التكريتي الذي اصبح في ما بعد وزيراً للدفاع. ورقي المجيد الى رتبة "رأس عرفاء سائق" وعمل في قاعدة الحرية الجوية كركوك، وبعد 1968 عُيّن مديراً للأمن العام، ثم مسؤولاً عن عشر فرق عسكرية في الشمال ونفّذ عملية الانفال ضد الاكراد سنة 1988. وفي سنة 1992 عُيّن خلفاً لحسين كامل المجيد، الذي كان مجرد جندي سائق دراجة في موكب صدام حسين عندما كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، ومنحه صدام رتبة فريق أول ركن في قيادة الدراجات؟. أما طه الجزراوي فكان مساعد ضابط قبل 1968، وهذا لا يحمل رتبة فوق الكتف في الجيش العراقي، ثم منح رتبة نقيب بصفته عضواً في المكتب العسكري لحزب البعث. ويعرف عن عزت الدوري انه كان بائع ثلج في بغداد، قبل ان يحترف العمل الحزبي السرّي، فبيع الثلج مهنة صيفية، اما العمل الحزبي فعلى مدار السنة. ومنحه صدام حسين رتبة فريق اول ركن بعد ان عيّنه في الثمانينات نائباً للقائد العام للقوات المسلحة، مع انه لم يكمل دراسته الابتدائية. وكان صدام حسين ألزم اعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث والوزراء خلال الحرب العراقية - الايرانية ان يرتدوا ملابس عسكرية من لون اخضر غامق او زيتوني، وهو لون لباس ضباط الامن والاستخبارات. ولكن صدام حسين أمر لتمييز هؤلاء عن الضباط بأن يوضع على اكتاف ستراتهم العسكرية شعار خاص هو سعفة نخيل لمن هو في درجة وزير، وسعفتان للوزراء، اما اعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية فلهم سعفتان مع علم عراقي. وهكذا، ففي حين يرتدي مدنيون ثياباً عسكرية من دون وجه حق، فإن برزان التكريتي الذي تخرّج من كلية الدفاع الوطني سنة 1968 يفضّل الزي المدني ربما قرفاً من أدعياء العسكرية، مع انه سينكر ذلك. يفترض ان يبتعد المدني عن الامور العسكرية، ومع ذلك فهناك ناس في العراق ينتحلون صفة العسكر وهؤلاء لم يربحوا حرباً في تاريخهم الحديث. وقد قال الأمير خالد بن سلطان دائماً ان النصر على بلد عربي ليس سبباً للتفاخر او السعادة. "عسكر" مجلس قيادة الثورة في العراق مَثل حيّ على مأساة الأمة بناس يدّعون عملاً هم غير مؤهلين له، فيخسرون كمدنيين، ويخسرون كعسكريين، وتدفع الأمة الثمن.